إعداد عبدالاله مجيد: لم تكن إلا مسألة وقت قبل ان تتحول قصة جوليان اسانج مؤسس موقع ويكيليكس الى فيلم أو مسرحية. وجاءت المبادرة من الكاتب المسرحي الاسترالي رون اليشا الذي هاجرت عائلته من القدس الى استراليا في عام 1953.
تعتبر مسرحية quot;جرذ من الفولاذ المقاوم للصدأquot; التي تُعرض حاليا على مسرح سيمور سنتر في مدينة سدني ولغاية 17 تموز/يوليو quot;سجالا كوميدياquot; أو ابتكارا مسرحيا لاستكشاف القوى المحتشدة الى جانب اسانج والمعبأة ضده بعدما تجاسر على النظام العالمي ومهندسيه الكبار.
وتتوقف المسرحية عند مواطن الضعف البشري التي كلفت اسانج غاليا وتشحذ اذهان الحاضرين لاتخاذ موقف بين من يرون ان ويكيليكس وما هتكته من أسرار قوة من أجل الخير، ومن يرون عكس ذلك.
تبدأ المسرحية، كما هو محتوم عليها، بمشهد جنسي. وعلى مسرح معتم تتخلل حركات الرجل آهات مشبوبة بالعاطفة يطلقها العشيقان اللذان لا يرى المشاهد وجههما لكنه يعرف ان احدهما اسانج. والعشيقة امرأة سويدية. الزمن آب/اغسطس 2010 والمكان استوكهولم.
ومن العتمة ينبثق موقع لتصوير فيلم سينمائي يكتظ بأجهزة الإنارة والكاميرات ومعدات الاخراج والاكسسوارات المألوفة. وفي الوسط ممثلان يتجادلان حول المشهد الجنسي.
هكذا اختار الكاتب ان تدور احداث المسرحية على موقع لتصوير فيلم سينمائي. ويقوم الممثلون بأدوار اشخاص حقيقيين بينهم اسانج وزعماء دول ومحامو الدفاع عن مؤسس ويكيليكس. ويقول الناقد اليسون رورك ان هذه طريقة تتيح السجال على المسرح حول ما إذا كانت المعلومات التي تُضخ للرأي العام عن جوليان اسانج حقيقة أو فبركة.
ونقلت صحيفة الغارديان عن اليشا الذي يعيش في ملبورن ويعمل طبيبا في النهار انه كتب مسرحية quot;جرذ من فولاذ مقاوم للصدأquot; بهذا الشكل لأنه عندما أنجز كتابتها في شباط/فبراير لم يُنشر الكثير عن اسانج في الاعلام المطبوع، وكل شيء عنه كان يُبث عبر الانترنت وكان من الصعب التمييز بين الصدق والكذب فيما يُقال.
ومن المشاكل التي اصطدم بها اليشا ومخرج مسرحيته واين هاريسون ظهور زعماء دول على المسرح. فالرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الذي يريد منح اسانج جائزة نوبل لفضحه اسرار اميركا يُصوَّر اوليغارشيا روسيا متجبرا. وفي حين ان الجانب الكوميدي من المسرحية يتحمل مثل هذا التصوير فانه يبدو اقرب الى فلاديمير بوتين منه الى ميدفيديف.
ويُصور باراك اوباما الذي يريد وضع اسانج وراء القضبان، سياسيا ساذجا وعدوانيا. ويبدو ان الكوميديا المبالغ بها الى حد الكاريكاتير أبعدت شخصية الرئيس الاميركي عن المصداقية.
ولا تظهر شخصية اسانج على المسرح إلا بعد ساعة من العرض. وحين يظهر يقول الناقد رورك ان الممثل دارن ويلر يخفق في إيصال الجانب الانطوائي في اسانج الحقيقي ولكن ويلر يلهب المسرح لاحقا بسورات من غضب اسانج.
من اسباب نجاح المسرحية انها تتناول اشخاصا حقيقيين، أو ما يسميه المخرج quot;مسرح اللحظة الراهنةquot;. ويعني هذا ان الكوميديا التي تزخر بها مقاطع من العمل الى حد كانت جدران المسرحية ترتج احيانا من شدة الضحك، تمد المسرحية بحيوية متجددة وجاذبية قوية.

تُقلى جمل اليشا المعبرة رغم تكثيفها في عبارات قاطعة، بتوقيت رائع. وفي احد المشاهد يكون اسانج نزيل السجن نفسه الذي أُرسل اليه اوسكار وايلد في لندن. ويقول شخصية اسانج quot;ان هذه الزنزانة محجوزة للأشخاص الذين تعاملوا بتهور مع اعضائهم التناسليةquot;.

يستغرق وقت المسرحية نحو ساعتين ونصف الساعة ولعل النص حُشي بالكثير من التفاصيل عن حياة اسانج، مثل عدد المدارس التي تعلم فيها ومعركته المديدة من اجل حضانة ابنه. ولم يغفل النص المرور على زعل اسانج مع صحيفتي الغارديان ونيويورك تايمز. لكن نصف الساعة الأخير من المسرحية مكرس للسجال حول ويكيليكس وما إذا كان الموقع قوة من اجل الخير أو من اجل الشر.

لا يصدر حكم في ختام المسرحية سوى ان اسانج كان مؤمنا بما فعله مع رفاقه، بصرف النظر عن الثمن.