يواصل الشاعر المترجم المصريّ محمد عيد إبراهيم أبرز رواد جيل السبعينيات الشعريّ في مصر عطاءه في مجال الشعر والترجمة، حيث أصدر خلال الأيام القليلة الماضية ديوانا شعريا جديدا بعنوان "مجنون الصنم" ليصبح رصيده ثلاثة عشر ديواناً عبر مسيرة تمتد منذ سبعينيات القرن الماضي، وثلاث ترجمات تضاف إلى ما يقرب من سبعين كتاباً مترجماً في كافة مجالات المعرفة: شعرية ونقدية وروائية ومسرحية وغيرها. والأعمال الجديدة هي رواية لويس أراجون "متاع إيرين"،و رواية هاروكي موراكامي "جنوب الحدود غرب الشمس"، وديوان "ليلي عريي" للفيلسوف الفرنسيّ جورج باتاي، وجميعها صدر عن دار ألف ليلة التي تسعى إلى إصدار أعمال طليعية في منشوراتها، تعبّر عن زمانها، حيث يقوم عليها الروائيّ عبد النبيّ فرج، في محاولة لتنوير هذا المجال ضمن الحالة المصرية الحالية.

مجنون الصنم
يأتي "مجنون الصنم" في 125 صفحة، وهو الديوان الثالث عشر في مسار حياة محمد عيد إبراهيم الشعرية، التي كان آخرها ديوان "عيد النساج" وكان بمثابة سيرة شعرية في نمط قصيدة النثر. وقد ضمّ أربعة أقسام "مذكرات لا أحد/ مجنون الصنم/ بلادي لستِ بلادي/ أكلمكم من القبر" بالإضافة إلى مفتتح وخاتمة. ويشكل حالات جمالية مختلفة ومتنوعة لكن ضمن إطار فنيّ واحد يسعى إلى تقديم رؤية مختلفة لعالم قصيدة النثر بأنماطه المختلفة. كما تتنوع القصائد ما بين قصائد طويلة تشمل عدة صفحات وقصائد قصيرة قد يصل بعضها إلى سطر أو سطرين أو أكثر قليلاً.&
ومن أجواء الديوان الذي غلافه الشاعر والفنان السوريّ منذر مصريّ، نقتطف ما يلي:&
(مرآةٌ تزِنُ قليلاً خُطوتي، إلى البابِ
قِطٌّ صغيرٌ مُعلّق،&
وشَعبٌ من الطينِ… أينَ يطيرُ؟
.
يأخذ يدي شيءٌ؛&
في جَبيني كنقطةِ دمٍ، كالزفرةِ الأخيرةِ،&
حولي صَرَخاتُ بومٍ&
تقطعُها فتراتُ صمتٍ،&
بكاءٌ، شايٌ، وردةٌ كالحَمَلِ، ثمةَ فارغ رَصاصٍ، وبخارٌ…&
.
ضِفدَعٌ (فجأةً) يتجَشّأُ ـ&
.
… كيفَ أقطعُ تذاكرَ
إلى بقيةِ حياتي!).

"ليلي عريي" للفيلسوف الفرنسيّ جورج باتاي
يضم ديوان "ليلي عريي" الأعمال الشعرية للفيلسوف الفرنسيّ جورج باتاي، والتي تمثل ما تم العثور عليه من قصائد باتاي، بالإضافة إلى سيرة ذاتية فلسفية كتبها المؤلف لنفسه، غير مقالة أيضاً فلسفية عن رؤية جورج باتاي للشعر.&
ويعدّ شِعر جورج باتاي شِعرُ فيلسوف. فثمة موضوعات محدّدة: الرحابة، المستحيل، العدم، الرغبة، الفراغ ـ والتي نظلّ نحصدها في كلّ قصيدة تقريباً، ومع أنها معروفة ضمن سياق نصوصه الفلسفية، لكنها تتّخذ هنا شكلاً مختلفاً في الشِعر حيث نطاق الإيروسية هو نطاق العنف، نطاق الانتهاك، انتهاك يحدّه الموت، يحدّه القتل، وزُبدة الإيروسية أنها تصدمُ الجوهرَ الداخليّ للكائن الحيّ، فيقف القلبُ ساكناً. &يقول: (كلّنا نحسّ بماهية الشِعر… فالشِعر يقودنا إلى المكان نفسه، كأشكال الإيروسية كافّة ـ إلى المزيج الذي تنصهر به الموضوعات المنفصلة. يقودنا إلى الأبدية، يقودنا إلى الموت، وعبر الموت إلى التواصلية. الشعر هو الأبدية؛ الشمس التي تتواءم مع البحر".&
ومن أجواء الديوان، الذي صمّم غلافه الفنان الجزائريّ زبير فارس، نقتطف ما يلي:&
"أنتِ رعبٌ من الليلِ
حبي لكِ كصَيحةِ الموتِ&
واهِنةٌ أنتِ كالموتِ،&
حبّي لكِ بَطحَةُ الحُمّى
تعلمينَ رأسي يموتُ
أنتِ واسِعةٌ كالخوفِ،&
أنتِ جميلةٌ كالقتلِ&
فينبَسطُ قلبي شَنيعاً أختنقُ&
بطنُكِ حاسِرٌ كالليلِ. &
تُرشِدينني للهلاكِ من فَوركِ &
سَكراتُ الموتِ قد وَقَعَت
لم يعُد عندي مَزِيدٌ لأحكي
أُكلّمكِ مِن بينِ مَوتَى
ولا يتكلّمُ الموتَى".&
&
رواية لويس أراجون "متاع إيرين"
الأثر السورياليّ الخالد رواية (متاع إيرين)، للشاعر الفرنسيّ لويس أراجون، صدرت طبعتها الأولى عام 1928، وتدور حول رجل شابّ محبَط ومعوز، يُشفَى من علاقة غرامية كارثية، فيمضي لزيارة ماخور في بلدة قروية موحِشة في شرقيّ فرنسا، لكنه، خشية أن يُراقَب، ينسحب إلى غرفته وذكرياته وخيالاته. والرواية عبارة عن شخوص تعيش في قرية بعيدة تعبّر بمونولوج صامت تقريباً عن عالم مليء بالصخب والعنف والألم، عن الدنس والتسامي، عن الحقيقة والخيال والمرأة في كافة حالاتها، وما تستبطنه من آلام وأفراح، خاصة نانسي، بطلة الكتاب الخفية، التي يدور الكثير على لسانها. &
ومن أجواء الرواية التي صمّم غلافها الشاعر السوريّ منذر مصريّ، نقتطف ما يلي:&
"حين تُضيّعُ أوراقُ الأشجارِ على جباهِ الغاباتِ صُرّتَها الخضراءَ، حين تنسَى سويقةُ النبات أخيراً دورةَ النّسغِ، وتلك اليد التي بشّرَت الريحَ بالصباحِ من جديدٍ تنضمّ شَحيحاً على الذهبِ المُستلّ من أوراقِ الشجرِ الجافّةِ السّنيّةِ نهاراً، متجهّزةً للركضِ أرضاً في سِتر الغبارِ، متّخذةً نظرةً أخيرةً مريرةً من دونِ أسىً على كَونٍ لا خُضرةَ فيه. هيكلٌ عظميّ من الأوردةِ يلوّحُ بحِكمتكَ وهي لا تزال مُقنّعةً بحُمرةِ شفاهِ الخريف. كيف تنفي حياةٌ ذاتَها؟ تنسلّ السنواتُ، فتغادرُ المرءَ، بعدَ جولاتٍ وتحوّلاتٍ عديدة، تماثلهُ على نحوٍ جازم، لأجلِ تشبيهٍ معنويٍّ دقيق، بظرفٍ ناتج عن تذكُّرهِ. أيصحُّ أن يحبّ المرءُ مرةً واحدةً في حياتهِ؟ لقد صادفتُ أفراداً يظنّون ذلك. كما آمنتُ به أحياناً. وإني لأعارضُ الآنَ بعنفٍ هذا المفهومَ غيرَ الإنسانيّ. فلا يزالُ الحبّ مَجيداً لي بدرجةٍ كافية. ويظلّ هكذا طالما أني أُحبّ. فماذا يجعلُ الأشياءَ تستَسلمُ؟ ماذا يجعلُ المرءَ يُقلعُ نهائياً عن كلّ شيءٍ، ويظلّ بخيرٍ أيضاً".&
&
رواية هاروكي موراكامي "جنوب الحدود غرب الشمس"
هذه هي الطبعة الثانية من رواية "جنوب الحدود غرب الشمس"، للكاتب الياباني الكبير (هاروكي موراكامي)، وتدور الرواية حول حياة شخص وحيد يقوم في حياته بعدة غراميات قد يسيء فيها إلى غيره، من غير قصد، ولا يعرف قارئ هاروكي موراكامي إلى أين قد تمضي به الرواية، فهو يحكي قصة كالحلم، لكن براعته تتمثّل في أنه حلم وقع لنا لا مجرّد حلم في كتاب. وما من سبيل لتعرف أين يبدأ الواقع، وأين ينتهي الحلم، فالمشاهد الروائية أقرب إلى حال الهلوسة مع أن لها منطقها الخياليّ المحض الذي يتمتّع بكثافته الإبداعية الملموسة. إنها رحلة مفعمة بالمخاطر، كالسقوط في بئر. &&
ومن أجواء الرواية، التي صمّم غلافها الروائي عبد النبيّ فرج، نقتطف ما يلي:&
"والفجر يدنو، تخلّيتُ عن محاولة النوم. أرقُب السماء وهي تشعّ بالنور كلّ دقيقة. من طرف السماء تبدّى خطّ أزرق، وبدأ ينتشر كحِبرٍ أزرق على صفحةِ ورق، يعبر الأفق بطيئاً. لو جمّعتَ ظلالَ أزرق العالم، وانتقيتَ أكثرها زُرقة، خُلاصةَ الأزرق، فسيكون هذا اللون هو ما تختاره. حين أعلنَت الشمسُ عن نفسها عبر الأفق، استوعبَ نورها المعهودُ هذا الأزرق. سحابة وحيدة تطفو على المقبرة، سحابة بيضاء رائقة، بحوافّ محدّدة. سحابة مرسومة بشكل قاطع، حتى ليمكنكَ أن تكتب عليها. يوم جديد قد بدأ. لكن ماذا سيجلب هذا اليوم، من يدري". &
&