مغامرة الرسم لا تتوقف عند نمط معين ومحدّد من الخلق الإبداعي الفني طالما هنالك رؤية فرديّة معاصرة توظّف الواقع وتعيد إنتاجه بطرق لونيّة إنشائيّة مختلفة حسبما ترتئي مخيلة الفنان الذي يصطاد ذات الأشياء المهملة التي يراه الجميع لكن بسنارة الفرشاة الذكيّة والتي يملكها الفنان الموهوب فاضل نعمة في التعبير عن هذا الواقع الإنساني الذي هزمه مثلما هزم الكثيرمنّا نحن البشر . فلحظة الرسم/ الإنبعاث تبدأ عنده بعد إنتهاء العاصفة التي تشرّد وجودنا الهش القلق ليلملم ما تبقى من الأشلاء المتناثرة في الطرقات التي مرّ في الكثير منها خلال إقاماته المتعدّدة في دول العالم المختلفة وهي ليست بالمهمة السهلة خاصة حينما تكون الأشلاء المتناثرة حيوات مختلفة فيها من الخراب والخسارة أكثر من الإنتصار والربح مثلما يعترف الفنان في تدوين يومياته مع الرسم وأحيانا كثيرة تتحول الألوان الأحاديّة التي يستخدمها الفنان إلى نوع من المواجهة الذاتيّة أو الصراخ الطويل الذي لا ينقطع داخل اللوحة الواحدة التي تأتي دائما مثل ذاكرة تحتفظ برمز واحد يتكرر بطرق وأشكال مختلفة , مرّة يأخذ طابع الختم الأحمر ومرات عديدة يصبح أرقاما وأعدادً لا تتشابه في تكوينات لوحاته المتعدّدة التي تتنوع بين الكليرك إلى فن البوستر.أحيانا كثيرة يكون التعبير بالرسم نوعا من ترميم الحياة التي يتغير الإحساس بها من حياة معاشة وواضحة سهلة إلى حياة
متخيلة وصعبة قاسية في ذاكرة الفنان الذي يحاول أن يجسدها في أشكال تجريديّة فيها من براعة الإلفة اللونيّة أكثر من الغرابة والوحشيّة في التعبير, تقول في إنشائها المتكامل لكنها لا تفصح كثيرا وكأنها رموز سريّة فيها من الإحتجاج أكثر من القبول بما آلت إليه حياة الآخرين وحياة الفنان الذي يقول بأنّه متصالح جدا مع نفسه وسعيد بممارسة فعاليات بسيطة مثل إرتداء ملابسه دون تدخّل الآخر أو إختيار أكله في يومه الذي ينقضي في مرسمه الذي يراه صومعته المملؤة بعشرات اللوحات التي لا تتشابه في أشكالها لكن في مضامينها التي ترسل إيعازات لونيّة متقنة جدا في نهاياتها لا تملك كمشاهد عادي إلا أن تتوقف عندها طويلا وهي برأيي نوعا من الفن الشعبي البوب آرت الذي يشبه قليلا فن الكليكرفي الجدراي الشائع في الغرب خاصة في المدن الصناعيّة ذات الفوارق الطبقيّة والتي تملك نظاما
صارما من العيش تفرضه علاقات العمل التي تجرد الإنسان من فطرته التي منحتها إياه الطبيعة العاديّة , وهو فن معاصر يحاول أن يقول الكثير عن المسكوت عنه في التاريخ الأوربي وبشاعة الآلة الصناعيّة التي تسحق الإنسان وارث الأرض لتجعله بلا كيان وملامح واضحتين , وفي السنوات الأخيرة أصبح هذا الفن نوعا من الفن السائد المألوف لكن بتقنيات تختلف من شخص إلى آخر , من رسام هاوٍ إلى محترف يأسرك في إصطياده للحظة عابرة بالنسبة لنا نحن المارين أو العابرين لكن بالنسبة له هي لحظة إستثنائيّة تستحق التوثيق والوقوف أمامها طويلا للتأمل والسؤال وكأن مهمة الفن دائما هي تخريب اليقين وتدمير المسلمات وزرع الشك والريبة في ما يحدث حولنا نحن المنقادين من إنوفنا لقبول الواقع المثخن بالجراح والطعنات والكذب والزيف.
ومسيرة الفنان فاضل نعمة طويلة في فن مزاولة الرسم الذي يتقنه منذ نعومة أظفاره في أزقة كربلاء التي ولد ونشأ فيها تلك الأزقة والمحلات المتداخلة مع بعضها والتي تكتسي باللونين الأسود الحزين والأخضر البراق كلّ عام واللذان أثرى ذاكرة الفنان كثيرا حيث جرّب الكثير من المدراس الفنيّة في الرسم حاله حال العديد من الرسامين العراقيين الذين يزدحم بهم المشهد الفني الحالي من بفداد إلى أوربا إلى أستراليا وأمريكا وأعتقد بأن الفنان إستطاع أخيرا أن يعثر على إسلوبه.
هوامش عن سيّرة الفنان
عام 1964 –ولد الفنان فاضل نعمة
تخرج من كلية الفنون بغداد عام 1994 وهو نفس عام مغادرته العراق
درس في الاكاديمية الملكية للفنون في لاهاي هولندا وحصل على الدبلوم العالي رسم
عام 2002 بعدها حصل على الماجستير بفنون الكرافيك من نفس الاكاديمية عام 2009
اقام الكثير من المعارض الفردية والمشتركة في بغداد وعمان والنمسا وهولندا وغيرها من
الدول والكثير من ورش الكرافيك وبعض المشاركات العربية.

أستراليا