عبد الجبار العتابي من بغداد: اكد الفنان الدكتور فاضل خليل ان المسرح وافد جديد غريب على الثقافة العربية ليست هنالك وثيقة تقول ان لدينا مسرح الى حد ما جاء مارون النقاش، وحدّ ما ظهر (خيال الظل)، ما قبل ذلك كذب، لكننا بدأنا نلفق الظواهر المسرحية، مشيرا الى ان المسرحيين هم الذين عقدوا المسرح حتى صار الكثير من الناس يعتقدون ان لغة المسرح كأي رطانة بلهجة اجنبية، وقام بعض الممثلين في بدايات المسرح العربي بتعقيده عندما كان يقدم مسرحية يعوج فمه ويتكلم بلهجة أريد لها الرطانة، موضحا ان المسرحية الشعبية لا تعني فقط التي تتحدث باللهجة المحلية، وكانت الاحتفائية به التي اقامها نادي المسرح التابع لاتحاد الادباء فرصة للأخذ منه والحديث معه حول الكثير مما يخص المسرح، ويمكن ان ارفع الاسئلة لأترك له انسيابته في الحديث وقد عمدت الى نسمع كلماته فقط
- انا رجل احب المسرح، او مسكون بالمسرح، او مسكون ببغداد والمسرح معا.
-ما التبس فهمه في التعريف والمعنى حول مصطلح المسرح الشعبي، هو اننا تعارفنا على ان يكون المسرح الشعبي هو الذي يتحدث باللغة المحلية، باللهجة الدارجة، وهذا خطأ كبير طبعا لان العرب هم من الامم النادرة التي لها لغة ولهجة او لهجتان او لغتان، لهجة للتخاطب اليومي ولغة للخطاب الثقافي، ولذلك هي ابتلاها الله بهذا، وان اللغات الباقية ومنها اللغة اللغة الكردية مثلا لاتفرق بين لهجة ولغة، ولا اللغة الانكليزية، فالناس في انكلترا والانكليز جميعا يتحدثون بلغة شكسبير، لذلك لم يصعب على المسرح ان يكون مسرحا واحدا، لكن المسرح الشعبي هو المسرح الذي يهتم او يخاطب شعبا ويتناول هموم شعب، شعب وهموم شعب، وبأية لغة كانت.
-نحن اعتدنا في العراق ان نتناول المسرحية الشعبية، ونعتبر (النخلة والجيران) مثلا هذه الرواية العظيمة لغائب طعمة فرمان هي مسرحية شعبية فقط لا ترتقي الى شيء اخر، في حين هي رواية كبيرة كما روايات غوغول وتولستوي وغيرهما من الكتاب الكبار، هذه المسرحية تم تناولها باللهجة المحلية، وهذا لا يعني انها شعبية لانها تتحدث باللهجة المحلية، مسرحيات شكسبير جميعها مسرحيات شعبية.
-نحن نقول ان المسرح الشعبي اتفقنا عليه في التعريف والمعنى انه لايعني المسرحيات التي تتحدث او يتم تناولها باللهجة الدارجة، انما هو مسرح يتناول الشعوب وهموم تلك الشعوب، لان المسرح منذ النشأة وعبر العصور الحضارية الانسانية بدأ دينيا شعبيا، ولانه ديني فمحتوم عليه ان يكون شعبيا، استلهم مادته من الاساطير الوثنية ومن الحكايات الدينية ليمكن المخيلة الشعبية من احتواء تلك الاساطير والحكايات باعتبار انها امتداد لها، وحتى بعد ان انتقل المسرح الى القصور واصبح مجرد تسلية محضة وانهم في القصور يأخذون الاشياء للهو فقط ولا يحملونها محمل جد، فأخذوها لاغراض التسلية فقط، على الرغم من ان المسرح عندهم لم يشغل بال البرجوازية سوى حيز صغير من الاهتمام، كان يقدم في مسارح عميقة لا يرتادها الشعب مخافة منه، وحتى نحن في العراق بدايات المسرح عندما بنيت له القاعات المهمة والكبيرة اصبح الجمهور يخاف منها، المسرح القومي الذي انشيء بداية السبعينيات او الستينيات كان الجمهور الاعتيادي من ابناء مناطق الكسرة والعوينة والدهانة والناس الباعة البسطاء يخافونه ولا يفكرون اصلا به، بل انهم يقولون مالنا والمسرح، التلفزيون كان يقدم له حجي راضي والنعم من حجي راضي الذي قدم وكفى ووفى، ولكن المسرح ما كان الجمهور يرتاده وقد اصبح بنايات ضخمة، كأنك داخل الى قصر الملك، كأنك داخل الى قصر رئيس الجمهورية فلا يذهب لها، كما ان رسومها كانت باهضة ايضا عليهم، اي بالاضافة الى انها مخيفة بمعمارها كانت رسموها باهضة، وهذه الاشكالات خلقت الحاجة الى انشاء المسارح الشعبية التي تصنعها الجماهير وتكون مادتها لما تعانيه هذه الجماهير من نقص حاد في اشياء كثيرة اهمها الثقافة من منطلق ان على المسرح ان يتجه الى الشعب بأسره، كانت المسرح الكبيرة يرتادها النخبة ولكن المسرح في اساسه يجب ان يتوجه الى الناس جميعا، ان يتوجه الى الطبقات الاجتماعية كافة في آن واحد، الى العلماء والصناع والشعراء والتجار والحاكمين والمحكومين واخيرا الاسرة الواسعة والاقوياء والضعفاء، والظالمين والمظلومين، كي يطلع الظالم على ظلمه والمظلوم كي يطلع على ظليمته.
- مسرحية (النخلة والجيران) مسكت العصا من الوسط، قدمت رواية كبيرة، وتعامل مخرجها مع هذا العرض الشعبي البسيط باللهجة المحلية العراقية وبالكلمات المتدنية في كثير من الاحيان التي تصل الى حد (الفشورة) مثلما نقول نحن في اللهجة العراقية الشعبية، لكنها ولانها من صلب العمل لم يشعر المشاهد انها اهانة اليه او انها خدشت سمعه او ان زوجته اصابها الكثير من الحياء نتيجة السماع لانها من صلب العمل ولم تخدش اي شيء.
- ان المسرح في اي مكان موجود، حين يلتقي الناس بالناس، نحن عقدنا المسرح، لابد من خشبة، لابد من نص، وهذا النص لابد ان يكون نصا عظيما وكبيرا، في حين الناس اقترحت فيما بينها وتطورت على الفكرة انه حين يلتقي الناس بالناس يكون المسرح، نظرية بيتر بروك وجيرزي كروتوفيسكي وانطونين ارتو، هؤلاء الثلاثة قالوا ان المسرح عبارة عن: مخرج، ممثل، منصة، جمهور ونص يتفق عليه، قد يكون قصاصة ورق من جريدة، او قصيدة شعرية او خبر، اذن المسرح ليس بالتعقيد الذي نحن عقدناه فأصبح بدعة، حتى صار الكثير من الناس يعتقدون ان لغة المسرح كأي رطانة بلهجة اجنبية، وقام بعض الممثلين في بدايات المسرح العربي بتعقيده عندما كان يقدم مسرحية يعوج فمه ويتكلم بلهجة أريد لها الرطانة، هكذا عقدنا المسرح، ابعدناه عن شعبيته، المسرح هو حين يلتقي الانسان بالانسان، كل الناس ممثلون في هذه الحياة.
- لتمكين المسرح الشعبي من انجاز مهمته على الوجه الاكمل كان ضروريا ان تقوم الثورة على المفهوم المعماري التقليدي للموقع المسرحيبصيغته القديمة، العلبة المسرحية، هذه الخشبة التي هي علبة مسرحية والناس تجلس هناك يحفهم الظلام ولا يعرف الضوء طريقه الا لهذه العلبة لتضيء من عليها وهناك جدار رابع يفصل بين الممثل والجمهور، تقاليد قبلها الاقوياء من المثقفين، وقبلها القوي من الجمهور، والا كان بالامكان جدا لاي ثوري ان يثور على هذه التقاليد، وفعلا قامت الثورة على هذه التقاليد المسرحية القسرية القمعية البرجوازية التي فيها من البطر البرجوازي الكثير، فلم تحب الناس هذه التقاليد المسرحية المعقدة، بل انها ابعدتهم وجعلتهم يشعرون انهم غرباء، هذا التقرب بين الناس والمسرح ما حدث.
- سألوا توفسكونوف: نحن الان في زمن الشيوعية، في الاتحاد السوفيتي سابقا، هل سيلتقي فكر المسرح مع فكر القاعة ؟ قال لهم: مستحيل، ما دام هناك جدل، لا يوجد توافق ولابد من وجود اختلاف حتى ما بين الاثنين، فأذن التقارب مهم، المتفرج يحرج المسرحي، والمسرحي يقدم في تصوره ما هو اعلى من الناس، وعليه ان لايستهين بالناس، وهناك من يقول: (انا تنازلت واعطيت للجمهور على قدر ما يستوعبه) هذه اهانة طبعا، اهانة كبيرة عندما ينظر الممثل من اعلى الناس، الجمهور هو مادتنا، وبدون الجمهور ليس هنالك شيء اسمه مسرح، لذلك الناس الذين سافروا خارج العراق من المسرحيين ماتوا لان الزهور لاتنبت في غير ارضها، عملوا هناك كل شيء، عملوا مسرحية عظيمة ولكن لمن يقدمونها؟، فالناس هم الذين يصنعون المسرح.
- المسرح يحتاج قاعة مائلة للانحدار بحيث يكون بمقدور الجميع ابصار ما في العمق او ما في قلب المسرح، وهي ايضا تعني مجازيا ان يرى ما في القلب او حومة السيرك او الدكة الواسعة والعالية، هذا الرأي فيه بعض المبالغة لان الهندسة المعمارية التي اسست انواع المسارح وسمحت ان يكون المسرح في اي قاعة وفضاء يمكن ان تتسع الى ما هو اشمل من ذلك لموضوع مهم وفنانين وجمهرة من المتفرجين، وكما قال ( جان فيلار ):- انه يجب توفر شرط واحد ضروري للمسرح الجديد، فالمشهد والقاعة سواء بسواء يستطيعان إلا نفتاح على الجماهير، فيضمان شعباquot; وأعمال شعب واذن فالمسرح كان ولا يزال من الصق الفنون بالجماهير لانه يمثل مؤسسة ثقافية جماهيرية، توفر للناس حق المتعة من خلال الفن الحي النابع من القيم الحضارية للجماهير، وفي الأماكن الأكثر راحة للجماهير الشعبية فالبعض يرى: أن الذي حط من شأن المسرح وشوه سمعته هي الهندسة المعمارية، نحن لدينا الامر اعتيادي لان لدينا مسطحات كثيرة فلا تشاهد الفخامة، ولكن عندما تذهب الى المسارح في اوربا وترى التماثيل الواقفة على جانبي المسرح وفوق عربة الشمس العسجدية، تنبهر، وذا ما جاء ابن الريف وشاهد هذه الهلمة سيسأل نفسه الى اين هو ذاهب واين سيدخل، انه غير مسموح له، هو لا يسمح لروحه، ثم ان الانسان البسيط الفقير ليس لديه شرطي واحد في داخله بل مركز شرطة !!، اين ما يذهب يلكزه واحد واين ما يفوت يجره الاخر، فأذن نحن الذين عقدنا المسرح، هذا المعمار هو الذي عقد المسرح اولا، الافكار هي التي عقدت المسرح، تعالي الفنان، على اساس انه فعل قضية خرافية، فما الذي يقوله اذن انشتاين ؟ !!، اذن كان عليه ان لا يتحدث مع احد، بيتهوفن العظيم..كان عليه ان ينظر الى الناس بشكل مائل (قيراج) ولا ينظر اليهم بشكل صحيح، نعم.. الفنان المسرحي بالذات.. من اين يأخذ زاده وزواده، انه يأخذه من الناس، من الجمهور، اذا انت ليس قريبا منهم كيف ؟ وان انت متعال عليهم.. كيف ؟، وان لم تكن شعبيا.. كيف ؟.
- كنا نتكاتب انا والفنان الكبير قاسم محمد، هذا الرجل العظيم الحاضر الغائب، عندما كنت ادرس في بلغاريا وكان هو في بغداد، ومن جمله العظيمة يقول لي: (فاضل.. المسرح (درد)، يعني اكبر من الهم !!، ( دَرِد: (فارسية).. تعني الهم والقلق والتعب.. وتقول عامة العراق: عوفه بدرده.. أي اتركه في شأنه الذي يقلقه)، درد.. عندما تقولها (كثارسز) ارسطو يطلع، التطهير، درد.. الفظها وانظر ما وراءها، وفعلا المسرح درد، هم كبير يعرفه الراسخون في العلم.
عندما تطورت الدنيا بدأوا يقدمون الروايات العظيمة بالرسوم المتحركة ( أفلام الكارتون)، يقدم دستوفيسكي وشكسبير والكثير من المسرحيات العالمية، لانها تستهوي الطفل، فيبدؤون بتغذيته من هناك، مثل العقلية الرأسمالية التي نمت التفكير الرأسمالي في الانسان، من الطفل الذي ان وظفت له 600 مسألة حسابية للامتلاك الشخصي من الف، هذا بناء، هذا نحن لا نعرفه، لسبب ان المسرح وافد جديد غريب على الثقافة العربية، لا نستطيع ان نقول ان المسرح منذ زمن البابليين، هذا ليس صحيحا، اعطني نصا يؤكد هذا، يقال (السيد والعبد) اقول لا، نحن لفقناها للمسرح، تقول كلكامش.. اقول انه اسطورة، اعطني نصا مكتوبا، اي شيء لن يترك اثرا وثائقيا مكتوبا ليس له وجود، ليست هنالك وثيقة تقول ان لدينا مسرح الى حد ما جاء مارون النقاش، وحدّ ما ظهر (خيال الظل)، ما قبل ذلك كذب، لكننا بدأنا نلفق الظواهر المسرحية، مثل شخص مجنون يقف على صخرة ويستقبل الخارجين من المسجد ويشتمهم الى اخره، نقول هذه ظاهرة مسرحية لانه وقف على صخرة، ألم نقل ان المسرح هو متى ما التقى الناس بالناس، نعم ولكن ليس بهذا الشكل، وقد ألفت كتب كبيرة تتحدث عن الظواهر المسرحية، كتبوها ناس كبار ومهمون امثال علي عقلة عرسان محمد المدنوني وعلي الزبيدي وعمر الطالب، كتبوا كتبا كثيرة بسبب محبتهم وانحيازهم الى الواقع العربي فقالوا ان هناك ظواهر للمسرح العربي.
- ذات يوم طلب مني ان اكتب عن مسرح (المونودراما) في مهرجان الفجيرة بالامارات العربية المتحدة، وانا لدي دراسة كبيرة عن المونودراما، فجاءني منهم فاكي قالوا فيه (ياريت تمر بدربك على تاريخ المونودراما)، وفي جلسة كبيرة حضرها كبار الفنانين المدعوين من عرب واجانب، فقلت: (يقتضي التنويه الى اننا سنلفق تاريخا للمونودراما كما لفقنا تاريخا للمسرح العربي).
- مسرحنا العربي حديث، ثم ان الهم الانساني واحد، اذا تطورت التجربة في روسيا او امريكا او لندن او موزمبيق، ووصلتني القضية جاهزة، ما الضير ان استفيد من التجربة لأقدم فيها همي الثقافي؟.
- واقعة الطف وعاشوراء، انا انطلق من مقولة للمؤرخة او الباحثة المستشرقة الروسية تمارا ألكسندروفنا بوتينتسيفا، في كتابها (الف عام وعام على المسرح العربي) قالت: ان الذي صنع من شكسبير مؤلفا كبيرا هي حروب الوردة الحمراء والوردة البيضاء، وعند العرب هناك واقعة مهمة وكبيرة جدا هي (واقعة الطف) وحادثة استشهاد سيدنا الحسين (ع)، لو اتيح للعرب كاتب بعقلية شكسبير لظهر شكبير عربي نتيجة هذه الواقعة ولكن، انا تحدثت ذات مرة في فضائية دينية، قلت ان هذه الواقعة لم تتطور، او لم يقبل احد ان تتطور، هذه الواقعة اما ان تقدم كاملة في عشرة ايام كما هي القراءة عن القاريءعبد الزهرة الكعبي او لا تقدم، ولكن تمت تجربة ان اقتطع منها جزء وصار مسرحية وهو شخصية (الحر الرياحي) التي اقتنصه الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد، وقدم منه مسرحية كبيرة، نحن لم نجرب ان نقتطع منها.
- مرة طلب مني في زمن النظام السابق ان نقدم (الحسين) مسرحيا، جربت ان اتعامل مع الحسين كهاملت، كيف يمكنني ان اتعامل مع الحسين هاملت، ستثور علي الثائرة بالتأكيد، انا تخيلت ان الحسين في لحظة تفكير: (اذهب الى الكوفة او لا اذهب، اذا ذهبت ماذا يحدث وان لم اذهب ماذا سيحدث)، في لحظات التأمل والتفكير بالذهاب الى الكوفة وعدم الذهاب، وعليك ان تتخيل الصورة وهو معزول بـ (سبوت لايت) وسط المسرح ولحظة تفكير (رودانية/ نسبة الى المثال الكبير رودان) والسيدة زينب (عليها السلام) واقفة في العمق !!، لا احد يقبل بهذا التفكير، نحن لابد ان نتعامل مع الاشياء كما هي، ضمن متحفيتها، وهذا المسرح من غير الممكن ان يكون.
التعليقات