اثار انتباهي رسم كبير على احد الشوارع الداخلية في جامعة بغداد، يجسد هوة واسعة، تعطي الانطباع بفنون (الاوهام البصريةoptical art ) منفذ من قبل الطالبين: زينة علي وحسن اموري، وهذا السياق من الاشتغال الفني هو نمط شائع ومعمول عليه في الكثير من بلدان العالم، ولكننا في العراق لم نعتد على مثل هذه السياقات من الرسم، والجدير بالذكر بأن الرسم المذكور يحفى بالدقة والمهارة والاداء المتقن، الدال على رقي الرؤية، والانتباه المكرس والخبرات عالية الجودة، وبقيت صورة هذا الرسم محفوظة في ذاكرتي حتى تسنت لي فرصة اللقاء بالفنانة زينة علي والاطلاع على اغلب رسوماتها المنفذة بالألوان الزيتية و الباستيل والمائية والتخطيطات بقلم الرصاص، وازاء هذا الكم الكبير من الاعمال الفنية، تأكدت من اصالة موهبة الفنانة زينة علي.
ان مجموعة الرسومات التي اطلعت عليها تتوزع انشاءاتها التصويرية على عدة مواضيع مثل (الطبيعة والحياة الصامتة وصور الاشخاص).
& وكالعادة فأن رغبات الفنانين الموهوبين تنحصر ضمن الانتباه لقيم المواضيع الواقعية، تلك المواضيع المحاكية بشكل امين للمفردات والوحدات الصورية المتداخلة في بنى الحياة المرئية، والفنانة زينة علي تأخذها العزة برسم الاشكال المطابقة للأصل على نحو لافت للانتباه ومثير للأعجاب، فكيف يكون ذلك؟
يقال: عن الرسم الواقعي، بأنه الفن الذي يقبل التصديق، بمعنى انه الفن المشيد على اسس دراسة المنظور، البعيد والقريب، ومساقط الضياء وانكسارات الظلال وتحقيق اعلى قدر من المشابهة مع النموذج الاصلي ولكن مصطلح الفن الواقعي يتم تعريفه بالاستناد الى المنهج المتبع، فلو اننا احصينا تفريعات هذا المصطلح (الواقعية) فسنجدها كثيرة &وتعرف تبعا للموقف الفكري والرؤى المصاحبة له، وهنا نذكر بمجموعة من مصطلحات الفنون الواقعية ومنها: الواقعية الاشتراكية والواقعية الانتقادية والواقعية السحرية والواقعية الفوتوغرافية وواقعية الجوهر والواقعية الانتقائية والكثير من المسميات الاخرى ولكن المشتركات بين كل هذه المناهج تكمن في كونها تسمي الرسم رسما، بدون اي مغامرات او تخطيات في استثمار طاقة الالوان والمذيبات وسطوح اللوحات، ولا مجال لتخطي قيم الاشكال المألوفة والتأكيد بالدرجة الاساس على استظهار القيم التعبيرية المفعمة بالأثارة البصرية، وعندما ترسم زينة علي موضوعا معينا فأنها لا ترسمه الا بعد أن تتفاعل مع الموضوع وتتأثر به من جوانبه المضمونية واللونية، وربما العاطفية ايضا، وعلى هذا الاساس فأنها تجري حوارا خاصا مع الملمح الذي تروم رسمه، وبذا فأن دوافع الحب للرسم تكون محمولة بالعاطفة الحرى، انئذ تجسد لوحتها باناقة وهدوء لتعبرعما يجيش في خاطرها من افكار واخيلة واحاسيس.
في بعض الاحيان يمكن للنقد الفني، ان يقدم كشوفات خاصة عن بعض الحالات والظواهر الفنية، ليس من باب التهويل، او المبالغة أو الادعاء، وانما تماس مع حقائق الوجود الفني المفعم بالحيوية والنشاط، لاسيما اذا كان النقد الفني متابعا ومستقصيا بشكل امين، وازاء رسومات زينة علي، فأنا لا اقف منبهرا أو معجبا ولا ابتغي التبشير بمستواها الفني المميز ولا أنوي اضافة صفحة جديدة لسفر فنون الرسم في العراق، ولكني افكر بالسبل التي تكفل استحقاقات المواهب الجديدة التي تظهر بين حين واخر لاسيما في الفنون النسوية المتقدمة.
ان الفنانة زينة علي تحث خطاها الواثقة من أجل انماء وترصين مواهبها في مجالي الرسم ومزاولة بعض الفنون التطبيقية والحرفية واعتقد بأنها قادرة على صوغ الاشكال وضخ اعلى قدر من طاقة &المواضيع المهذبة التي تنسجم مع ما يجول في افكارها وهواجسها واهواءها ورغائبها، فالرسم حتى وان بدا نمطيا او تقليديا او معمولا عليه على وفق سياقات &التجارب البصرية المعتادة، فأنه حتما يعبر عن خصائص رؤيتها وتطلعها، وان الكيفيات التي تشتغل بموجبها لا تخرج عن كونها حالات من المناغمة والترديد للصور التي تتفاعل وتتعاطف معها، وصناعة اللوحة عندها تلزم ضبطا واتقانا حرفيا يكشف عن براعة الفنانة وقدراتها الفريدة في مجالي التلوين والتخطيط لدرجة انها تستطيع الرسم بطريقة متحدية بصريا، ومسوغا بقدرات ادائية مثيرة للأعجاب، ولان الفنانة زينة علي تشق طريق وصولها الى عالم الفن، فثمة ممكنات فنية تسمح لها بأعادة ابتكار ذاتها الابداعية بطريقة خلاقة، ومختلفة عن اقرانها من الفنانين الشبان، ولأنها دأبت على الرسم اليومي بلا انقطاع فأنها ستضع خارطة لطريق وصولها الى المستويات المتقدمة في مجال الرسم الواقعي.
ان ملغزات الكتابة النقدية المعنية بالتجارب الواعدة، هي من اصعب انواع الكتابة ولكنها بالوقت نفسه من أهم المواضيع النقدية لأنها مسوغة بحالة استشرافية،تسمح &بتقصي الغد بعيون متطلعة، ولولا أن الفنانة زينة علي ابتدأت مشوار تجربتها في مجال الرسم الواقعي بمؤهلات الوعي بالفنون وجمالياتها، لما تمكنا من الخوض مع رسوماتها على هذا النحو من الكتابة فالمستوى الادائي المتقن ورؤيتها الفلسفية للرسم تعبر وبشكل أكيد عن حريتها وصدقها مع ذاتها والرسم بهذه الحالة هو انعكاس حتمي لما يؤثر في ذات الفنانة ويفعلها بطريقة سحرية واخاذة.
&