ترجمة :حسّونة المصباحي

1:البرتو جياكوموتي

&

غَسيل مَنْشور، غسيل جسد وغسيل منزل، مشدود بملاقط يتدلّى من حبل. صاحبه اللامبالي يتركه إراديا ليمضي الليلة في الخارج. ندى أبيض دقيق ينتشر على الأحجار وعلى الاعشاب. ورغم الوعد بالحرارة، لم يكن الريف ليجرؤ بعد على على البقبقة والهذيان. جمال الصباح، بين الحقول الخالية، كان شاملا، إذ أنّ الفلاحين لم يفتحوا بعد أبوابهم ذوي الأقفال الواسعة والمفاتيح الكبيرة، لكي يوقظوا الأسطل، والأدوات. المدجنة تحتجّ. زوجان ليجاكوموتي يغادران الدرب القريب، ويظهران في الفناء. عاريان أو لا. ضامران وشفّافان، مثل زجاجيّات الكنائس المحروقة، رشيقان مثل أنْقاض تألّمت كثيرا وهي تفقد وزنها ودمائها القديمة. مع ذلك متعاظمان بالقرار بطريقة أولئك الذين آنطلقوا من دون أنْ يرجفوا تحت النور المُتعذّر تخفيضه لنبت الحراج والنكبات. هؤلاء المغرمون بأزهار الدفلى توقفوا أمام شجرة المزارع، وآستنشقوا طويلا عطرها. الغسيل على الحبل آرتجف فزعا. كلب غبيّ فرّ من دون أن ينبح. الرجل لامس بطن المراة التي تبسمت بحنوّ. لكن وحده ماء البئر العميقة، تحت سقفه الذي من الغرانيت آبتهج بهذه الحركة إذ أنّه حَدَسَ مَعْناها البعيد. داخل البيت، في غرفة الأصدقاء الريفية. كان العظيم جياكوموتي ينام.
&

2:انطونان ارطو

&

ليس لي صوت لكي أمدحك، أيها الأخ الكبير.&
وإذا ما أنا آنحنيت على جسدك الذي سيبدّده الضوء، فإنّ ضحكك سوف يُطوّح به بعيدا.&
القلب بيننا خلال ما نسمّيه خلافا للأصول، عاصغة مطرية جميلة،&
يسقط كثيرا من المرات،&
يقتل، يحفر، ويحرق،&
ثم يولد في ما بعد في لطافة الفطْر.
أنت لست بحاجة إلى جدار من الكلمات لكي تُعْلي من شأن حقيقتك،&
ولا لحلزونيات البحر لكي تَدْهن عمقك،
ولا لتلك اليد المحمومة التي تحيط بمفصل يدك،&
وبخفّة تأخذك لكي تَعْضُد غابة
تكون أحشاؤنا هي الفأس.&
يكون كافيا. عُدْ الى البركان.
أمّا نحن،&
إن بكينا، وإن تحمّلنا أن نكون بديلا لك سائلين تلك السنبلة من الديناميت التي ولا حبة منها تنفصل:"من هو ارطو؟"
بالنسبة لنا نحن، لا شيء تغير،&
لا شيء، سوى هذا الوهم الحيّ من جهنم الذي ينصرف عن كربنا.
&

-3:عند وفاة بول ايلوار

&

لماذا تسألونني "الآان" عن بول ايلوار؟ أخيرا سيتمكن من أن يقيم مسافة بالكلمة وحدها مع إخوته الطيبين في كل الأمكنة، وحركيته، وسباقه المجيد الذي خلاله كان شاعرا نادرا ورائعا، بدأ للتو منذ هذا الصباح في الساعة التاسعة. لم يعد بآستطاعتنا نحن أن نقدّم له شيئا، أمّا هو فلا يزال بإمكانه أن يقدم لنا الكثير. غير أنه لا يستطيع أن يفعل شيئا ضدّ الالهة الحرة والعائدة لمهده والوجه الملتهب لحبه.
على مدى عشرات السنين كنا نلتقي يوميّا تقريبا بنفس البهجة، وبنفس التلهف. ثم توقفنا عن الإلتقاء؟ وكنّا نتبادل كتبا بشيء زهيد، مثل توأمين مصدوعين، ،غير أنّ كلّ واحد منهما يظهر الودّ للآخر، ويعرفان ويتواصلان بهدوء ….بؤس!
&
&
-4:شارل كروس
إنها لغبطة أن يضع الإنسان يده في يد هذا الرفيق النبيه، رفيق زمن الأفول، هذا الذي ينزل المنحدرات الوهمية التي ينتظركم عند أسفلها على شفاه حب لم يدندن القصيد المنقطع للبطولة الحزينة. نزاهة كروس، الكلمة التي تنزع الى التعبير عنها، تعطّر حوافّ المخالب السواداء التي مزّقت رامبو. يحدث أن يظهر سجن منتصف الليل بدمعة من الدم على الأسمر الذهبي لتلك النظرة التي نتمنى أن نحتفظ بها لوقت طويل في نظرتنا لكي نكتشف أننا مُلْهَمون من دون ان نكون غرّيين، وناقصين للخبرة. كروس، هو مزلقة الحنان المقسّمة على جُنْجُل السور حيث وَضْعُنا، في أفضل أيامه، يسمح لنا بأن نصل، هناك فقط، وبنصف جسم، نصف أزرق، الى الجزء الآخر القاتل.
&

-5:في عام 1871

&

في عام 1871، آنبثق ارتور رامبو من عالم يحتضر، ولم يكن يعرف أنّه يحتضر وكان يخادع، ذلك أنه كان يصرّ على أن يزيّن أفوله بألوان فجر العصر الذهبي. وكان التقدم المادي قد بدأ يعمل عمله مثل الضباب، ومثل ذلك المعين للمنجنيق الفظيع الذي سوف يقوم بعد مرور أربعين عاما على ذلك، بتدمير الصّروح المكتبرة للحضارة الغربية.
الرومانسية كانت قد غفت وراحت تحلم بصوت عال: بودلير، بودلير الكامل، كان قد رحل للتوّ، بعد أن تأوّه من وجع حقيقي. وكان نرفال قد آنتحر. وكان آسم هولدرلين مجهولا. وكان نيتشه يهيئ نفسه لكن كان عليه أن يعود كلّ يوم مممزقا أكثر من ذي قبل من عمليات صعوده المتسامية (أما هوغو،منظف المداخن، مُنْتَشيا بالعبقرية كما بالدخان، فسيكون غدا كتلة باردة مثل كوكب من السّخام). فجأة صرخات الأرض، لون السماء، خط الخطوات، وكل هذا تغيّر، في حين أنّ الأمم تنفخ بشكل متناقض، والمحيطات يمخرها الرجال-القروش الذين تنبأ بهم الماركيز دو ساد، وكان لوترايمون قد شرع في وصفهم.
آبن" شارلفيل" توجّه راجلا الى باريس. معاصرا ل"الكمونة"، ومع عمليات ثأر مماثلة، أحدث ثقوبا هنا وهناك مثل رصاصة في الأفق الشعري وفي الحساسية. هو يرى، ،ويروي، ويختفي بعد أربع سنوات من الوجود في ذراع "بيتي" التي ليست غير "المونوتور". إلاّ أنه لم يفعل سوى تنويع وتشكيل الذهنيّ متنازلا عن آستعمال الكلام، ومقايضا إعصار عبقريته بطريق الربّ المخلوع.
لا شيء نقص عند رامبو، ومحتمل أنه لم ينقص أي شيء. وحتى القطرة الأخيرة من الدم المغنّى بصوت مرتفع، وحتى ملح الإشراقة والجلال.
&
&

6:أسرار خطاف

باول كلي

&

معماريّ الضوء يعرف أنّ مقاطعته الزرقاء من البلور.
كان هناك عند سفح جبل يُغَنّى أحيانا، مصنع للكبريت. الأشجار التي حوله تقلّصت. الأرض الساكنة مرّت الى الصحراء. الحياة التي تحقّق أحيانا، تعتبر ذلك مفيدا، وتشجعه.
الإشارات التي تجتاز الأبواب لا تلتقي إلاّ بأيدي عشاق، إشارات بالكاد تكون مختلفة.
وإذا ما القلب أظهر كلّ اندفاعه، فإن الشمس ستتكسّر الى الأبد. لا خاتمة مبالغا فيها تشهد من دون أن تكون قد حدثت.
المتماثل للشفاء ينطلق من علم الاخلاق الذي يتقيّح، والقمر يشذب حدائق ثلاثا.
عَسَل الليل يفنى ببطء. الماضي يقترب في ألاعيب تتلامع فيه لامبالاته. هدايا الشبح في رأس السنة من دون كلمات ستكون مذهبة.
أنت تسكت وتمضي في أسفل الصفحة حيث باول كلي، معطلا أنك موجود، يكتشف اتجاهك.
&

7:مديح صخريّ لخوان ميرو.

&

حتى موقف الابدال في "التاميرا"،
فارّا من العاب طيران بهلوانيّة،
متأكّدا من القليل بشكل جدير بالذكر.
نحن نحبه كما جاءنا على حماره الصغير، حمار "أورفيوس".
أرق الصداقة الجميل
أنت تضيء رسمه.
&

8:فرانسيس بيكابيا

&

على الساحل اللازورديّ حيث لم يكن يأتي أحد (وحدها النوارس وثيابي كانت تنظرُ من فوق الى البحر وهو ينفجر)، آلتقيت بفرانسيس بيكابيا. كان شبيها بصانع سكاكين مندفع، بجماعته التي كانت ترسل بروقا.
&
9:سيسكا غريي.
تعرفت في شتاء 1941، شتاء الطبيعة الحميمة والرجل المطارد، في بيت في "الب البروفانس"، على امرأة شابة كانت تُوزّع وقتها بين تقديم المساعدة الصعبة للمقاومين، وبين حمّالة هشّة كان يروق لها أن تضع عليها لوحات كانت ترسمها بحب، ودقة، وصبر. وكلانا تعلق، دون أن أبالغ في القول، بذلك الغسول فاتح اللون، الذي كان يرغي ويسيل أمام أعيننا ثم يطير الى لوحة فنية.
أعتقد أنّ الوقت حان لكي أشكر سيسكا غريي على كل واحدة من فضيلتبها. الأولى لا تخصّ سوى أنا وهي، أما الثانية فلا بد من نشرها وآقتراحها على آخرين. ألا يحتاج الفن لكي يتحول، الى ريق الشجرة المثمرة؟الفن الذي يحلم في البساتين حيث الأزهار والثمارعلى صواب مع بعضهما البعض؟ حيث الموت لا يكون أبدا غير عينين تقصّر أعيننا؟
&