1

{ أيها الأب الذي لا أعرفه، والإله الذي كان يشغل جوانب قلبي في ما مضى، ثم زوى الآن وجهه عني، ادعني إليك وكلمني ! لا تلزم الصمت، فإن النفس التواقة الصادية تشتهي أن تسمعك... (( ها أنذا يا أبي قد عدتُ إليك ! فلا تـُحلّ غضبك علي إذا لم أرد أن أتم الرحلة التي حددتها لي إرادتك، لقد وجدتُ العالم في كل مكان هو العالم، أنا لا أكون سعيداً إلّا حيثُ كنتَ، ولا أريد أن آلمَ وألذ إلّا حيث أنت ))... }. نوفمبر 1772
...
بحنين مكلوم، وخجلٍ من نفس لاعبتها أحلام ليل دافئ، بسطور أخرى وكلمات، واعترافات وتجاوزات... بقلم منخور من ذاكرة زمن أعمى، وأحبارٍ من أنهار وجع.
نعود... نكتب
نكتب...
فهل سنكتب حقاً؟ أم نكذب؟
لا... لنكذب... نعم... نكذب، فقد اكتشفنا في هذا الأوان، وليس بعد فوات الأوان، أننا نتاج ماكينة وهم، وبضاعة سوق لا يرحم.
ولأننا نريد الاعتراف بخطايانا، ونحاكم أنفسنا، على سطور الوهم التي رسمناها، وسنين الحب التي نسجناها، وطقوس الغيب التي مارسناها، إذ إنهم قالوا لنا في عالم ما بعد الحرب أننا بغايا كلام، وقتلة أحلام، ومنافقون بلا حدود، وعبيد وجواسيس، وأذناب غول غزا مزارع الأرز.
في أنفسنا أمراضُ افتراضٍ مرتبك، وحوالينا قيمٌ تحترق، وأحداث تطوق ذاكرتنا لا يتوقف بثها، وسطورنا ستعني وقتها أنانية نفس مثقلة، وروح مخنوقة، وتفكير يمتلكه هوى الغبن والحزن والهزيمة.
نكتب ونحن نفرح، أو حين نحزن، في النصر أو الهزيمة، حين نحب وحين نكره، فترانا بلا حيادية أو إنصاف مع أنفسنا وسطورنا وعيون المتتبع لها، كأننا سكارى، وحمقى، طحنهم الإفلاس، ليبيعوا السطور بأيّ ثمن !
فقدنا الهدوء، يوم فقدنا استقامة السطر، ويوم ابتسم محب لنا، واغتاظ آخرٌ لم يدرك أننا في زمن بلا ثبات.
فتعال معي وجفف قطرَ عينك أيها المبتهل الى الغيب كيما ترى حقيقة أنك هنا أم هناك؟ ما العالم إلّا إيّـايّ وحزني، وأنت ورماد شوقك وانتظارك هذه السكك المنحوتة في كهوف الليل المستجدي لغدٍ لا بيدي ولا بيدك.
تعال وطف بضريحٍ في العالم السفلي مرقده، حيث لا قيمٌ ولا شرف، ولا وطن يذبح أبنائه، ويخنق بسمات الرب من خلف سبع سموات. تعال معي ولا تتكلف المجيء، تعال هكذا، فهنا غير مطلوب منك جواز سفر أو حقيبة أو صدر مهشم من الحب والحنين. اقترب وتلمس هذا المسخ المطروح تحت قمامات العالم العلوي وترهاته في بناء وطن يتلاشى من ذاكرة المحب المحروم.
هنا حُجرٌ لا يدخلها نور الإيمان المنبلج من وجوه أبطال المعركة، وأخرى غير معطرة بأبخرة الدين الممسوخ في مساجد أشراف البلد. نحن هنا، نسمع كل ليلة عواء هذا الممدد تحت هذا الضريح، عواء ذئاب تاهت في مقابر الأطفال.
مسموح لنا كل شيء، سوى أن نحلم أو نأمل غداً غير فاضح لساعاته بجريمةٍ أو بعقاب.
صدقاً أقول لك، إن أوهامي وهلوستي أوحت لي بأن طريق البغي يا صاحبي أهدأ من طريق النسّـاك، وخمّارة الحيّ أأمن من محراب المبتسم ليل نهار، ثوب العاهر الممزق أكثر دفئاً من عباءة صاحب الإله. إلههم الذي أقصد ليس بإلهي الذي أعرف، هناك فرق hellip; ولا أدري لم لا يصاحبنا إلههم الذي في السماء؟ هل لأنه يكره الحمقى؟ أم لأنهم يرددون دوماً إنـّا لله وإنـّا إليه راجعون؟
شيء ما يجعلني أتلاشى أمام ليلي وأنتظر، وصورٌ تخرج من قناني الحزن تبتسم لي، تعطيني طاقة الأرق إلى فجر موحش آخر، وحين يأتي نهار جديد،أحس أن العالم الذي فوقنا يرتكب معصية جديدة... لأني ما زلت أتنفس.
***
[email protected]