بغداد: اكد الدكتور عبد جاسم الساعدي، رئيس جمعية الثقافة للجميع، ان الثقافة العراقية لم تكن ايجابي في المستوى المطلوب، موضحا انها لم تكن طرفا مهما في التأثير وخلق الوعي وانها غير قادرة على حلحلة الوضع، مشيرا الى ان صوت الثقافة العراقي خافت،وان الصوت العالي في العراق هو صوت الحاكم، هو صوت رئيس الوزراء،هو صوت الحكومة،هو صوت القوة والسلطة والنفوذ والمال وهو كل شيء، وقال الساعدي ان العنف في الرواية العراقية بعد عام 2003 صارت تتحدث عن العنف في المكان المفتوح، بعد ان كانت تتحدث عنه في المكان المغلق الذي كأن يكون سجنا او زنزانة.

*ما جديدك في الاصدارات؟
- صدر لي كتاب عنوانه (العنف السياسي في السرد القصصي العراقي) يتناول مرحلة خمسين سنة مرت على العراق في قضايا العنف واوليات العنف الايدلوجي والسياسي الذي ظهر بوجه خاص بعد ثورة تموز 1958 واستفدنا من عدد مهم من الاعمال القصصية والروائية ولعل رواية (الرجع البعيد) لفؤاد التكرلي هي احدى الركائز المهمة في النص الروائي العراقي والعربي ايضا.

*هل توصلت الى الاسباب وراء هذا العنف الذي ارخه الروائيون؟
- هذا موضوع شغلني مذ كنت شابا في الستسنيات بوجود العنف ومن ثم بحكم عملي في الجامعة العراقية والعربية حيث اشتغلت على النص الروائي في جامعة محمد الاول في المغرب وجامعة تيزيويزو في الجزائر وفي ليبيا والعراق وكان هذا الاساس هو كشف دلالات العنف في النص القصصي والروائي ووجدناه مع الاسف انه يعبر عن حجم المصيبة الكبيرة التي المت بالعراق والبلدان العربية الى حد ما وهذه الروايات كانت تمثل تجربة سياسية ثقافية مهمة لانك تكتشف ان الغالبية الغالبة من هؤلاء هم يساريون،اي بمعنى اهم دخلوا السجن وهناك مطاردة وخوف وكثير من هذه القضايا التي وقعت في العراق.

*لماذا لا يحاول القاص العراقي ان ينأى بنفسه عن العنف؟
- تجربتي في انكلترا وكان عندي كتاب اسمه (الذاكرة والحنين في القصة العراقية القصيرة) صدر عام 1995 وجدنا ان الادباء والمبدعين العراقيين لعشرين عاما يعودون بامتداداتهم الى الطفولة والذاكرة والقرية والمدينة والتقاليد الدينية والاعتأثرراف الاجتماعية والى السجن والى الانتماء،فهم لم يتأثروا الى حد ما بالاداب الاجنبية ويمكن القول ان الان او منذ بضع سنين وجدنا عددا منهم يتجه الى هذا التنوع الثقافي والاستفادة من الادب القصصي في العالم.

* في العشر سنوات الماضية كيف وجدت العنف في السرد العراقي؟
- وجدنا العنف في الرواية العراقية بعد 2003 التي صارت تتحدث عن العنف في المكان المفتوح، بمعنى هناك مكان مغلق وهذا المكان كأن يكون سجنا او زنزانة او اي شكل من اشكال التعذيب، وللاسف السجون صارت اكثر من المدارس والمعاهد والجامعات، وقد وجدنا بعد 2003 ان هناك هامشا من الحرية في الكتابة فصار العنف على المستوى المفتوح كما في رواية (مقامة الكيروسين) لطه الشبيب او (خريف البلدة( لاحمد خلف) وغيرها، هذه الروايات تناولت المقابر الجماعية والعنف الجماعي والاضطهاد الذي حدث والذي بدأ التعبير عنه فيما بعد، ومع الاسف ان العنف يزداد شكلا وتنظيما وارهابا وقوة.

*كيف ترى واقع الثقافة العراقية بعد اكثر من عشر سنوات على التغيير؟
- النص العراقي مقروء وممكن على مستوى القصيدة والمسرح والرواية، ولكن الثقافة العراقية لم تكن ثقافة ايجابية في المستوى المطلوب، فهي الى حد الان ذات جانب سلبي مع الاسف ولم تدخل في عمق الازمات ولم تكن طرفا مهما في التأثير وخلق الوعي وهذا ما نشاهده في حياتنا اليومية، فهي غير قادرة على حلحلة الوضع، فنحن في العراق مع الاسف لدينا ازمات بنيوية معقدة جدا كما هو في موضوع الامية، ففي العراق 9 ملايين امي لا يقرأون ولا يكتبون، وفي العراق بيئة مدرسية معطلة، في العراق خدمات صحية بائسة، في العراق تجد مدرسة فيها 4 الاف تلميذ لكنهم لا يملكون الماء الصالح للشرب، ولا توجد مرافق صحية نظيفة، فهناك ازمة معقدة وكبيرة جدا على مستوى الخدمات والتعليم والصحة والقراء والحريات المدنية وغير ذلك، فالامل بأن تكون لدينا ثقافة فاعلة كما يسمونها ثقافة عضوية لها دخل ولها وجود، ونحتاج الى ثقافة الشباب وهي ما يطلق عليها بالثقافة النقدية، بمعنى اننا لابد ان تكون لنا ثقافة نقدية،ثقافة السؤال والحوار والاعتراف بالاخر والنقد والمباشرة، وتكون هناك حلقات وحيوية وهذا ما نراه مع الاسف حتى على مستوى الانتخابات البرلمانية المقبلة، وللاسف لم يكن للمثقفين اي دور حتى الان لا في منظماتهم ولا في مؤسساتهم ولا على مستوى الوضع الفردي كذلك في دفع هذه العملية الانتخابية وحض الناس للاشتراك في الانتخابات.

* هل تسمع للمثقف العراقي صوتا في ما يجري حوله؟
- صوت الثقافة العراقي خافت،الان ما يجري في العراق هو صوت الحاكم، هو صوت رئيس الوزراء،هو صوت الحكومة،هو القوة والسلطة والنفوذ والمال وهو كل شيء، وهذه قضية تعيد العراق الى الاستبداد والهيمنة ونحن بحاجة الى نظام سياسي تعددي وفعلا يعترف بالاخر،نظام يتجه نحو التغيير.

* الكثير من المثقفين شاركوا في الانتخابات البرلمانية السابقة ولم يحققوا شيئا، ما الاسباب يا ترى؟
- الوضع المدني في العراق ضعيف وهناك ركاكة في الامر والسبب يكمن في هيمنة الاسلام السياسي الذي استحوذ على عقول الناس والذي استحوذ على حياتهم مع الاسف، فقد انهينا تجربة عشر سنوات فاشلة لانهم استغلوا الاسلام لاغراضهم الخاصة بينما الاسلام بعيد عما فعلوه من فساد ورشاوى وامية وجهل، الاسلام يدعو الى التسامح والعدالة والانصاف والعراق فيه تزداد الطبقات الشعبية بؤسا وخوفا ونحن نشتغل في عمق المناطق الشعبية ويؤسف انها في غاية البؤس وكذلك الاطفال والنساء والعائلة العراقية كما في العديد من مناطق بغداد التي عملنا فيها العديد من الفعاليات منذ عشر سنين والتي تركت انطباعا مهما بضرورة وجود صوت المثقفين،الفاعل والحيوي، الذي يدعو الى التغيير ولهذا نأمل من الانتخابات البرلمانية المقبلة ان تفرز اصواتا جديدة ونوابا مؤعلين فعلا، ولا عودة لاولئك الذين اشتغلوا على الفساد والرشوة.

* انتهت فعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربية، كيف تقيم الحدث ونتائجه؟
- مهما يكن من رأي ومهما يكن من طموح لبغداد عاصمة الثقافة، فقد كنا نأمل ان تكون هناك مؤسسات تهتم بالبنية التحتية لكنها قليلة بالقياس مما حدث، لكن العراق كان بحاجة الى فك العزلة الثقافية عنه وهذا الحصار المقصود الموجود لدى عدد من الدول العربية فمنحت هذه الفرصة الثقافة العراقية ان تلتقي مع الثقافة العربية على مستويات عدة وظهرت حركة ثقافية واصدار كتب، وحتى في (جمعية الثقافة للجميع) اصدرنا كتاب (انطلوجيا الشعر العراقي من 1981 الى 2010) باللغتين العربية والانكليزية.

* هل ترى ان المهرجان حقق طموح المثقفين العراقيين؟
- المثقف العراقي له طموحات اخرى، فهو والثقافة العراقية بحاجة الى عمل ستراتيجي يتمثل في موضوع القراءة، فهناك عزوف عن القراءة،هناك فقر كبير في المكتبة، هناك مشكلة كبيرة على مستوى المدرسة والمعهد والجامعة، فالثقافة مع الاسف متراجعة، وليست هنالك نشاطات ثقافية منظمة طوال السنة.

* بعد عشر سنوات لك في بغداد ومع جمعية الثقافة للجميع، هل تحققت طموحاتك؟
- الجمعية بدأت نشاطاتها مطلع عام 2004 وواصلت لانها اعتمدت منذ البداية على المهنية وان لا تكون صوتا لاحد، لا لحزب ولا لجماعة ولا للحكومة ولا للطائفة، وانما هي صوت يدخل الى حياة الناس وعمقها وبالذات الفقراء والمهمشين والشباب والاطفال والمرأة العراقية ونزعم كما لدينا الوثائق اننا توصلنا الى فائدة اكثر من نصف مليون مواطن عراقي وكانت لدينا ستة مراكز مهمة في النصيحة والارشاد في العديد من المناطق الفقيرة والشعبية على اختلاف امكنتها في الكرخ والرصافة،وشاهدنا اقبالا كبيرا على السؤال والثقافة الصحية والمدرسية والتعليم ويبدو اننا استطعنا الى حد كبير ان ننقل الناس من حالة الشعور بالهامشية والعزلة بعد سنين طويلة من الخوف والقمع والاستبداد الى ان نراهم في مدرسة واجتماع وندوة ومهرجان يتحدثون ويسألون،فاستطعنا الى حد كبير ان ننزع القضايا المحرمة عليهم واشتغلنا عام 2006 على مؤتمر يحمل شعار (من اجل عراق خال من العنف والطائفية)، وهذا ما ادركناه منذ البداية بضرورة العمل، فالجمعية اشتغلت بدورات متتالية على محو الامية ومهارات الخياطة والحاسوب والاسعافات الاولية والمهارات اليدوية ومع الشباب والرياضيين واعتقد اننا نطمح الى ان نتواصل ولكن الدعم مع الاسف يكاد يكون غير موجود من الحكومة التي عليها ان تدعم المنظمات الجادة والحيوية ولكننا لم نشهد شيئا من هذا ونأمل ان نحقق المزيد في المستقبل، اصدرنا مجلة (السؤال) ودعمنا اكثر من 30 مطبوعا ادبيا ولا زلنا نتواصل مع (قاعة فؤاد التكرلي) في كل خميس كما اننا قبل شهرين نظمنا المهرجان الرابع للشعراء الشباب في مدينة العمارة وحظي باعجاب الشعراء الشباب على مستوى العراق كله،لدينا طموح كبير ان ننشر ثقافة المواطنة والسؤال والنقدية والانتماء للعراق.

*لماذا لم تحاول مد جسور مع وزارة الثقافة؟
- لدينا علاقات طيبة معها وعلى وجه التحديد مع دائرة العلاقات الثقافية العامة ولكن لهم انشغالات كثيرة وكنا نتمنى ان يكون العمل اكثر بعدا وتواصلا ولدينا مشاريع ثقافية على مستوى الفكر والرواية والقصة والمسرح ولكننا نصطدم بعقبات منها الوضع المالي.

* هل من كلمة اخيرة؟
- أود ان اقول اننا بحاجة ماسة الى عمل ثقافي وفكري وتواصل مع كل القوى المدنية وخاصة التي تستعد لخوض الانتخابات المقبلة، فالعراق لا يمكن ان يتقدم ولو خطوة واحدة ان لم يكن هناك نشاط ثقافي وفعالية ثقافية وستراتيجية ثقافية، نحن في ازمات متتالية كثيرة على كل المستويات، لذلك على الحكومة المقبلة ان تكون حكومة تعددية لا حكومة المجموعات او المكونات او المحاصصات التي مرت بالعراق، العراق لا بد ان يعتمد على كفاءاته الثقافية والعلمية وعلى طاقاته الشابة وان يمنحها هذه الحرية وبخاصة مسألة النقابات والمنظمات واطلاق الحريات الاعلامية والثقافية وان يكون بلدا حرا لا تخوض فيه القوى المسلحة والميليشيات المدربة انما العراق لا بد ان يعود الى امتداده التاريخي والثقافي والمعرفي.