شعر: كريم دةشتى
ترجمة: المهندس محمد حسين رسول

1
قُبَيلَ أنْ تُقيمي صلاةَ الضياءِ
قلتِ لي إنَّ شَوقيَ لنْ ينبعِثَ منَ الترابِ
كيما يختَلِطَ بالريحِ
ويَمضي الى مَلَكوتِ الألهْ
2
ها أنا قد خُلِقْتُ منْ تُرابِ جَمالِكْ
جَمالُكَ نارٌ لاسكونَ لها

3
حينَ جاءتِ الريحُ سألتُها لِمَ أنتِ مُتعَبَةْ
أيُّ شوقٍ أوقَفَكِ فَغَدَوتِ نورا
هلْ جَلَبْتِ بُخورَ العَنبرِ
أمْ مَرَرْتِ فوقَ ينابيعِ الوجدْ؟

4
فَتَحَتْ ريحُ الأزلِ كَفَّها
فاندَلَقَ بَريقُ الترابِ
كُلُّهُ كانَ رُفاتَ جَمالِ الوجدِ
ذابِلاً مثلَ أوراقِ الشجَرْ

5
حينَ تُصبِحُ الريحُ حزينةْ
لا أحدَ مِثلي يعلمُ
من أينَ جاءتْ وعلى أي قَلبٍ تَعرُجُ

6
قبلَ أنْ تترُكَ حُجرَتَكَ الوحيدةْ
تَتَجِّهَ الى دارَةِ الألهِ الواسِعةْ
سَكَبْتَ دِرَّةَ الوجدِ في جَوفِ الريحِ
كيما تَفورَ نحو الأبدِ

7
ضاعَ الآنَ جَمالُكَ في الريحْ
لابُدَّ أنْ يُفْعَمَ بنورِ الألهِ
مثلَ بَلُّورِ الكُهوفِ

8
أعلمُ أنهُ سيأتي يومٌ
تدفَعُني هذه الريحُ الى القبرِ
حينَها تعلمُ كيفَ أنَّ جَمالَ وجدِكَ
يَتَقَطَّرُ مِنْ تُرابِ صَدري

9
ذلكَ اليومُ شَجَرَ شَعْرُ الريحِ
كعَسجَدٍ في الشجَرِ
رأيتُكَ تُشبِهُ عقيقاً
يُحيطُ بجيدِهِ فيروزُ الشفَقِ

10
عندما تَرُشُّ ريحُ الصَباحاتِ
نافذةَ غرفتي برَذاذِ ظاهِرِ المياهِ
أعلمُ أنهُ هوَ أنتَ
قد أوصَيتَ الريحَ
أنْ تزرعَ بذورَ الخلودِ في روحي

11
لو كنتُ أعلمُ أنَّ القدرَ يضعُ مُحيّاكَ داخلَ الرياحِ
كنتُ أَلُفُّ وَجديَ فيها
وأُصبِحُ شجرةً كيما أرقصَ
كلَّ صباحٍ في شوقِ جَمالِكْ

12
في الأيام التي لا تَهُبُّ فيها الرياحُ
أعودُ الى السفوحِ
عسى أن تأتَيَني زخةُ مطرٍ بعطرِكَ
ويُنهي صمتَ قَدَري

13
كَمْ هوَ خَرِبٌ قلبيَ بعدَكْ
والأشجارُ كَمْ هِيَ حزينةْ

14
ماذا كانَ سيجري لو أَمسَكَتِ الريحُ هذهِ هُنَيهَةً
لتُصبحَ مُطلقاً في يدِ الألهِ المَلأى بالشوقِ
أو يَميزَ عرشُ جَمالِكَ
عن العرشِ النوراني للألهِ

15
ترابُكَ أيا فيروزَ الصَّحْوِ
ترابُ مروجِ الرياحِ
زهريةُ قلبِكَ
زهريةُ شرابِ الآلهةِ الأزلي

16
قبل أن توصِدَ أنتَ
بابَ روحي الى الأبدْ
وتَمضي الى بيتِ الريحِ البعيدْ
كنتُ أعلمُ أنكَ شوقٌ ونورٌ
تَتَسامى الى اللهِ

17
يومَ كنتَ تهبِطُ منْ داخلِ الريحِ
بمِعراجِ العاصفةْ
إشتعلَ عَقِبُ قدمِكَ في روحي
والحالُ الآنَ أَنِّي بنورِ وجدِكَ يقينْ

18
إنكَ الريحُ وأنا أيضاً
حينَ أكتبْ لنْ أَلتَفِتَ الى الوراءِ
كلُّ انعطافٍ يُُهَشِّمُ
قنينةَ شِعْرٍ في حديقةِ قلبي
وتُذوي زهرةَ نعناعٍ في ماءِ دمي

19
طائرٌ في كَبِدِ السماءِ
كانَ مُتَذَلِّلاً داخِلَ الريحِ
علِمتُ أنهُ في كَفِّكَ
قد فَقَّسَ عُشَّهْ

20
وَجْدُكَ هوَ كالريحِ
حينَ تَهُبُّ داخلَ رأسي
تُوقِفُ تَنَفُّسَ الكونِ
وتُذْكي لهيبَ روحي

21
يا قُطنَ نُعومَةِ روحيَ لقدْ غدوتَ ريحا
لذا أركضُ أنا دوماً خلفَ الريحِ
منْ يقدرُ على أنْ يُمسِكَ بالريحِ
إنساناً يكونُ لا الألهْ


22
جَمالُكِ ريحُ كلِّ السماواتِ
أنتِ الريحُ وكلمةُ الألهِ
هَبَطْتُما من رَحِمٍ ما
هوَ رَحِمُ التوائِمِ ليسَ إلاّ

23
لا تََلْتَفِتُ الريحُ الى الوراءِ حينَ تَهُبُّ
وأنتَ حينَ تَهُبُّ على دَمي
لا تَلْحَظُ امتِثالي أمامَ حُضورِكُمْ

24
قَبْلَ أنْ تَسأَمَ مِنَ الأرضِ
وتذهب الى نداءِ الريحِ ذي الألْفِ لونْ
قَبْلَ أنْ تَرميَ كتابَ وَجدي بعيدا
وضعتَ كتابَكَ داخلَ صدرِكَ
كي تَمْضِيَ على جَناحِ الريحِ
الى الطاقِ السَّنِيِّ للألهْ

25
تحمِلُ الريحُ أحياناً ورقةَ شجَرٍ
كي تَهَبَها الى نورِ الماءِ
لكنكِ أنتِ أيا ريحيَ الأبدي
حينَ تحمِلُني
تَهَبُني الى القبرِ

26
ما جاءَني فَوحُ أي ريحٍ
إلا كانتْ عِطْرَكَ المُلْتَهِبِ
لذا أعلَمُ أنَّ الريحَ ليستْ شيئاً آخَرَ
سِواكْ

27
أخافُ الحديثَ عنكْ
أعلمُ أنَّ الريحَ سَتَطوفُ بهِ كلَّ الدنيا
لذا يَبقى عِشقُكَ الى الأبدِ
في صَدري وقَلبي خالدا

28
مذُ أمسَيتَ أنتَ ريحاً
أنا أشتعلُ ناراً كلَّ يومٍ على إِحدى الضفافِ
أعلمُ أنْ سيأتي يومٌ
أموتُ فيهِ داخلَ زُجاجَةِ ريحٍ غاضبةْ

29
ضَمَمْتُ حَضْنَةَ ريحٍ بقوةْ
كنتُ أُحِسَُ بخَفَقانِ قلبكَ
كيفَ كانَ في حُضْني يَصُبُّ
دمَ الطيرانِ في روحي

30
أنتَ صوتُ الريحِ
صوتُ هَدْهَدَةِ الريحِ
يأتي منْ بيتِ الألهِ

31
لأنكَ تَهُبُّ من كل اتِجاهٍ
لذا أمْلِكُ أنا بيتاً أرضِياً
لا بابَ لهُ ولا جُدرانْ

32
مراتٍ كثيرةْ حينَ أَقتَفي أثَارَ قدمِ الريحِ
ألأرضُ كلُّها مواطِىءُ كَعْبِكَ الفضي
وقد صارتْ ينابيعَ عقيقٍ

33
أنتَ ريحٌ شديدةْ
أعلمُ أني سأختَنِقُ يوماً ما
لا أجرؤُ على الشهيقِ
أخشى أن تَنْحَطَّ في صَدري
لا أجرؤُ على الزفيرَ
أخشى أن تَنْفَلِتَ من صَدري

34
حينَ تَغَيَّرَ صقيعُ تأريخِ الجبلِ لأولِ مرةٍ
أَخرجَتْ نَجيلُ آلَكُوكَ رأسَها
رأتِ الدنيا رائعةً جِداً
مُنذئذٍ خَضَبَتْ آلَكُوكُ رأسَها بالحِنّاءِ
خشيةَ أن يَفطِنَ اليها الثلجُ
ويُخْفِيَ عنها الدنيا كَرَّةً أُخرى
آلَكُوك: نبتة تنمو في المناطق الجبلية ذات الثلوج الدائمة. تقول اسطورة كوردية أن هذه النبتة في موسم الربيع تخرج برأسها من بين الثلوج بيد أن الثلج يقضي على هذا الأمل.

35
حينَ تَهُبُّ أنتَ فوقَ البحارِ
كلُّ حورياتِ البحرِ
يتعَلَّقْنَ بالريحِ
حينَ تَهُبُّ عَلَيْ
تُطْلِقُ سراحَ كلِّ عُروقيَ المَزْمُومَةْ

36
يومَ كانتِ الريحُ
تتحدثُ عن جَمالكَ
تنسابُ كلماتُها مثلُ قطراتِ النَّدى
على أوراقِ شُجَيرَةِ روحي

37
حينَ تَهُبُّ الريحُ كَلْيلَةً
أُدرِكُ أنهُ أنتَ تُنشِدُ أغنيةْ
حينَ تَهُّبُّ الريحُ عاتيةً
أدركُ أنهُ أنتَ
تَبكي غُربَتَكْ

38
أيها الأكثرُ خَفاءاً من الرّيحِ أيتها الرّيحُ
تعالَ نَمْ مرةً في كوخِيَ أنا
كي أسهرَ أنا الى الأبدِ

39
جاءَ القدرُ واخْتَطَفَ وَجْدي
وَجَعَلَكَ حَلْقَةً في أُصْبُوعِ الرّيحِ
تساؤلٌ واحدٌ أستفهِمُهُ
حينَ يقتُلُني الجَمالُ
أين الألهْ؟

40
إذا كنتَ أنتَ الريحَ
شَعيرَتي أنا أنْ أقِفَ وحيداً في حَضْرَةِ الريحِ

41
حينَ أقِفُ تحتَ الأشجارِ تلكْ
أفهمُ أنكَ مثلَ الريحِ بينَ كلِّ الأوراقِ
أخشى أنْ أرفعَ بَصَري
مخافةَ رؤيةِ تساقُطِ إحدى الأوراقِ

42
تجيءُ ريحُ الشَّمالْ
أنتَ مشهودٌ في هذه الريحِ مثلَ الثلجِ
تجيءُ ريحُ الجَنوبِ
أنتَ مشهودٌ في هذه الريحِ مثلَ الماءِ
تجيءُ ريحُ الشَّرقِ
أنتَ مشهودٌ في هذه الريحِ مثلَ الشعاعِ
وتجيءُ ريحُ الغربِ
أنتَ مشهودٌ في هذه الريحِ مثلَ شجرةِ خريفيةْ

43
لوِ اقتَدَرْتُ لأوقفْتُ كلَّ رياحِ الدنيا
كيما أُحَدِّقَ في محياكْ
لكن أُوّاهْ كيفَ أقدِرُ على إيقافِ الرياحِ أنا
إذْ أني إنسانٌ لا إلهْ

44
قالتْ لِيَ الريحُ لا تَجْرِ ورائي أكثرْ
وجدُكَ مُحالْ
لقد ضَلَّ في جسَدي أنا

45
أعودُ كلَّ يومٍ الى السفوحِ
أبكي مثلَ طِفلٍ
لكِنِّي أَتَحَسَّسُ أنامِلَكْ
حينَ تَمْسَحُ الريحُ أَدْمُعي

46
أيتها الريحُ الأكثرُ خُلودا
ما أَكثَرَ ما عَلَوتْ
إني أرتَعِبُ أن تصيرَ إلها