إيلاف ndash; بيروت: صدر لدى quot;دار الغاوونquot; كتاب جديد للكاتب السوري المعروف حكم البابا في أكثر من 400 صفحة بعنوان quot;معارك صحافية: من الثقافة إلى السياسةquot;.
ويتألف الكتاب من خمسة فصول، كل فصل منها هو عبارة عن معركة صحافية أشعلها البابا بمقال تتالت بعده الردود والردود المضادة التي وصلت أحياناً إلى المحاكم وفروع الأمن والتهديد بالسجن.
وتبرز أهمية هذا الكتاب السجالي في كونه يشكّل وثيقة مهمة من داخل الإعلام الرسمي عن المبادرات الفردية التي كان يقوم بها صحافيون شجعان لتحريك المياه الراكدة بل والآسنة في الإعلام السوري. ولذلك يحظى الكتاب هذه الأيام براهنيّة استثنائية رغم قِدَم مقالاته، فعلى سبيل المثال نجد في المعركة الثالثة التي تحمل اسم quot;معركة الثقافة والأيديولوجياquot; فضحاً كاريكاتورياً لمثقف متواطئ مع المخابرات، هو الكاتب نبيل فياض (الذي يملأ الفضائيات هذه الأيام دفاعاً عن النظام السوري)، حيث يكتب فياض شهادة حسن سلوك بالمخابرات السورية، ما يدفع البابا إلى استنباط اسم ساخر لما يروّج لها فياض ألا وهو quot;السياحة الأمنيةquot;... وقد وصلت أصداء المقال غير المسبوق في نقد أجهزة المخابرات إلى الصحف العربية والأجنبية، بين من اعتبر نشره في الصحافة الرسمية انفتاحاً، وبين من أدرجه في سياق سعي النظام إلى تجميل صورته الإعلامية.
ولم تقتصر المعارك على الهموم السياسية بل امتدّت إلى الثقافة والمثقفين. وقد جاءت عناوين الفصول - المعارك الخمسة على الشكل الآتي: المعركة الأولى: معركة الثقافة المزيّفة والشعراء المزوّرين، المعركة الثانية: معركة الثقافة والأيديولوجيا، المعركة الثالثة: معركة حرية الصحافة وقمع المخابرات، المعركة الرابعة: معركة المواطنة والانتماء، المعركة الخامسة: معركة المثقف الحر ومثقف السلطة.
وقال البابا في مستهلّ كتابه إن quot;هذا الكتاب جزء من تاريخي الشخصي، وبطريقة ما أستطيع أن أعتبره فصلاً من سيرة ذاتية، فمقالاته التي سيتصفَّحها قارئ ما وهو مسترخٍ على كنبة، عشت لحظات كتابتها حماسةً وانفعالاً وأرقاً، ومعاركه التي أشعلتها هذه المقالات، والتي من المحتمل أن تثير ضحك قارئ ثانٍ أو شماتة ثالث، مثال على أسلوب حياة اخترتها، وحاربت فيها بضراوة دفاعاً عمَّا آمنت أنه حق، وواجهت خلالها بشراسة ما اعتقدتُ أنه بشاعة،وعَبَرت فيها من الثقافي إلى السياسي من دون أنتبه كثيراً إلى أنني أتحوّل في لحظات عديدة إلى ما يشبه الانتحاري، وإذا كانت الشتائم التي تلقّيتها من أدباء وصحافيين، كردود على بعض هذه المعارك الذي يحويها الكتاب مؤلمة في حينها، فهي بالتأكيد لا تقاس بالوحش الذي واجهته وأنا أنقل مستوى خصوماتي من الشعراء المزوّرين، والأدباء الذين فرَّختهم مداجن الأيديولوجيا، إلى الفاسدين والمخبرين وخبراء امتهان كرامة البشر، الذين كان بإمكانهم في لحظة ما - واجهت بعض تجلياتها - أن يحذفوني من معادلة الحياة كلها، ويحوّلوني من حاضر إلى ماضٍquot;.
ويتابع البابا: quot;ولهذا السبب فأنا أعتبر الكتاب بالإضافة إلى كونه جزءاً من سيرة شخصية، وصورة عن الوضع الثقافي والصحافي والسياسي لبلد يعيش تحت الاستبداد، هو أولاً وأخيراً كتاب في الحرّية، وفي تعلّم حركاتها المرتبكة الأولى، وفي نطق أول وأهم كلمة في كتابها المقدّس: quot;لاquot;، وكل ما أطلبه من القارئ، إذا كان يحق لي أن أطلب، هو أن يقرأ هذا الكتاب باعتباره كتاباً في التدرُّب على قول هذه الـquot;لاquot; الانتحارية، في بلد يُخرج مئات الآلاف من البشر في المسيرات، ويبث تلفزيونياً وإذاعياً على مدار الأربع والعشرين ساعة وعبر قنوات عدّة، ويطبع مئات آلاف النسخ من الصحف والمجلات يومياً وأسبوعياً وشهرياً وفصلياً، ليتأكد من سماعه لكلمة quot;نعمquot;، لكنه - ولأنه يعرف طبيعته وماهيّته أكثر من الجميع - لا يصدِّق quot;نعمquot; مسيراته وقنواته التلفزيونية والإذاعية وصحفه ومجلاته، ولا يقتنع بها، فيعمد ويصرّ على تكرارها كل يوم، وفي كل مناسبة، من دون جدوىquot;.
وقدّم الكاتب السوري ماهر شرف الدين للكتاب قائلاً: quot;ما صنعه حكم البابا في الصحافة السورية أشبه بما صنعه الهدّافون في ملاعب كرة القدم. فبينما أراد النظام الدكتاتوري للصحافيين السوريين أن يكتفوا بالجلوس في المدرّجات وتشجيعه هو اللاعب الوحيد، قفز حكم البابا من على السور الفاصل بين المدرجات وأرض الملعب ليسجّل هدفاً. أحياناً، غشَّ البابا في أهدافه (هدف تسلُّل، هدف بلمسة يد...)، لكن سيرة الهدافين ليست بعيدة عن هذا quot;الغشquot;، بل هي جزء حميم من صورتهم المحبَّبة لدى الناس. كما أنك في مواجهة خصوم كالذين واجههم البابا، لا بدّ لك من بعض الحيلة والمراوغة ونصب الفخاخ. لكن أهداف حكم البابا كانت على عكس أهداف هؤلاء، فالأصوات التي كانت ترتفع بعد كل هدف له ليست أصوات البهجة والفرح، بل أصوات السخط والغضب، والشتم أحياناً. فللأهداف التي سجّلها البابا جمهورٌ شبه سرّي لا يجرؤ على التهليل على مرأى من نظام قمعي بوليسي صنع ملعبه الحقيقي في أقبية المخابراتquot;.
ويناقش شرف الدين تهمة quot;الفضائحيةquot; التي يمكن أن تُلصق بمعارك الكتاب بالقول إن quot;الفضح الأساسي الذي دأب عليه حكم البابا في معاركه هو فضح ثقافة التلفيق (في الشعر والصحافة والسياسة). فلو أخذنا الفضيحة الأولى في هذا الكتاب (فضيحة الشعر الحديث، حيث قام البابا بقصّ ولصق كلمات لا على التعيين من عناوين الصحف ثم نسخها بخط يده وقدّمها إلى الشعراء والنقاد على أنها قصيدة فمدحوها وأشادوا بها) لوجدنا أنها ربما تصلح أن تكون مسطرة أو خطّة مسبقة للمعارك التي بعدها. فعلى سبيل المثال، حين سمح وزير الإعلام بنشر مقال نقدي للبابا (انتقد فيه أسلوب المخابرات) في صحيفة quot;تشرينquot;، هلّل كثرٌ ورقصوا ودبكوا لهذه الحرّية الملفّقة (تماماً كالقصيدة الملفقة سابقة الذكر). لكن البابا - وكي يفضح التلفيق هنا - كتب مقالاً نقدياً آخر فقام الوزير نفسه ومنع نشرهquot;.
وختم شرف الدين: quot;هذه الأهداف الصعبة التي سجّلها حكم البابا جديرة بأن تُحفَظ في كتاب كهذا الكتاب لا يريد أكثر من القول بأن التلفيق الذي لا يصنع أدباً، كذلك لا يصنع حرّيةquot;.
وجدير بالذكر أن حكم البابا شاعر وسيناريست وكاتب صحافي سوري بارز، ترأس تحرير العدد الأخير من جريدة quot;الدومريquot; السورية والذي صودرَ وأُغلقت الجريدة بسببه سنة 2003. من كتبه المنشورة: quot;عصيانquot; (شعر 1982)، quot;مرَّ من هناquot; (شعر 1984)، quot;أكبر من جحيم... أصغر من تنّورquot; (شعر 1985)، quot;عم صباحاً أيها الشقيquot; (شعر 1985)، quot;سيرة العائلةquot; (شعر 1989)، quot;ما تبقى من كلامquot; (شعر 1991)، quot;كتاب في الخوفquot; (صحافة سجالية 2005)، quot;وطن بالفلفل الأحمرquot; (صحافة سجالية 2007)... ومن أعماله التلفزيونية: quot;أحلام أبو الهناquot; (1997)، quot;عائلة خمس نجومquot; (1993)، quot;عائلتي وأناquot; (2000)، quot;أيام الولدنةquot; (حاصل على ذهبية أفضل عمل كوميدي، أفضل سيناريو، أفضل إخراج، أفضل ممثل دور أول، أفضل ممثل دور ثانٍ في مهرجان القاهرة للإعلام العربي سنة 2008).

لزيارة موقع دار الغاوون
http://www.alghawoon.com/mag/books.php