في خطوة تعكس الحركة الفنية والإبداعية النشطة التي تشهدها العاصمة الإماراتية أبوظبي، أطقت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة مشروعا فنيا جديدا بعنوان quot;دروب الطواياquot;، ينطلق في 20 نوفمبر بالتزامن مع فن أبوظبي، من منطقة السعديَّات الثقافية ليجوب عددا من المواقع في العاصمة، فيما يشبه المسار تتناثر على جنباته الفعاليات الثقافية المختلفة.
استوحي عنوان مشروع quot;دروب الطواياquot; من تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالماء والسفر ومسارات القوافل، والذي يشكل جزءاً لا يمكن تجاهله من تاريخ المنطقة ككل ولا تزال شواهده قائمة منذ آلاف السنين. كلمة طَوِيَّة quot;جمع طواياquot; كلمة عربية فصيحة بمعنى بئر الماء المبنية بالحجارة، التي ظلت كعلامات ومرتكزات حافظت على الدروب التاريخية كما كانت منذ القدم ويُستخدم الجمع طوايا بمعنى الطبقات، وكأنَّ الأفكار والمفاهيم والقِيَم ستتكشف تباعاً خلال برنامج دروب الطُوايا، الذي يشرف عليه طارق أبوالفتوح ويتنقل بين عدد من أبرز معالم العاصمة الإماراتية بالتزامن مع فن أبوظبي، وستظهر عنه فعاليات أخرى خلال عام 2014.
ويحتل الشعر مكانا مركزيا في برنامج دروب الطوايا فالإبداع الشعري هو من أقدم أنواع التعبير الفني المرتبط بالسفر والترحال، فقد كان الشعر الشعبي أو النبطي الوسيلة الإبداعية المفضلة لدى سكان الإمارات في الفترات التاريخية السابقة. فقد أبدع أبناؤها ليس فقط في تأليف الشعر ولكن أيضاً في فنون الإلقاء والإنشاد كأحد أشكال فنون العرض المرتبطة بالبيئة الصحراوية والساحلية والجبلية.
وقال الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان، رئيس هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة quot;تمثل فكرة quot;دروب الطواياquot; فهما مختلفا للعناصر الفنية والتراثية في الثقافة المحلية الغنية بأساليب تعبير مميزة، فإعادة احياء هذه العناصر بروح عصرية يعطي بعدا مختلفا لما ابدعه الأجداد وهم يتعايشون مع الطبيعة ومكوناتها، ويعكس أيضا تطلعنا في الهيئة إلى جعل الفنون لغة يومية في حياة الناس، حيث نعمل على الحفاظ على مكتسبات الماضي واعادة تقديمها بروح متجددةquot;.
وقالت ريتا عون-عبدو، المدير التنفيذي لقطاع الثقافة في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة quot;يقدّم برنامج دروب الطوايا مزيجاً متنوعاً من النشاطات الفنّية تشمل الأمسيات الشعرية، وأعمال الفيديو، والعروض الحركية المعاصرة، لتمنح الجمهور طريقاً نحو الاستكشاف. ويدعو دروب الطوايا الذي يقام في أنحاء مدينة أبوظبي الجمهور إلى استكشاف المساحات المشتركة بين النشاطات الفنية وأفكار الفرد التي ستُكشف خلال هذه الرحلةquot;.
تتمحور فكرة برنامج دروب الطوايا حول الترحال وخبرة الطريق والتطلع للوصول لوجهةٍ نهائيةٍ، وكيفية تعبير الفن عن تلك الأفكار والأحلام كما عبّر عنها الشاعر اليوناني الأسكندري قسطنطين كفافيس في قصيدته الشهيرة إيثاكا التي كتبها عام ١٩١١م.
rdquo;ضَعْ إيثاكا نُصْبَ عينيك دائماً
اجعل بلوغَها غايتك
لكن حذارِ أن تستعجلَ الرّحلة
ومن الأفضل أن تجعلها تدوم سنوات وسنوات
وأن ترسو في الجزيرة عندما تصبح هَرِماً
غنياً بكل ما كسبته خلال رحلتكldquo;
استلهام قصيدة كفافيس كأحد مصادر الفكرة الأساسية لبرنامج دروب الطوايا له دلالات عدة، فالشاعر اليوناني كان يعيش في الإسكندرية عندما كانت توصف بأنها مدينة عالمية بامتياز، مما يعكس الصفات الأساسية لمدينة أبوظبي في الوقت الحالي التي أصبحت مركز جذب عالميٍ بمجتمعٍ متنوع وموقع جغرافي مركزي ومميز و مع رؤية تقدمية إلي المستقبل.
إيثاكا كعنوان للقصيدة تمثل المكان - الحلم الذي يسعى إليه المسافر في رحلته باحثاً عن المعرفة والخبرة والجماليات . يلقي الشاعر الضوء على مختلف جوانب الرحلة وخبرات الطريق ويثمن أهميتها في مقابل الوصول إلى الوجهة النهائية.
وقال طارق أبوالفتوح quot;سيوفّر برنامج دروب الطوايا حافلات مخصصة على مسار محدد خلال فن أبوظبي، حيث ستتوقف الحافلة خلال رحلتها في أربع محطات مهمة تُعَدُّ من أهمّ معالم العاصمة الإماراتية هي: منارة السعديات، وميناء زايد، وشاطئ الكورنيش، ومنطقة المارينا. وتستضيف هذه المحطات سلسلة من الفعاليات والعروض الأدائية التي يقدمها حشدٌ من الفنانين والشعراء وعدد من المؤسسات الثقافية.quot;
تم تصميم برنامج دروب الطوايا نفسه كرحلة حيث يتوزع برنامج العروض على أربعة مواقع ذات أهمية دلالية تعبر عن فترات زمنية مختلفة للمدينة بين الماضي والحاضر والمستقبل. رابطاً كذلك المحطات المختلفة بأعمال فنية متحركة عن طريق تدخلات لأربعة فنانين معاصرين في حافلات النقل العام وائل شوقي، الفنان الذي شارك في معرض dOcumenta 2012 حيث كُلّف بتحويل إحدى الحافلات إلى عمل فني يستوحي جماليته من الجِمَالِ سوداءِ اللّون وإلقاء أبيات الشِّعر؛ و ستقوم زينب الهاشمي، الفنانة الإماراتية المعروفة بشغفها بتراث الإمارات الذي تعيد استكشافه من خلال عدسات الوسائط التجريبية والمواد الجديدة، بتولي تحويل الحافلة الثانية إلى منصة إبداعية. وستتولى تحويل الحافلة الثالثة الفنانة تشاو فيه بصور وفيديو من عملها المعروف مدينة RMB ؛ وأما الحافلة الرابعة فسيقوم الفنانان العالميان إيليا وإيميليا كاباكوف بتحويلها إلي عمل فني وعرض شعري. تتجول الأربع حافلات بشكل دوري على خط حافلات مخصص لدروب الطوايا المتاح للجمهور وسكان المدينة.
يتفاعل البرنامج مع التصميم الحضري للمدينة وخريطتها فيربط خط الحافلات بين مواقع لفضاءات فنية ومواقع تاريخية وأماكن عامة وتجمعات شبابية. ومن هذه المواقع سوق السمك بمنطقة ميناء زايد، حيث يتم تخصيص أحد القوارب المتحركة عل مدى ثلاثة أيام لاستضافة ثلاثة مراكز فنية وهم مركز الصورة المعاصرة من القاهرة و98 أسبوع من بيروت وأرت ويك من أبوظبي للفنانة عفراء الظاهري لإدارة ورش عمل وإنتاج فني يتم عرضه للجمهور خلال رحلة بحرية أمام ساحل المدينة.
ويستضيف كورنيش أبوظبي أمسية شعرية لعشرة شعراء إمارتيين على الشاطئ بالتعاون مع اتحاد الكتاب الإمارتيين، فرع أبوظبي، وكذلك عرض هيب هوب لفرقة Speed Battles التي طورت برنامج حاسوب لرصد حماس الجمهور والمارة، بالتعاون مع فناني هيب هوب من الإمارات Spinning Turtles.
تستضيف منطقة المارينا بالتعاون مع نادي أبوظبي للرياضات البحرية عرض للفنان ريان تابت تحت اسم البحث عن اللؤلؤ، حيث سيصطحب ثابت الجمهور في رحلة بحرية بالقارب حول جزيرة اللولو المواجهة للمدينة.
أما في جزيرة السعديات، كموقع يحمل في طياته تخيل مستقبلي لامتداد المدينة الحضري، فتستضيف منارة السعديات عروض وأعمال لفنانين معاصرين تستكشف خبرات ومشاعر إنسانية حول معنى الرحلة والطريق من خلال مفردات حركية أو صور إبداعية أو جمل صوتية.
هيروكي أوميدا، فنان الصوت ومصمّم الحركة سيقدّم لوحته الأدائية quot;أثناء الذهاب في حالةquot; التي تتضمَّن توليفته الحصرية من حركات الهيب هوب وفن laquo;البوتوraquo; بالإضافة إلى الصوت والإضاءة؛ ومحمود رفعت، الموسيقي وفنان الصوت الذي سيعزف مقطوعة موسيقية معاصرة مرافِقة للفيلم الصامت laquo;برلين: سمفونية مدينة عظيمةraquo; الذي أخرجه والتر روثمان عام1927؛ هو تسو نيان، الذي سيقدم فيديو لما بعد نهاية العالم المعنونة EARTH، ترافقه فرقة Black to Comm التي تعمل انطلاقاً من مدينة هامبورغ الألمانية. كذلك يقدّم ثنائي تصميم الحركة سلمى وسفيان عويسي (سلمى تعيش في باريس وسفيان في تونس) عرض حركي مشترك عبر الانترنت بعنوان(Here(s. وأخيراً وليس آخراً، يقدم حفيز ضو وعايشة مبارك أحد أحدث أعمالهما المشتركة Do you believe me?، وهي لوحة منفردة في رُدْهَة منارة السعديات.
كذلك تم اختيار أبيات شعرية من الشعر الإماراتي النبطي والفصيح وتكليف عدد من فناني الجرافيك هُم سالم القاسمي، وحمدان الشامسي، وديمة الأتب والمصمِّمات laquo; هديه بدري، وهالة العاني، وريم حسن، للعمل على خلق تصميمات لوضعها على حافلات النقل العام بالمدينة، حيث تتحول عشرون من الحافلات العامة إلى عروض متحركة تتجول في المدينة طوال اليوم على مختلف الخطوط التي تمر في وسط المدينة وذلك بالتعاون مع دائرة النقل في أبوظبي.
يقدم البرنامج مزيجاً متنوعاً من الأعمال الفنية المعاصرة في مواجهة الحياة اليومية في المدينة بما في ذلك عروض حركية، وأفلام فيديو، وأعمال تركيبية فنية، وأمسيات شعرية. يدعو quot;دروب الطُواياquot; الجمهور لاكتشاف التقاطعات والمساحات المشتركة بين ممارسات فنية وثقافية تنطوي على أفكار وقيم وجماليات متنوعة من خلال الحركة والتنقل المنتظم بين أماكن تحمل في جوهرها أهمية مستقبلية وتاريخية.