محمد بن رجب من تونس: صدر العدد الجديد من مجلة الحياة الثقافية التي تصدرها وزارة الثقافة التونسية حول quot;فنون الخط العربي: المنبع الدائم للجماليات في الثقافة العربية الإسلاميةquot; وذلك من خلال عديد الدراسات لباحثين و أساتذة تونسيين فالجامعي خليل قويعة تطرق في دراسته حول quot; في تقريظ الخط و الخطاط و الخطاطة quot; إلى المقومات الجمالية و الإبداعية التي تجعل من الخط العربي فنا تشكيليا بآمتياز ويتساءل :quot; لماذا يبحث فنانو الخط العربي عن تظاهرات عربية و أجنبية لترويج إبداعاتهم فيما تتمنع لجنة الشراءات عن اقتناء أعمال من المنجز الخطي التونسي؟ أليس حريّا بالخط العربي أن يكون مؤسسا لحساسية تشكيلية ذات خصوصية في الثقافة الوطنية، بحيث يستأهل أن يحتل موطئ قدم ضمن مجموعة الدولة من الأعمال الفنية و رصيدها المتخفّي في الفن الحديث، طالما كان من إنتاج الذكاء التشكيلي لدى الفنان التونسي وبأنامل تونسية؟ quot; و يواصل طارحا أسئلته :quot; لماذا يتقلص حضور الخط العربي يوما بعد يوم، في البرامج البيداغوجية و العلمية للمعاهد التونسية العليا للفنون و الحرف؟ بل إن جموعا من الطلبة، في اختصاص التصميم القرافيكي، يحرمون من دراسة فن الخط العربي ويقتصرون على البرامج الخطية المرقمنة، وهي مستوردة من المعامل البريطانية و الهندية والألمانية، كلما اضطروا إلى التعامل مع الكلمة العربية في تصميم الملصقات؟، لماذا ينكر الباحثون لمنزلة مادة الخط العربي في تاريخية الفن الحديث، والحال أن الحرف العربي كان حاضرا بعمق في المنعرج الجمالي الذي قدمه بول كلي، صاحب quot;نظرية الفن الحديثquot; أواسط القرن العشرين، وأنّ رواد التجريد الغنائي (Lyrisme) من آرتونغ إلى سولاج.. مدينون للتعبير الخطي بما وفّره من آفاق حركية و خصوبة تشكيلية ملهمة؟. quot;.
ويواصل خليل قويعة :quot; لماذا يواصل المشرفون على البرمجة البيداغوجية و العلمية إصرارهم على إقصاء فنون الخط العربي من المجال البحثي بخلفية فكرية-اختزالية، في وقت أصبح فيه الإبداع الفني في أمسّ الحاجة إلى التحرر من براثن الإيديولوجيا التي حكمت عليه عشرات السنين من الركود و الإختفاء؟ أما يزال الخط العربي قادرا على لعب دور الضحية و تحميله شوائب الإسلاموفوبيا العالمية و مشتقاتها المفاهيمية؟، ألم يساهم الخط العربي بطريقته في ملحمة رفع الجهل و إعلان التحرير و التنوير و فكر التحديث، ألم ينخرط منذ نشأته في خدمة القيم المعرفية؟. quot;.
أما الجامعية رجاء العودي عدوني فقد تناولت في دراستها quot; الخطاطة العربية و ازدهار العلوم و الثقافة بالأندلس أيام الخلافة الأموية quot; وتناولت مساهمة حكام و أمراء بني أمية في ازدهار الحياة العلمية و الفكرية في الأندلس على عهد الخلافة، وركزت على الأمير الحكم المستنصر الذي يعتبر أنموذجا لكل دراسة في تاريخ الفكر الأندلسي وهو الذي حكم من 350 هـ إلى 366 هـ ( 961 م إلى 976 م )، وتضيف بأنّ ما يؤكد ثراء الفترة الأموية بأهل العلم و الثقافة ما عدده المفكر ابن حزم الأندلسي الذي عاش في عصر الطوائف وقال :quot; إنّ لهم علينا فضل السابقية، إذ نحن لا نستضيء إلا بشعاعهم، ولا نقتبس إلا ممن نورهم، و لا ننهل إلا من فيضهم و معينهم، و لا نسير إلا على هديهم، و لا نتّبع إلا في طريقهم، ولا نقتفي إلا في أثرهم، لأنهم هم الحاصدون و نحن اللاقطون.quot; وختمت الأستاذة رجاء بالقول :quot; هذه الدراسة المتواضعة أردنا من خلالها المساهمة من وجهة نظرية و تاريخية إبراز أهمية الخط العربي كدعامة لآزدهار الثقافة و العلوم بالأندلس في فترة الخلافة حين بلغت ذروتها وبرزت الشخصية الأندلسية خاصة منذ عهد عبدالرحمن الثالث ومن تبعه من الخلفاء حيث خرجت الحضارة الأندلسية من بوتقة التأثيرات الشرقية ليس في ميدان فنون الخط و توابعها فقط بل في كل الميادين الأخرى، لتلحق في سماء الإبداع و الخلق. ولا عجب في إلحاحنا على خلافة الحكم الثاني المستنصر لما عرف عنه من ولوع بشتى الفنون و العلوم والآداب و تشجيع لأربابها.quot;.
من جانبه تناول الأستاذ الجامعي الحبيب بيدة مكانة الخطاط العربي من خلال دراسة عنونها quot; الخطّاط العربي، وظيفته و مكانته الدينية و السياسية quot; فتناول المفهوم اللغوي من خلال عديد المراجع مؤكدا على أنّ quot; محاولتنا هذه لا يمكن من خلالها إلا استنتاج بنية عامة تنصهر فيها تجارب الخطاطين القدامى و فهم المكانة السياسية والإجتماعية و الثقافية للخطاط من خلال هذه التجارب، إذ لا يمكن عزل الخطاط وتصوره بعيدا عن وضعه السياسي و الإقتصادي و الثقافي و الإجتماعي ولا يجب اعتباره أيضا مجرد حاذق لمهنة يعيش بما تدره عليه من مال.quot;.
ويواصل الحبيب بيدة مبينا المكانة السياسية للخطاط:quot; لا شك في أن يتبوّأ صاحب الديوان مكانة سياسية هامة بحكم اتصاله الوثيق بأصحاب السلطة و اطلاعه على أحوال و شؤون الملك و أسراره لذلك نجد الفصل الثاني من الباب الخامس من كتاب صبح الأعشى ذكرا لما يجب أن يتحلى به من خصال تكون موافقة لهذا المقام وهذه المكانة الحساسة، كأن يكون متحليا بصفات خلقية كصباحة الوجه و المهارة و الفصاحة اللفظية و الطلاقة اللسانية والأصالة و الرفعة و الوقار و الحلم..quot;.
وينهي دراسته :quot; ثبت لدينا إذا أنّ الخطاط العربي لم يكن ذا مهنة محددة، صانعا بالمفهوم الذي نفهمه اليوم أي صاحب مهنة بل كان ذا مكانة تتعداها. فهو شخصية اجتماعية هامة قبل كل شيء ذو مكانة ثقافية أهلته لأن يتبوأ في عصره منزلة في مجالس الأدب و ينال شرف الوزارة في أغلب الأحيان.quot;.
الأستاذ عمر الجمني تناول في دراسته جماليات الخط العربي من خلال quot; الخط العربي و جمالياته quot; وقال :quot; إن لجمال الخط علاقة بأنواعه و أشكاله وقواعده و قد كان للخط العربي تاريخ طويل وطريف ميزه عن بقية الخطوط المعروفة عالميا. فمن عصر النقوش العربية القديمة إلى عصرنا الحالي، عصر المعلوماتية و الإنترنيت، مرّ الخط العربي بعدة مراحل حضارية عربية وإسلامية أثر فيها و أثرت فيه، وهو ما يزال إلى اليوم صامدا رغم رياح التطور الغربية العنيفة التي لم تتمكن من القضاء عليه، بل إنه انتشر في شتى أنحاء العالم من أمريكا إلى اليابان، ولن تلحقه يد التشويه لأنه مرتبط بالقرآن الكريم، إذ كلام الله الجميل لا يكتب إلا بخط جميل. ولقد كان الإسلام الحافز الرئيسي لتطور فن الخط العربي الذي اقترن وجوده بوجود الدين الإسلامي الحنيف quot; إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون quot; صدق الله العظيم.quot;.
ويضيف طارحا آراء العلماء :quot; و للعالمين و الباحثين، قديما و حديثا، آراء مختلفة في أصل الكتابة العربية فمنهم من يرى أنّ الخط العربي ينتمي إلى جنوب الجزيرة العربية، وكان يسمى بـquot;المسندquot; أو quot; الخط الجنوبيquot;، وقد انتشر في شمال الجزيرة العربية والعراق و سورية عن طريق القوافل التجارية لكن هناك رأي آخر يؤكد أن دراسة نقوش ما قبل الإسلام و القرن الأول للهجرة تدل على أنّ الكتابة النبطية ذات الصلة بالخط الفينيقي. إذن فالكتابة العربية حسب هذا الرأي، حلقة متصلة بالحلقتين النبطية والآرامية فنقوش أم جمال (250 م) و النمارة (328 م) بسورية نبطية لغة و خطا. ونقش زبد المكتوب بثلاث لغات، اليونانية و السريانية و العربية (512 م) يدل على أن العرب فضلوا استخدام هذا الخط، وأنّ العربية فرضت نفسها كلغة ثم ككتابة فوصلت إلى شمال الجزيرة العربية مرورا بالعراق (الحيرة و الأنبار على ضفاف الفرات ).quot;.
من جهته تناول الأستاذ المنجي عمارة بالدراسة quot; نشأة الخط وتطوّره quot;، نشأة الكتابة و تطورها عبر العصور وموقف الإسلام منها والمدارس الخطية وأشهر الخطوط العربية التي أفرزتها، مشكلات الخط المعاصرة، وختم بتناول موضوع محاولات النيل من لغة العرب و خطهم quot; لا بد أن نشير في نهاية البحث إلى الحملات الإعلامية الهدامة من الغرب و الشرق الداعية إلى تبسيط اللغة العربية وتغيير حروفها وتشويه المسحة الفنية في جمال كتاباتها بدعوى التطور و مسايرة عصر السرعة. وهو كلام حلو، ظاهره في الرحمة، للرفق بالناشئة، وتخفيف عبء القواعد على المبتدئين أو الناطقين بالعربية، وباطنه في المكر و الخداع للقضاء على مقومات الحضارة الإسلامية، التي ظلة حية على امتداد خمسة عشر قرنا، متجددة و متطورة مع الزمن، مستمدة إشعاعها من القرآن الكريم أقدم نسخة دينية تم تدوينها على الإطلاق. ثم السّنّة من خلال موطأ مالك، في مرحلة أولى، وهو النسخة الثانية التي تمّ تدوينها في الإسلام بخط عربي بعد القرآن.quot;.
أما الباحث الدكتور محمد الصالح العياري فقد تناول في دراسته quot; الخط و تجليات المقدّس في المعالم الدينية : الجوامع و الزوايا نموذجا quot; الخط العربي والإسلامي كأحد تجليات القدسي في المعالم الدينية مؤكدا على أنّ quot; العديد من الأنتروبولوجيين الثقافيين و مفكري الأديان المقارنة يتفقون على أنّ نشأة المقدس كانت سابقة على كل تجربة دينية سواء كانت في مستوى الديانات الطبيعية أو التوحيدية، وتوجد هناك دلائل تاريخية كثيرة ومؤشرات ثقافية و طقوسية سحرية، قد أمكن لهؤلاء الدارسين أن يكشفوا عنها في سجلات وآثار الشعوب القديمة من رسومات مدوّنة في الكهوف، وتماثيل و كتابات منسوخة على محامل مختلفة ومن أبرزها الرّقيمات البابلية والأوغاريتية التي كتب عليها بالحروف المسمارية. وفي هذا السياق يجب أن نؤشر على مرحلتين تاريخيتين قد سبقتا ظهور المقدس الديني أو المقدس و الدين.quot;.
وتناول الدكتور طارق عبيد في دراسته quot;الخط العربي بين الأصالة و التجديد (المغربي المبسوط أنموذج للتشكل و التشكيل ) quot; مبينا أنّ quot; الخط المغربي يعاني اليوم اغترابا في وطنه فلا هو مقعّد الأصول ولا هو متجدد الفروع، بل بقي يرزح تحت المفهوم الضيق للأصالة الذي يعتبر كل تراث كنزا يجب المحافظة عليه و بالتالي تجميده، وأمام هذا الرأي فنحن نتساءل : ما هو مفهوم الأصالة عامة وما هي مقومات الخط العربي الأصيل؟، ثم كيف يمكن لنا الحديث عن خط أصيل يتصل بالمعاصرة دون أن يقطع معها فيكون بناء وتشييدا للخلف لما تركه السلف؟ ما مدى انفتاح الخط العربي المبسوط على الأساليب الخطية الكلاسيكية من جهة و على المنظومة التشكيلية بألوانها و أشكالها و خاماتها ومحاملها و تياراتها و مدارسها من جهة ثانية؟.quot;.
ويستاءل الدكتور نزار شقرون عن انسداد أو انفتاح الرؤية الجمالية من خلال دراسته التي عنونها quot; quot; تواشجاتquot; الحروفية العربية : انسداد أو انفتاح الرؤية الجمالية؟ quot; :quot; هل ولّى زمن الحروفية العربية، وانتهت تجربة استلهام الحرف العربي إلى منطقة مسدودة في البحث الشتكيلي؟ أم أنّ الحرف كمفردة تشكيلية قد مدلوله الحضاري، فآنتكست التجربة الحروفية، لآنتكاسة هوية الحرف ومرجعيته؟ وهل تعدّ أي تجربة بحثية عربية تتخير المواصلة الإرادية في توظيف الحرف داخل اللوحة، مجرد استمرار في إنتاج المآزق الفنية ذاتها أم ثمة إمكانات جدية لفسحة جمالية جديدة، هي وليدة التراكم التجربي و المراجعة الفكرية؟.quot;
ويختم دراسته quot; لقد بينت بعض التجارب الفنية بحثها عن إمكانات جديدة لآستلهام الحرف العربي و تطويعه، ولكنها لم تستطع أن تخرج بشكل نهائي عن أطروحات السلف الحروفي، فهل تعدّ هذه العودة، حنينا باطنيا مستديما، إلى لحظة وجودية أولى هي جماع قوة الحرف بوصفه كائنا.quot;.
أما الدكتور محمد الهادي دحمان فقد أعدّ دراسة نعى في ها الخط العربي quot; في نعي الخط العربي quot; و تساءل، لماذا النعي في يوم عرس؟ وكتب quot; هذه الدعوة حركت فيّ ساكنا ليضطرم عند أول جذوة تلامسه فينحسر عن مشهد تأبين لكأنما هو النعي في يوم عرس، إذ الجنازة تزفها هذه المجلة الوقور، والعريس البرّ الراحل هو ديوان العرب (و المسلمين على السواء) و الذي ما هو بالشعر و إنما هو الخط العربي الذي دانت له الذائقه الإنسانية قاطبة بالعجب و المتعة.
و القصد من وراء ذلك أن الخط العربي وبعد أن تهيأت له سبل الإحراز على وضع مادة الإختصاص عدل لغيرها من الإختصاصات كمثل التصوير و النحت و الحفر و النسيج، فإن فيتو يرفع في وجهه ليعطل حضوره بتلك الصفة بمنظومة (إ م د ) ليعيد الظهور على استحياء ودون وجه حق بما أنها قد تجد لها منفذا مشروطا في خانة المواد الإختيارية بعطف من المجلس العلمي و بهامش زمني لا يكاد يذكر. quot;.
quot; وصورة المشهد أننا في سنة أولى ما بعد الثورة، وفي مثلها استعادة للهوية وفي نظيرها ديمقراطية، نعجز برغم كل هذه الحوافز عن حماية الخط العربي، رمز هويتنا من التقاعد القسري و التأييد التاريخي، فما يبقى لنا سوى حق نعيه وتأبينه بعد أن منعنا من حق علمه.quot;.
- آخر تحديث :
التعليقات