ليندا عبد العزيز- منوحين من القدس: استضاف بيت هؤمنيم (بيت الفنانين) في القدس هذا الشهر معرضا فنيا للتصوير يقع خارج إطار التيار المركزي السائد المتمثل بـquot;ـالمين ستريمquot; الإسرائيلي. خلال السنوات الخمس الماضية، طرق الفنان ميخا سمحون، وهو من اصل مغربي، أبواب متاحف عديدة تهتم بالفن، إلى أن لقي صدى ايجابيا لفكرته الرامية الى تتويج الموسيقيين اليهود من الدول العربية. ومما يثير الدهشة لأول وهلة، أن معرض الصور لفنانين يهود، تفانوا في سبيل فنهم العربي، استقطب زوارا إسرائيليين من اصل أوروبي أو ممن ولد في إسرائيل بجذورهم الاوروبية وهم ممن تكون معرفتهم بالثقافة العربية وحضارتها ضئيلة إن لم تكن منعدمة. بدأ تدشين المعرض بندوة في نفس القاعة التي احتضنت صور العازفين المشهورين من اصل عراقي، مثل عازف القانون ابراهام سلمان وعازف الكمان الياس شاشا وعازف الناي البير الياس. وما ان انتهى النقاش حتى بدأت فرقة من العازفين، ظهرت صور عدد منهم في المعرض بمرافقة الآلات الموسيقية بمهارة فائقة وأناقة منقطعة النظير. اوتار تروي قصة عمر فني مديد يتراوح بين المد والجزر، بين العز والمعاناة، أولها في الوطن الأم وآخرها في الوطن الجديد. وكم كانت بهجتي عظيمة عندما رأيت الجمهور يتفاعل بايجابية مع إيقاع النغمات العراقية المشهورة مثل quot;فوق النخلquot; وأغنية فيروز quot;اعطني الناي وغنيquot; أدتها دافنه، شابة في مقتبل العمر ذات ثقافة موسيقية كلاسيكية وعربية مع والدتها الهاوية، سعاد، العراقية الأصل.

المغنية دافنا

اختار الفنان الخلفية الغامقة للصور على غرار ما كان متبعا في الرسم الكلاسيكي في أوربا، فيما سلط الضوء على الشخصية الفنية -بالبذلة والرباط -لإكسابها هالة من النور. هذا الاسلوب من الإضاءة الفنية عرض الموسيقيين العراقيين في منزلة رفيعة ذات أبهة، منزلة كانوا محرومين منها على ارض ألواقع في إسرائيل. إن الهجرة الجماعية من العراق في منتصف القرن العشرين، اقتلعت قرابة 150 ألف يهودي من جذورهم، بعد إسقاط الجنسية عنهم وتجميد اموالهم المنقولة وغير المنقولة. فقطعت مشوار التقدم والشهرة على العديد من العازفين اليهود الذين كانوا من ابرز مؤسسي ومجددي الموسيقى العراقية. وقال الفنان سمحون انه بحث في قوائم الحائزين على جائزة إسرائيل وهي ارفع جائزة تقديرية تقدمها الدولة وانه فوجئ بان منذ تأسيس الدولة كان هناك ثلاثة فائزين فقط ممن يمثلون الموسيقى الشرقية، وجدوا أهلا لها.

المغنية ايمان

بعد مرور أكثر من ستين عاما على تأسيسها أصبحت إسرائيل، بفسيفسائها ألاثني، أكثر تجانسا واستطاعت، بعد أخطاء كثيرة من محاولتها العقيمة لمسح الهوية الشرقية الأصلية، استيعاب اللاجئين اليهود من الدول العربية إلى جانب القادمين من أوربا على قدم المساواة. غير ان العديد من اليهود آثروا إخفاء هويتهم الشرقية لدى تعاملهم مع المنحدرين من أوربا الشرقية بل وحتى مع أبنائهم وأحفادهم مثلما كان الحال مع الفنان سمحون. وروى خلال المنتدى انه في صغره لدى زيارة عمته، عندما كان يمسكها متلبسة بالاستماع إلى أغاني ام كلثوم كانت سرعان ما تقفل جهاز الراديو بشيء من الحياء. وهكذا تتجنب الأسئلة المحرجة التي هيمنت على العقلية الأوربية بأن الموسيقى الشرقية هي موسيقى بدائية. وعندما سمعت هذه الرواية لم اتمكن من تمالك نفسي وكبح الدموع التي تناثرت على خدي كما ينفرط عقد اللؤلؤ الثمين. كفكفت دموعي وانا اسأل نفس إذا كنت ابكي على هؤلاء الذين اضطروا إلى حرمان أنفسهم من غذاء الروح في تلك الأيام العصيبة التي كان فيها المذياع الناطق بالعربية الرفيق في رحلة العمر الموحشة؟ ام إنني ابكي على ذكريات في مخيلتي من ايام الدراسة في جامعة بغداد عندما كنت في كلية التجارة والاقتصاد، حيث كان اهتمامنا بالأغاني العراقية والموصلية يضاهي اهتمامنا بالمادة الدراسية؟ صحيح إننا نعيش في عالم غريب، حدوده الجغرافية باتت ظلالا شاحبة مما صهر ثقافتنا العابرة للقارات. فهذه دافنه الاسرائيلية تغني اغاني عراقية بينما شابة عراقية في قسم الادب العبري في جامعة بغداد تغني اغاني للمغنية الإسرائيلية quot;سريت حدادquot; بالعبرية! اختلطت علي الأمور فهل أنا وحدي في الساحة، التي تعشق كلا الحضارتين الرائعتين؟

ابراهام سمعان