مؤخرا ذاع صيت جزيرة ليسبوس أو ليزفوس حسب طريقة النطق اليونانية حين اصبحت أرضها موطئا لألوف المهاجرين العابرين لبحر ايجة من سوريين وعراقيين وجنسيات اخرى. وبغض النظر عن شهرتها كجزيرة سياحية عرفت بعراقة آثارها من معابد وأديرة وكنائس، ومنتوجها الغزير من زيت الزيتون بحكم وجود ما يربو على إحدى عشرة& مليون شجرة اضافة الى اعتماد اقتصادها على صيد الأسماك وصناعة الصابون وانتاج عرق (الأوزو ) نبيذ اليونان الشعبي، فأن لهذه الجزيرة تاريخا ثقافيا عريقا امتزجت جذوره بالاساطير الاغريقية على وجه الخصوص إذ ورد ذكرها في الياذة هوميروس باعتبارها جزء من مملكة بريام الطروادية مثلما امتزجت بملامح من الحضارتين البيزنطية والعثمانية، كل حسب درجة تأثيره، إلا انها استطاعت المحافظة على جذورها الاغريقية رغم الاحتلالين ورغم قربها الجغرافي من الساحل الأناضولي ( أقل من خمسة اميال ) عبر مئات السنين.&
&لهذه الجزيرة عمق آخر يتمثل في المشهد المعرفي الثقافي الذي عرفت به منذ آلاف السنين فهو مشهد ثرّ ومنوع فقد انجبت رموزا ثقافية في شتى اصناف المعرفة.&ليس من الغريب ان نجد ان مفردة (لزبيان ــ lesbian ) المشتقة من اسم الجزيرة& Lesbosتعني في القاموس السايكوــ ايروتيكي ( السحاقية ) استقاءً من حياة واشعار ابنة الجزيرة الشاعرة الاغريقية سافو أو صافو، كما تنطق أحيانا والتي أشيع عنها ميولها الشاذة تجاه بنات جنسها من الإناث. والواقع ان مدينة ( ايريسوس ) الواقعة على ارض الجزيرة، غالبا ما عدّت مزارا للسائحات ذوات الميول الجنسية الشاذة. ففي 2008 خسرت مجموعة من سكان الجزيرة دعوى قضائية ضد السائحات السحاقيات وكانت حجتهم ان تلك الإقامة تؤثر على سمعة الجزيرة.
&& لقد& انجبت ليسبوس عددا كبيرا من الأدباء والفنانين المشهورين تتقدمهم تاريخيا الشاعرة الشهيرة سافو التي أجملت مكتبة الاسكندرية أعمالها الشعرية بتسعة دواوين ضمت مقاطع شعرية متفرقة الأغراض وستانزات موزونة :
" قد يغمركم النسيان إنما
&دعوني أخبركم
بهذا : ثمة امرؤ ما
في غدٍ ما قادم
سيتذكرنا "
يلخص الناقد الانكليزي ريتشارد كامبِل خصائص أشعار سافو بالمقطع التالي : " في قصائد الحب التي كتبتها يمكن ملاحظة ان صورها المشهدية لوحات لا تخلو من الحدة مثل استخدامها عبارات تتحدث عن العصافير التي تسحب عربة افروديت، البدر وسط سماء النجوم، والتفاح الأحمر في هام الشجر.وبقدر تعلق الموضوع باضطراب المشاعر لديها، فإن سافو تعمد الى إراقة جرعات تعبيرية باردة على أجواء القصيدة.ويبدو من الواضح، في المقام الأول، ان شواردَ نصوصها الشعرية قد جرى انتقاؤها لأغراض ذات صلة باللحن، مثلما تتضح صلة أشعارها بالأساطير الاغريقية الى الحد الذي تبدو أبياتها المموسقة كما لو كانت إعادة سرد لملاحم هوميروس عبر إلياذته الشهيرة. ان المقطع السادس عشر، مثلا، يسعى لإعطاء صورة شعرية عن هيلين معشوقة باريس فتى طروادة الأول بينما يمجد المقطع الرابع والأربعون فكرة المرح العائلي من خلال التقاط للأحداث التي توجت باقتران هكتور الطروادي بأندروماخ ".
& وعدا سافو فإن ليسبوس أنجبت عددا ممن اشتهروا عبر التاريخ في شتى حقول الابداع مثل ( ترباندر ) الشاعر الذي عاصر سافو، و( أرسطو 384ــ 322) قبل الميلاد& والعالم النباتي والفيلسوف ( ثيوفاراستوس 370 ــ 285 ق. م )، كما اشتهر الشاعر كرستوفر ( القرن الحادي عشر الميلادي ) والرسام ( جيورجيوس جاكوبايدس 1853ــ1932)والشاعر (اوديسو ايليتيس 1911ــ 1996) الذي نال جائزة نوبل في الأدب& عام 1979، وفنان الجرافيك والجداريات اليكس مارتنيز وآخرون&
يظل تاريخ الجزيرة حافلا بالجهود الفنية التي يمكن تتبعها في أديرتها ومعابدها وكنائسها. لقد كان ليسبوس في الاسطورة الاغريقية بمثابة الرب الحامي لجزيرة الناجين والغرقى من المهاجرين في يومنا هذا.
&