يختلف أدباء العراق في رؤيتهم لحلول العيد في ظل أحوال بلادهم اليوم، ويعبر شعراء بلاد ما بين النهرين عن "هلال العيد" كل بطريقته، لكن الطابع العام لحكاياتهم تظهر ألماً يكسر فرح المناسبة. 

إيلاف من بغداد: للأدباء العراقيين مع العيد.. حكايات واختلاجات، تصغر وتكبر، تفتح أبوابها للفرح أو تغلقها تماما لأن الأحزان تهجم بإرادة قوية، حتى الغناء الذي يحاولون ان يطلقوه من اعماقهم لابد ان تتجسد فيه انغام الحزن فتتطاير الكلمات وهي موشاه بالاسوداد، فمنهم من لا يريد ان يستسلم وان يبتسم بوحه العذابات والاختلافات التي تحدث في يومياته، فيما هنالك من لا ينظر الى العيد الا نظرة العابر منه الذي لا يهمه ولا يريد حتى ان يردد قول المتنبي (بأية حال عدت يا عيد) لأنه يرى ان سئم من تكرارها، بل هناك من يرى في قول الشاعر مظفر النواب مساحة اوسع للتعبير عن العيد الحقيقي ويأخذ منه فقط في قوله (عوّدتني العيد ... يعني الناس وياهم أعيّد)، فيجد ان الحزن الذي في الناس لا يترك فرصة للابتهاج الذي يمثله العيد، فالناس هنا محزونون لانهم يعتقدون ان الاوضاع في البلاد لاتسر وهي تمضي من سيء الى أسوأ!

ولا اخفي انني في استطلاعي هذا اصطدمت بعبارة (بصراحة اعتذر ..عن الاجابة عن هذا السؤال، فانا لا علاقة لي بالعيد)، فيربطه البعض بالأحداث العراقية الأليمة التي يتجرع همومها دائما، ويشدد البعض على انه لم يكتب عن العيد لا شعرا ولا قصة لان اي شيء مهم لا يستوقفه فيه، هنا.. آراء مختلفة توضح ما ذهب اليه الأدباء عن العيد وما يمثله له كانسان وكأديب.

ما أقسى أفراح الماضي على الذاكرة

فقد اكد الشاعر حسن عبد الحميد، ان العيد يختلف في اطوار العمر لكنه اطلق شجنا ردد فيه قوله ما أقسى أفراح الماضي على الذاكرة، وقال : انظر للعيد بعين ذلك الطفل الشقي، والذي لم يشقى أبداً في التفكير والتدبير بملابس العيد، كذلك اليوم الذي يسبقه والذي نسميه "عرفات" سواء أكان عيد الأضحى أو عيد الفطر... أنظر للعيد من نوافذ فرح كان يطوف بنا كما دولاب الهواء... وكثافة سحر الطيران بأرجوحة بسيطة كانت كما تلك الأيام، لا نغصة فيها و لا شراسة حريق ماكر صادر أصواتنا وفحّم أمانينا القادمات... كان العيد أيام ذلك طاقة فرح أبديّة لها بداية وليس سوى انتظار قادم لا مجال... هنا تفيض بيّ تلك الكلمات المتلألئة مثل عناقيد عنب حلو قُطفت من عرائش الجنة، تقول باختصار، ما أقسى أفراح الماضي على الذاكرة.

واضاف: أن ما يمثله العيد... سابقا كان خلاصة لعب و مرح و ( طربكُة ) غدا اليوم خيط ذكرى شاحبة، عندي أضحت عطلة وفرصة مضاعفة لقراءة رواية أو سِفر كتاب معرفي في النقد أو الفلسفة التي لم تعد " ترهم " لمثل ما نحن فيه.

وتابع: كأديب... اتحسس نبض مفردات "مظفر النوّاب " العظيم وهو يقول في العيد، ما لم يقله أحد غيره، وقبله المتنبي الأعظم شعراً كان قد شكا من قدومه متسائلاً بحسرة قاتلة، يقول النوّاب في أحدى قصائد مجموعة "للريل والحمد": (عوّدتني العيد... يعني الناس وياهم أعيّد / وكَتلي من يعتكَ جرح جرحين ... يتلاكَن وجعها: وعوّدتني السِفن من تصفح أكَبال الريح ... يتمزكَ شرعها وكتلي يا سفّان كل ضلع ينكسر من عدنا ضلعها واردت اكّلك ... و التهينا و فاكَتني ... ولكَيتك سافرت من غير رجعة)

 طفلة تتزين للعيد وتغني

اما الشاعرة سمرقند الجابري، فغنت لليلة العيد التي تجدد الامل، وقالت : لا اعترف بسفرات الزمن.. ولا بسياط اوجاع الوطن.. انا امرأة ترمي خلفها اربعين عاما.. لترى نفسها طفلة تتزين للعيد وتغني.. تصنع الحلوى .. وتكاثر اقواس القزح وتسعد من حولها.. اتحول قاطرة من ضوء وعطر وضحكات توزع القبلات على الجهات الاربع وتدور تدور على المدن والقرى وهي تغني بأعلى صوتها : (يا ليلة العيد آنستينا، وجددت الامل فينا، يا ليلة العيد.

فرصة نادرة للابتهاج

اما الاديب جلال حسن فقد اكد ان العيد فرصة نادرة للتفاؤل والسعادة واستعادة طاقة الحب نحو التآلف والانسجام، وقال: العيد فسحة فرح تدعونا الى تبديل عدساتنا والنظر الى كل جميل، بمعنى غسل تكلسات القلب وشطفها بالمحبة، وهو فرصة نادرة للتفاؤل والسعادة واستعادة طاقة الحب نحو التآلف والانسجام، هكذا وفي كل مرة تعلمنا دورة الحياة ان هناك أيام محددة في حياتنا علينا ان نعيشها بصفاء وتسامح رغم ما نراه من أشواك ومنغصات، وقد يكون من محاسن السلوك الجمعي هو الالتزام بالقيم الإنسانية كشرط مهم في كل العلاقات الاجتماعية وهذا ما يعزز قيمة المناسبات في التمسك بمعايير الخير طالما الهدف هو القيمة النافعة في شد أواصر المحبة بين الناس.

واضاف: العيد منظومة ابتهاج تتصاعد بمقدار اللمة والضحكة والانشراح والترفيه بين العوائل، وبلا أدنى شك أن العيد المرسوم في عيون الأطفال ورغبتهم في الانطلاق على مراجيح الهواء وبأثواب جديدة هو الصورة المرسومة في عيوننا يوم كنا مثلهم نحلم بشروق ذلك الصباح الجميل لكي نصعد فوق العربات ونحلق مثل الطائرات الورقية على خيط رفيع نحتاجه اليوم ليكون حبلا سميكا يعيدنا الى طفولتنا الحالمة بالوداعة والسعادة.

اكره العيد !

من جانبه اكد الاديب سلام نوري انه يكره العيد لأنه يذل الفقير، وقال: لا عيد للفقراء في ظل الضياع الى أن يلفنا التراب .

واضاف: الحقيقة.. ان أسوأ سنوات العمر هي التي نعيشها حاليا ، فلم افرح يوما لتسلط الاغبياء على مقدراتنا وماراثون الخمط لم يبق لنا من احلامنا سوى الكوابيس ولذلك لم تعد قيمة للعيد في العراق.

وتابع: مفردة العيد هجينة، فلا علاقه للعيد بوجودنا صرنا مثل الافلام الهندية في السبعينيات نتوقع الاسوأ، ولذلك لا اعايد احدا، انا هكذا منذ سنوات.

هو الآن واهن حزين

اما الاديب جاسم محمد فلحي، فأكد ان العيد حاليا واهن حزين وقال: احتفظ للعيد بالكثير من الذكريات والاماني المفقودة ..، احلام قد تاهت وأشياء تغير الروتين و لو لبعض الوقت.

واضاف : العيد.. كان يأتي ليس مثل الآن. كان بعيدا عن أشياء كثيرة. لم يكن يحفل بالكثير. من هذه الترهات كان يرتدي الأبيض من الثياب. كان يغني منذ الفجر. اغنية لقاء وحب. يزهو بخطواته.. لقاءاته.. صفاء روحه. اما الان بات هرما.. كهلا لا يقوى على الحركة، وان فعل فهو واهن حزين.

وتابع : كتبت فيما مضى عن العيد بكل جوانبه، كتبت عن كيفية انتظاره بالنسبة للغني و الفقير، كتبت عن لهفة الأطفال اليه وحسرة الآباء المعوزين وإلى ما هنالك.

العيد يوم عابر

بينما الشاعر كاظم غيلان فتمنى ان يعيد العيد نكهته التي اجتاحتها فواجع العراقيين ، وقال: العيد يوم عابر بالنسبة لي شخصيا فقد اصبح جزء من ذكريات طفولة جميلة .

واضاف: انه لا يتجاوز حدوده الطقوسية كموروث اجتماعي ديني ..اما عن اثارته بحدود الأدب فلن اتذكر حين يطل سوى عدد من القصائد التي لا تخلو من حزن مؤلفيها .

وختم بالقول : اتمنى أن يعيد نكهته التي اجتاحتها فواجع العراقيين .

العيد يعني الناس

اما الاديب حسين رشيد ، فقد ردد قصيدة للشاعر النواب :العيد يعني الناس، وقال: (عودتني العيد يعني الناس وياهم أعيد ) هذا ما قاله مظفر النواب العيد يعني الفرح والضحك واللعب والعيدية ايّام الطفولة والصبا، العيد يعني الحلوى الملونة وجمع شمل العائلة، العيد يعني السهر ليلته لكتابة رسالة الى الحبيبة ايّام المراهقة والشباب والتلصص على نساء المحلة وهن يحملن اواني (الكليچة) المعجونة بطيبة الناس ونبل النساء اللواتي يقضن ساعات بإعدادها، العيد يعني ضارب الطبل او (المسحرچي) الذي يستبق الجميع بجمع عيديته من بيوت المحلة، العيد يعني الذكريات اماسي منطقة صدور ديالى التي تكتظ بعوائل المدينة وهي تحول البساتين المحيطة الى منتجعات سياحية تزهو بالدبكات ورقص الچوابي، العيد يعني السينما وافلام الحب والغرام وصيد اللقطات الحميمية، العيد يعني الأغاني وتقليد من يكبرنا عمرنا وحمل مسجل صغيرة وبضع كاسيتات، العيد يعني الصورة الجماعية مع الأهل والاصدقاء والتردد اليومي على الاستديو لاستلام الصورة والكثير من تلك الحكايا التي تمر الآن كشريط مصور بكل تفاصيله الصغيرة وألوان الملابس وأنواعها خاصة التردد على الخياط الذي نادر ما يصدق وعده وموعده. 

واضاف: هذا كان ياما كان في ذلك الزمان والحديث عن العيد في مدينة النهر والرمان التي تشتت اَهلها وناسها وضاع فرح عيدهم في المقابر والاحزان ... والعيد يعني الناس وياهم أعيد

لا احساس لي بالعيد 

من جهتها اكدت الشاعرة هديل كبة انها لا اشعر بفرحة العيد بسبب ما يحدث في العراق، وقالت: عندما يقرر العراقي ان يكون انسانا حرا وعندما يكون قادرا على إبداء الرأي والتمسك بالكلمة. 

واضافت : الحياة عبارة عن حرف وكلمة حق والدليل قال تعالى وقال النبي وقال الرئيس عندما نقول ونفعل ما نريد، ذلك هو العيد، اما اذا تقصد حياتي الشخصية فانا كل يوم لي عيد عندما أرى اولادي بصحة جيدة والمال الكافي والحياة الكريمة والستر وابتسامة رضا ذلك هو العيد.

وتابعت: اما كشاعرة وكيف انظر اليه ، فللأسف .. لا استطيع ان اشعر بفرحه لان بلدي مجروح وهناك غصة ودمعة ولا عيد لنا مادام هناك يتيم وارملة ومظلوم، وللأسف لم اكتب عنه شيئا، فأنا اكتب ما احسه، ولا احساس لي بالعيد لان بلدي مجروح وينزف.

سرقه الاوباش منا !

الى ذلك اكد الشاعر قاسم وداي فليح، أننا مطالبون بنشر الوئام والمحبة ولكن، وقال: العيد ..هذا الحاضر معنا رغم قسوة الأزمنة , يأتي هذا العام وقد جف تماما الفرح الذي كان يصاحبنا.. الوطن المبتلى والأسر التي باتت تأوي إلى وادي السلام لكن رغم ما يحدث رغم الصراعات التي يمارسها ساستنا نبقى ذلك الشعب الصبور الذي يصنع من الرخام أقمشة العيد كي نواري بها جلود الأيتام والفقراء.

واضاف: أنا كشاعر حاضر في الفرح العراقي لكن هذه السنة كتبت نصا ( رسائل الباشا ) وهي رسائل من أبن الشهيد إلى والده وهي ستنشر أول ايام العيد وهنا لا اريد أن يكون الألم حاضرا بقدر ما سيكون أفضل شيء أقدمه هو للشهيد الممثل الشرعي للمحبة الوطن.

وتابع: صحيح أننا مطالبون بنشر الوئام والمحبة لكن يبدو أن الحرائق أخذت من صبرنا الكثير وسنواصل صناعة الجمال رغم العاديات، الفرح موجود لكن الأوباش سرقوه منا .