عبد الجبار العتابي من بغداد: في خطوة اطلق عليها (التحدي)، أقامت دائرة السينما والمسرح العراقية، ظهر يوم الاثنين، احتفالية بمناسبة (يوم المسرح العربي)، على قاعة المسرح الوطني ببغداد،على الرغم من رفض القائمين على هذه الهيئة انضمام العراق اليها لاسباب قيل انها (سياسية) اكثر من كونها فنية او ثقافية، على الرغم من المخاطبات العراقية بضرورة ان يكون العراق عضوا في هذه الهيئة وان يقام في بغداد مركز لها كما هو الحال في عدد من الدول العربية.
وكان المسرحيون العراقيون يستغربون من هذا الابعاد للعراق الذي تمارسه الهيئة على الرغم من التاريخ الكبير للمسرح العراقي وقيمته الفنية، وهو ما دعا الى ان تقام احتفالية بـ (يوم المسرح العربي) الذي يصادف في العاشر من شهر كانون الثاني / يناير من كل عام، وكذلك مشاركة رموز من المسرح العراقي في الاحتفالية المركزية للهيئة التي اقيمت في اليوم ذاته في بيروت ومثل العراق فيها الفنانان سامي عبد الحميد وفاضل خليل.
احتفالية بغداد شارك فيها عدد كبير من المسرحيين والفنانين العراقيين وعرضت خلالها المسرحية العراقية (مقامات ابو الورد) اخراج الفنان الراحل ابراهيم جلال على شاشة المسرح،وحضرها وزير الثقافة سعدون الدليمي الذي اكد في كلمته : إن العراق ركن من اركان الثقافة العربية ونلاحظ في المهرجانات التي تقيمها الدول العربية كيف يترك بصمة جميلة للتأريخ، وادعو الدول العربية إلى تقوية الأواصر والروابط الثقافية في العراق بالقول، اقول للعرب لا تهدموا ركناً من أركان هذه الثقافة العريقة التي تربطنا معكم بصورة حضارية عمرها ثمانية الاف سنة.
ومن اجل الوقوف على اسباب الاحتفالية ورفض الهيئة العربية للمسرح انضمام العراقي تحدثت الى (ايلاف) الفنانة الدكتور اقبال نعيم مدير قسم المسرح في دائرة السينما والمسرح فقالت : هذه الاحتفالية لا نعتبر فيها تحفظ ولكن فيها تحدي للهيئة العربية للمسرح التي حاولت ان تهمش العراق وتجعل منه مسرحا متأخرا في حين هو من اوائل المسارح العربية التي نشط على مستوى اجتماعي وسياسي وجمالي، ومسرحنا مسرح قضية، مسرحنا بدأ سياسيا ولازال في داخله بوادر هذه السياسة لانه مسرح يحلم بصناعة الحياة في هذا البلد وفي العالم العربي ككل، مسرحنا له دوره الكبير والبارز من خلال المهرجانات، من خلال بصمته الواضحة ومن خلال وجود الكثير من الفنانين المسرحيين في كل العالم العربي من ابراهيم جلال الى جاسم العبودي الى قاسم محمد الى عوني كرومي، ولو اخذت الخارطة الان لوجدت ان الامارات التي انشأت الهيئة العربية هناك من عمل لها المسرح وكان ابراهيم جلال اول من منشط في الامارات وقاسم محمد بعد ذلك والان موجود محمود ابو العباس وعزيز خيون وفيصل جواد والكثير من المسرحيين العراقيين نشطوا في الامارات تحديدا التي انبثقت منها الهيئة العربية للمسرح، نقول للهيئة العربية نحن مسرح عراقي عربي عالمي ولنا رجالات مسرح مهمون ولنا دورنا الريادي في الحركة المسرحية العربية ولذلك نحن نعمل هذه الاحتفالية وسنجبر الهيئة العربية ان تفتح مركزا هنا في بغداد وان تأخذ المسرحيات من بغداد تحديدا وكما موجود في انشطة الفنانين سواء كانت الرسمية وغير الرسمية، وسنقول للهيئة العربية من خلال بيان لنا نحن المسرحيون العراقيون وفيه مطالبنا من الهيئة العربية ونقول لها : نعم سينقيم الاحتفال لان المسرح العربي ملكنا ونحن ملك للمسرح العربي وملك العرب وملك المسرح العالمي لاننا فنانون ناشطون في حركة المسرح، والمسرح ليس لدولة ما وليس لمكان ما، فهو نشاط انساني متقدم وله علاقة بصناعة الحياة في هذه الحياة التي نريد لها ونحلم ان تكون كما ينبغي ان تكون وليس كما هي كانت.
واضافت عن الاسباب : المسالة سياسية فقط لان العرب ما زالوا يفكرون متخلفة جدا، هم محتلون ويتصورون ان العراق هو المحتل، وليس لديهم مطالب ولكن مجرد امزجة في ابعاد العراق ولكننا تجاوزنا هذه النقطة ان شاء الله وسيكون العراق حاضرا بثقله وسنطالب ان يكون هناك مهرجان واحتفالية في احدى السنوات في بغداد لتكون حاضنة لاحتفالية الهيئة العربية للمسرح.
واختتمت حديثها بالقول : قيمة الاحتفالية هذه ان تحدينا اننا سنكون موجودين وان صوتنا كمسرحيين موجود وعال كما هو صوتنا في كل الاحتفالات، نحن لسنا طارئين نحن مسرح ريادي له بصمته الواضحة منذ بدايات القرن الماضي والى حد الان نعمل ونجتهد ونكون حاضرين في كل المحافل العربية والعالمية وهذا ما نريد ان نقوله ونتواصل معه ونحن ليس لدينا اية خطوط حمر مع اية جهة، نحن نتعامل مع الكل ونحن في خدمة الحياة المسرحية الانسانية بكل تجلياتها.

ثم ارتقى الخشبة الفنان كريم محسن ليلقي نص الورقة (الرسالة) التي ألقاها الفنان الرائد يوسف العاني في مؤتمرالمسرح العربي في بيروت، فقال :ما أحلى وأبهى.. وما أعمق وأنبل وأكرم حين يجمعنا المسرح موحدين به.. منتمين إليه... من أكثر من موقع عربي.
أرى اليوم أمامي لبنان بمسرحه والخليج بمسارحه ومصر بمسرحها العريق والعراق بإصرار مسرحييه على العطاء وسوريا بتواصل عطائها ومسرح الأردن بنشاطه، أرى فضاءات المغرب العربي المتعددة لأعود إلى مشرقه.. أراه كله موحداً تحت شعار مبارك:المسرح العربي، ولكن وأرجو إلا يستفزكم تساؤلي: هل لدينا حقاً مسرح عربي؟ لا تفكروا بالرد على هذا التساؤل الان.. فتتعبوا أنفسكم منذ سطور رسالتي الأولى.. أو ترددوا بصوت هامس أو عال وبعجلة نعم...أو لا..؟، فانا ما جئت لأقدم رسالة الهيئة العربية للمسرح حسب، بل لأعيش أيام فرح معكم وبكم.. نتبادل الهموم المرة ممزوجة بحلاوة هذا الفرح.. وتظل عيوننا وقلوبنا متطلعة إلى الأمل.. فنحن كما قال سعد الله ونوس.. محكومون به.
اليوم هو 10/1/2011.. وأنا بينكم أبا وأخاً وزميلاً لن أعيد ما تضمنته الرسائل التي قرأت في يوم المسرح العربي في الأعوام الثلاثة الماضية لاسيما ما يتعلق- بما يجب علينا ان نعمله جميعاً- لأنني اؤيد ما ورد فيها جملة وتفصيلاً. وقد أضيف إليها توصيات أخرى، في صغري كنت احلم بالوحدة العربية... أهتف لها وأسير في مظاهراتها الصاخبة معتقداً ان صراخي وصراخ أخواتي سيفتح أمامي حدود البلاد العربية كلها أتنقل فيها وكأنني أتنقل من بيت إلى بيت آخر لجاري أو شقيقي.
وكبرنا ودخلنا مراكز الشرطة والمعتقلات أكثر من مرة وصار مسرحنا منذ بداياته يشكل جريمة يعاقب عليها القانون لأنه مسرح معارض، ودرست القانون ومارست المحاماة زمناً ولم أجد مبرراً لما اتخذ أو يتخذ ضدنا. وجاءت أنباء من البلدان العربية الشقيقة ان هناك مسرحيين مثلنا... لكننا لم نكن ندري ماذا حل أو يحل بهم.. وبعد زمن قصير اكتشفت ان الوحدة التي هتفت لها.. والمسرح الذي بدأنا به صدقاً وأخلاصاً وشرفاً...لن يكتمل أو ينمو ويقوى أثراً وفرحاً وضوءاً في النفس إلا بالتعارف الحقيقي لكل منا ومسرح كل منا. وصارت السياسة التي تعنى بالإنسان في كل مكان جوهراً مسرحياً.
لقد أقمنا المؤتمرات والمهرجانات وصار من حسن حظي أو سوئه- لا ادري- إنني حضرت وشاركت فيها منذ عام 1957 حتى بلغت 58 مؤتمراً ومهرجاناً للمسرح، ونحن في كل مرة نبحث عن مسرح يكون جسراً ثقافياً واحداً وان اختلفت جغرافية المكان الذي يصب فيه من كل بلد عربي، كنا نصدر القرارات عسى ان نخطو خطوة ليكون لنا تأكيد على مسرح عربي متقارب له جذوره وبعده الأصيل..سيما وهناك محاولات جادة ومخلصة في أكثر من بلد عربي، لكنها ظلت في الخطوة نفسها التي انطلقت منها،كما ظلت قراراتنا في أدراج المسؤولين متكدسة مع آلاف الأوراق والسطور الملتوية الأخرى: دون ان ينفذ لها بصيص ضوء أو نسمة ريح لتتحول إلى فعل جاد مخلص.
وتتجدد العروض المسرحية بمهرجاناتها في أكثر من بلد فلا جديد إلا في العدد لا بالعدة حيث يكون الهدف إرضاءً لـ (الفوق) بأن الكم قد زاد وان النوع قد تراجع أو ظل مقلداً أو قريباً من مدارس مسرحية تعلمناها أو استنسخناها وجئنا بها وما استطعنا إلا بالقليل والنادر لان نلائمها مع مسرحنا الذي نريد،عام 1973 تمت لنا محاولة جريئة في بغداد لان نقدم مسرحية (بونتيلا وتابعه ماتي) لبرتولد بريشت تبنى اخراجها المرحوم ابراهيم جلال لتقدم بعنوان (البيك والسايق) دون تبديل أو تعديل في النص، وعرضناها في بغداد ثم في دمشق والقاهرة والإسكندرية، بعد عرض المسرحية بدمشق جاءنا مدير فرقة فايمار الألمانية وهو أحد مريدي مسرح برتولد برشت.. ومن الذين اشتركوا في مهرجان دمشق نفسه.. جاء مهنئاً بنجاح العرض.. ثم قال : لقد شاهدت اليوم مسرحية عربية.. أعني ليست ألمانية بكل ما شهدت وبلا تقليد أو استنساخ لما نقدمه نحن، ومع ذلك كان برشت موجوداً، قلت له: لقد استضفنا بريشت فصار ضمن مسرحنا قال: هذا صحيح.
هذه المحاولة ومحاولات عديدة أخرى وفي أكثر من بلد عربي- إذا ما استبعدنا واستثنينا المسرح الطارئ على الفهم الحقيقي لفن وثقافة المسرح- أكدت وما زالت تؤكد ان ما نقدمه في مسارحنا ليسquot;عالةquot; على مسارح الغرب او الشرق بل هي بمصافها بوعي وبقدرات ما عادت غفلة من الزمن الحضاري.. لكن الكثير من مسرحيينا ما زال يتوجس من ان يثبت حضوره وإبداعه الأصيل النابع من عمق وأصالة عطائه...
إننا ورغم ما أشرت إليه علينا ان نعيد النظر في تجاربنا نحو الإيجاب والسلب.. وان نؤكد أهمية تعاون وتبادل الخبرة في البلد العربي الواحد أولاً. بين المسرحيين المبدعين أنفسهم لا ان تقف كل مجموعة ضد أخرى من اجل إلغاء عطاء الآخر وحتى المبدع فيه! بل ان يكون في منافسة شريفة نحو الأفضل.
الاستفادة من الرعيل الأول بما اغنوا وبما أبدعوا.. وعلينا أن نتبنى الشباب بصدق حماستهم المثقفة.. بما يقدمون من محاولات إبداعية مطورة لما كان.. وأن لا نقف موقف المتعالي على الكفاءات الجديدة.. فهي مفتاح المسرح الآتي، لا بد من أن نكون أمناء في اختيار ما نعرض في كل مهرجان عربي أو ودولي، ان تكون هناك تجربة جديدة مضافة إلى تجارب أخرى لنتوحد فيها ونسير معها في درب المسرح الذي نريد.
لقد صار العالم صغيراً لكن الأمل الذي كان يحكم فنان المسرح قد اتسع واتسع حتى صار حلماً.. يحكم الشباب والشيوخ، فأنا وعمري المسرحي الان قد بلغ السابعة والستين بسنواته الطويلة وتجاربه الكثيرة التي تنوعت وتغيرت وتناقضت وتآلفت.. جعلتني محكوماً بالحلم بعد ان اجتزت مرحلة الأمل وصار علي ان انقل حلمي إلى كل المسرحيين العرب.. والى الهيئة العربية للمسرح بالذات لتعمل أو تحاول ان تعمل، وأقول: تحاول أكثر من مرة لإزالة السدود والحدود.. واكرر تحاول.. لكي يتحقق المسرح العربي الواحد: مدرسة وفناً وفكراً.. دون عزلة عن مسارح العالم بل بتميز جدير به وأصالة عريقة فيه بعد ان نتواصل بيننا ونصل إلى أفضل ما يقدمه أشقاؤنا في هذا البلد أو ذاك.. أن نتبادل الرأي ونكتشف الرؤى سواء ما كان جديداً منها أو التي ما زالت تبحث عن السبل الخلاقة للمسرح الآتي لنا وان تظل الصراحة في الطرح أساساً صادقين مع أنفسنا أولاً.. كي نصل- مهما طال الزمن- إلى سمات وملامح وجذور في الشكل والمضمون ليكون مسرحنا بعد هذا quot;مصدراًquot; مسرحياً جديداً لا على صعيد مسارحنا وحدها... بل على صعيد المسرح العالمي كله.
حلمنا الذي نريده ان يتحقق نريده حاجة نعيش فيها مرارة فقدانها..، ألا يُسأل فناننا إلى أين أنت ذاهب ما دام حاملاً رسالته النبيلة الشريفة يجوب بها خشبة المسرح العربي الواحد، فهي هويته وجواز سفره، لنرفع هذا الشعار المخلص بثقة وإصرار ونخرج به من لقائنا هذا في يوم المسرح العربي ونحاول ونحاول ونحاول تحقيقه على مختلف السبل والمستويات.. وأعلموا أيها الأصدقاء.. إن هذا الحلم ليس ابن اليوم.. بل هو حلم عدد كثير من مسرحيينا الأوفياء الباسلين الذين فارقونا وغادرونا إلى الأبد.. وهناك من ينتظر.. وأنا أولهم.

يذكر أن يوم المسرح العربي أطلقته الهيئة العربية للمسرح التي انبثقت في الشارقة عام 2007 وأقرت أن يحتفل كل البلدان العربية يوم 10 كانون الثاني/يناير من كل عام في هذه المناسبة، ولقد عقدت الدورة الاولى لمهرجان المسرح العربي في القاهرة وانطلقت الثانية في تونس بينما تنطلق الدورة الثالثة لهذا العام في بيروت.


.