كان لدى القصاصين الكبار قدرة عجيبة لتحديد مضامين أفكارهم عن طريق شحنات لا إرادية في أسلوب تناولهم لشخصيات قصصهم، الأصالة والتمييز كانا عاملان رئيسيان يميزان أعمالهم التي ظلت في ذاكرتنا حتى الآن.&
" اعترافات صالح بن حمدان " للكاتب صالح مطروح السعيدي، قصص من تلك التي قصدتها بدايةً، فهي أشبه قطع سيراميكية متوهجة تَعلقُ في الذاكرة مع أول مُفتتحها حتى آخرها، كتبها – اثنا عشر قصة قصيرة – بتواريخ وأماكن شتى تناول من خلالها شخصيات مؤثرة لعبت المرأة حيزاً كبيراً منها خاصة في " احتمال بعيد "، " إشارة الخلاص "، " نداء الماء "، و كالرجل في " تحت ظلال الموت "، " فوق المنصة "، " اعترافات صالح بن حمدان "، أو كلاهما في بقية القصص، ففي قصته الأخيرة هذه التي منحها شرف عنوان مجموعته القصصية التي بأيدينا سنكتشف من خلالها لغة سلسة، بسيطة وعميقة، مدهشة، فيها تحدي واستلهام عجيب في كل مفرداتها ولأن باقي قصصه تشكلت بذات الهمة التي جاء بها في هذه القصة التي ستكون ضمن قراءتنا التأملية بدءاً من " الوصفي "، " الديالوج " حتى " صراع الشخصيات " وما ينطوي عليه ذلك من " تأزم "، " جدل " وتغذية للأحداث .
يقول ويليام بويد، الروائي والقاص الأسكتلندي :
" يبدو أن القصص القصيرة تجيب عن شيء عميق للغاية في طبيعتنا طوال مدة روايتها ". الذي قصده بويد يمكن قراءته هنا :
" ألم ناغز تفجر سارياً بالجسد الذي تحرك بصعوبة متململاً فوق فراش قطني وقد احتواه الخوف الذي ارتسم أمامه واقعاً جديداً لم يألف رؤيته من قبل "، " قال الرجل.. مضيفه الجالس جنبه لاصقاً ظهره إلى الجدار :
- لا تخف أنت ضيفي "، " ستشرب معي، ابتسم الفتى وهو يهز رأسه هزات قصيرة مترددة وهو يتساءل :
- لكن الليل لم يحن بعد ؟
- لكل وقت طقسه الخاص وللأيام الماطرة طقوس أخرى وهذا اليوم واحد منها سوف نشرب به نخب تعارفنا ".
هكذا تمضي القصة بحواراتها لتُنبي عن أحداث ووقائع واعترافات رجال ونساء وأماكن اختلطت بهم مآسي الحياة فكانوا شهوداً عليها، يكتب السعيدي كل ذلك بشكل جميل ومفرط عن الجنس والموت والشهوة والعار، الغيرة وإهانات الجسد، والاستعراض الكامل للحماقة البشرية، فقراءة قصصه اكتشاف بحد ذاته للغة جديدة خارج أسوارها القديمة، وكل جملة من جملها تنقلنا مباشرة إلى قلب مادتها، وواحدة من نقاط قوة السعيدي هي تخيل مستقبل مشابه بما يكفي لعالمنا ليبدو معقولاً، ولكنه مختلف بما فيه الكفاية لكي يدرك القارئ عواقب بعض الأقدار التي يغازلها عالمنا الحالي، تلك المقولات جسدتها شخصية حميد حسن حمدي مُضّيف الشاب الذي لجأ إليه والذي لا يفتأ يحكي له قصته الحزينة وهو يعب من الشراب :
" في سنة من تلك السنوات البعيدة التي بقيت عالقة في الذاكرة لأنها تمتلك مواصفات وخصوصيات بقائها حدث شيء غيّرَ مجرى حياتي، فمن ستر أحد البيوت لمحت طيفاً جميلاً لقوام ممشوق وعلى وتيرة متسارعة، مثل تلك الصور التي نقرأها في الأساطير نما الحب بقلبينا آسراً أخاذاً قوياً عنيداً، نما وكبر دون عوائق غادرت قريتها الجميلة تاركاً قلبي يمرح معها في الحقول المنبسطة بثوبها الأخضر الشفاف يعدو خلفها متعثراً بالسواقي والأجمات "، هكذا يمضي حميد حسن حمدي في سرد حكايته التي توجها بالزواج ممن سلبت عقله " ثمينة "، لكنه يواجه نداً شريراً هو " صبري عواد برناصي " الذي يحاول منع هذا الزواج من بنت عمه التي ترفضه وأهلها بسبب جرائمه العديدة، وبعد زواجها من حميد الذي ينتهي بمأساة مقتلها هي وطفلها وبيتها الذي أحرقه بكل ما فيه صبري.
الديناميكيات الكامنة وراء أحداث القصة هذه تتكشف عن ثمة جريمة، حقد، وحسد حاول السعيدي تقديمها بأسلوب السينما الواقعية وبذات السلاسة والوضوح، مع استخدامه التوصيفات الحادة والتعاطف العميق مع باقي الشخصيات والتي يعطينا فرصة لفهم قصصه الأخرى :&
" مدارات "، " إلى احمد آدم.. إلى المتنبي أولاً "، " دموع هوار "، " دم على جدران المدينة "، " قطط تأكل أصابع الجنون "، " أصابع الديناميت&"&
إعترافات صالح بن حمدان
قصص
صالح مطروح السعيدي
الاتحاد العام للأدباء والكتاب في واسط.