صلاح سليمان من ميونيخ: تعتبر مجموعة quot;الفن المصري القديمquot; المعروضة بشكل دائم في متحف خاص بها في قلب مدينة ميونيخ، واحدة من أهم وأندر القطع الأثرية المصرية المعروضة في الخارج، ورغم صغرها نسبيا مقارنة بالمتاحف الكبيرة،إلا أنها نجحت في تعزيز السياحة إلى ميونيخ، وساعدت كذلك في زيادة التنوع والثراء الثقافي الذي تشتهر به العاصمة البافارية والتي تضم بين جنباتها نسبة كبيرة من المتاحف الشهيرة، أهمها علي الإطلاق هو المتحف التقني الشهير.

يقع متحف مجموعة الفن المصري القديم قريبا من عدة متاحف أخري في ميدان quot;أوديونز بلاتزquot; في قلب المنطقة السياحية في ميونيخ، التي تكتظ بآلاف السياح من كل الجنسيات المختلفة.
أنشئ المتحف في عام 1970 بقرار من حكومة ولاية بافاريا بعد توصية من عدد من خبراء الآثار الألمان الذين كانوا علي دراية بأهمية تلك المجموعة الأثرية النادرة، والتي ظلت محفوظة في اقبية خاصة في مكتبة بلدية ميونيخ، كان الملك لودفيج الأول في سنة 1830 قد حرص علي تجميعها وتنصنيفها بعد أن إشتراها من تجار الآثار القديمة بالنظر إلى ولعه وشغفه الشديد بالآثار الفرعونية واليونانية القديمة.

أبواب المتحف تظل مفتوحة أمام الزائرين طوال أيام الأسبوع،وفي أيام العطلات يمكن للزائر أن يدخل المتحف مجانا.
عند الدخول من باب المتحف الرئيسي تستقبلنا صالة كبيرة بها عدد من التوابيت الحجرية المنحوتة من صخور الجرانيت وصخور البازلت، كذلك مجموعة من التماثيل الفرعونية المختلفة الأحجام، من داخل هذه الصالة ينقسم المتحف إلى جناحين متقابلين يضم الأول في مدخله مجسم لمقبرة فرعونية يصور كيف كان المصريون القدماء يدفنون موتاهم،فالمومياء ترقد داخل مجسم المقبرة المحاطة بالزجاج وحولها تتراص أدوات صاحب المقبرة من أواني فخارية وحراب الصيد والأدوات الشخصية التي أستخدمها في حياته، وهذا النموذج يعطى فكرة للزائرين عن تصور لكيفية دفن قدماء المصريين لموتاهم.. وينقسم هذا الجناح الي عدد آخر من الحجرات المتداخلة التي يمكن المرور من بينها بإنسيابية وسهولة، تتنوع فيها المعروضات وتتفاوت بشكل كبير،غير أن قاسما مشتركا يجمع بينها وهو أناقة ووضوح العرض مع التنبيه الصارم بعدم لمس المعروضات بأي شكل من الأشكال حفاظا عليها.

ممالك مصر القديمة كلها ممثلة في المتحف

ننتقل بين معروضات عدة تمثل ممالك مصر الفرعونية القديمة وهي المملكة القديمة،والمتوسطة، والحديثة، ونماذج من الأسر الفرعونية التي مثلت تلك الممالك.
في الغرفة الأولي نري مجموعة من التوابيت الخشبية دقيقة الصنع، والتي نقشت عليها رسوما وكتابات باللغة الهيروغليفية عن الحياة اليومية للمتوفي، وقد تم العصور علي هذه المجموعة في منطقة الدير البحري علي الضفة الغربية لنهر النيل في جنوب مصر، وهذه المجموعة ترجع لعهد الأسرة 21 أي ( 1000 سنة ق.م)، وتكمن أهمية عرضها في أنها تشرح التطور الذي حدث في الفن المصري القديم بعد عصور quot;الرماسسة quot; الذين كانوا يصورون الحياة اليومية للموتي علي جدران مقابرهم قبل أن ينتقل التصوير والنقش علي التابوت نفسه كما في هذه المجموعة المعروضة، هناك أيضا مجموعة من التماثيل التي تمثل الأسرة 29 ( 390 سنة ق.م) والأسرة 27 ( 500 سنة ق.م).

أحد أهم المعروضات أيضا هو تمثال الأله أمون المصنوع من البرونز الخالص ويرجع لعهد الأسرة 26 ( 600 ق.م)، لا يمكن أيضا إغفال تمثال الأله حورس من الأسرة 27 ( 500 ق.م)، أوراق عديدة أيضا من البردي معروضة وهي تمثل العهد الفرعوني والبطلمي وحتي الروماني، كما أن كثير من الفخاريات موجود في المتحف ويمثل حياة المصري القديم في العديد من أنشطته، إحدي الفخاريات مثلا تبدو علي هيئة تمساح وترجع الي سنة ( 3300 ق.م) تماثيل عديدة من المملكة القديمة اهمها مغسلة لليد ترجع الي سنة (2350 ق.م).

إخناتون ورمسيس في المتحف
من المملكة المتوسطة هناك الكثير من الجداريات المعروضة، هناك جزء ايضا من وجه تمثال للملك إخناتون الذي يرجع الي عهد الاسرة 18 ( 1345 ق.م) وجداريات من ممفيس المملكة الحديثة ( 1320 ق.م) وجداريات بحالة جيدة منحوت عليها صور للملك المصري رمسيس الثاني الاسرة 19 ( 1250 ق.م). أما الجناح الآخر من المتحف فهو مشكل على نفس منوال الجناح الأول ويضم عدد من الغرف بها مجموعة كبيرة من الأدوات الصغيرة التي أستخدمها المصري القديم في حياته اليومية.

من أهم الأحداث التي مرت في تاريخ هذا المتحف هو إعادته للجزء الأسفل من تابوت الملك إخناتون الذي ظل معروضا في المتحف منذ إفتتاحه إلى أن طالبت مصر بإسترداده ليكتمل تابوت الملك اخناتون المعروض في المتحف المصري بالقاهرة.
كنت قد سالت الدكتورة quot;سيلفيا شوسكىquot; مديرة المتحف عن الأهمية الأثرية لتلك المجموعة المعروضة وعن أهم القطع فيه فقالت: إن المتحف ينفرد بعرض نماذج من فنون النحت المصري القديم في مراحله المختلفة بدءً بالحضارة النوبية أي حضارة ما قبل التاريخ ومرورا بالحضارة الفرعونية من خلال الممالك القديمة والمتوسطة والحديثة وحتى الوصول إلى الحضارة الرومانية، وهذا العرض السريع والمختلف يتيح للزائر أن يرى نماذج من هذه الحضارات المختلفة في وقت قصير، قد يصعب له الإلمام بها في حال زيارته للمتاحف الكبيرة التي تحتاج لوقت أطول، لهذا تكمن أهمية متحف ميونيخ للسائح.
تلفت الدكتورة quot;شوسكيquot; الإنتباه إلى أن المتحف ينفرد بين متاحف العالم بقطعة أثرية فريدة وهي أول فازه مطعمة بالزجاج صنعت في التاريخ القديم وقد نقش عليها اسم الملك quot; تحتمس الثالث quot;من الأسرة 18 (1450 ق.م)

تنتهي الجولة بالوقوف أمام رأس تمثال الملك إمنمحوتب الثاني (1425ق.م) ورأس الملك المصري الشهير تحتمس الرابع (1380 ق.م) وقبل أن نغادر نقرأ في مكتبة المتحف شيئا عن نشاطات علماء المصريات الألمان وأهتمامهم بأثار مصر، فهي لها تاريخ طويل يرجع إلي بداية القرن 19 عندما خرجت من بروسيا أول بعثة أثرية قاصدة أرض مصر للبحث والتنقيب عن الآثار المصرية تحت قيادة واحد من أشهر علماء المصريات آنذاك وهو الأثري (ريتشارد ليبسيوس) وقامت بعمل كبير في حينها عندما قامت بمسح كامل لآثار مصر الظاهرة وسجلتها بالرسم والكلمة المكتوبة ولا زال هذا السجل يستخدم حتى الأن ويعتبر مصدرا رئيسيا للآثار التي فقدت أو تشوهت بفعل الزمن أو جهل الأنسان، خاصة أثار النوبة. وبعد ذلك تتابعت البعثات الألمانية الي مصر وعملت ولا زالت تعمل في كل المجالات الأثرية المتاحة في التنقيب والحفائر وغيرها.
جدير بالذكر ايضا أن الألمان قدموا بحوثا ثرية في كل مجالات التاريخ المصري القديم،كما حرصوا على تشيد معهد للمصريات في القاهرة به مكتبة تعتبر من أضخم مكتبات العالم.
أيضا كان هناك جيمس سيمون أمين صندوق الجمعية الشرقية الألمانية الذي قام بتمويل الحفائر التي جرت في جنوب مصر وأدت في حينها الي إكتشاف تمثال نفرتيتي الشهير المحفوظ حاليا في متحف برلين.