يستدعي فيلم "باران-2001" للمخرج الإيراني مجيد مجيدي، التأويل، لفك شفراته وفهم رموزه واستجلاء معانيه الخفية. فمهما أحال إلى التاريخ ومآسيه، واقترب من التوثيق في بعض أطواره(توثيق معاناة اللاجئين الأفغان بإيران)، ورصد مسارات العشق والاهتيام، فإنه ينشغل في العمق، بسؤال عرفاني جوهري: سؤال الانعتاق من أسر الغفلة وإمكان الوصول.

Image
مشهدية من فيلم باران

I-المسار الدرامي لفيلم" باران":
مر لطيف/ حسين عابديني بثلاثة أطوار رئيسية:

1-طور الغفلة:
يستغرق لطيف/ حسين عابديني في الغفلة والشغب واللامبالاة والمشاكسات في هذا الطور؛ ويغوص في الرعونة والنزق، بعد إسناد عمله( شراء الحاجيات وإعداد الشاي والأكل وتوزيعهما على العمال ) إلى رحمت/ زهراء بهرامي، وتكليفه بأشغال شاقة(حمل الأكياس الثقيلة والمشاركة في أشغال البناء ). لا يهتم في هذا الطور من تطوره الوجداني والشعوري، إلا بالاحتجان والمشاكسة والانتقام من رحمت(تحطيم أواني المطبخ/ تهديد و صفع رحمت).

2-طور الاكتشاف/ الكشف:
سيكتشف في غمرة تفكيره في الانتقام من رحمت/ زهراء بهرامي، مصادفة، أن رحمت فتاة أفغانية متنكرة في ثياب طفل. وقد حمله هذا الاكتشاف الصاعق المسبوق برياح عاصفة، على تغيير مساره، والعناية بالتفاصيل والجزئيات، وتأمل الذات والآخر واستقصاء المعاني واستجلاء الحقائق المخفية.

3-طور التحول والترقي:
وقد اضطر إلى تكثيف البحث عن رحمت/ باران بعد تعذر تشغيل العمال الأفغان في ورش البناء.
كما سلم طواعية مدخراته وباع بطاقة هويته لمساعدة نجف/ غلام علي بخشي وابنته باران/ زهراء بهرامي على تجاوز غمتهما ومحنتهما والعودة عمليا إلى أفغانستان. وكلما عاين شقاء المحبوب (إخراج الأحجار وجذوع الأشجار من الوادي)، ازداد إصرارا على البذل والعطاء ونفي الذات ومحو الأنانية (التخلي طواعية عن المدخرات وبطاقة الهوية والانقطاع –عمليا-عن العمل).

II- التحوّل الوجودي وعلاماته:
ينتقل لطيف/ حسين عابديني من طور الغفلة واللامبالاة(المشاكسة والمناكدة والسخرية من العمال ) إلى طور اليقظة والعناية الوجودية القصوى بالذات والآخر(تأمل الذات/ اكتشاف شقاء الآخر الأعزل أمام القانون والطبيعة والتاريخ). وقد أسفر هذا الانتقال عن تحول عميق، في مجرى تفكيره وشعوره وسلوكه، وعن اقتناعه الوجداني والشعوري، بالتجرد(التخلي عن المدخرات/ والتحرر من التملك والاحتجان والحرص على المال) والفناء في الآخر(التخلي عن بطاقة الهوية ).
اكتفى لطيف/ حسين عابديني، بالنظر المتأمل، وبالفعل الناجز في أوان الغمة، وبالتجرد من أخص

خصائص الذات:
-النظر المتأمل: مال لطيف/ حسين عابديني إلى العزلة والتأمل بعد الاكتشاف/ الكشف الصاعق؛ وصار أقرب و أقدر على اكتشاف الذات والآخر والطبيعة وقراءة تحولات الفصول.
-الفعل الناجز: كلف لطيف/ حسين عابديني سلطان/ عباس رحيمي بتسليم مدخراته لنجف/ غلام علي بخشي، إلا أن سلطان احتاز المال وسافر إلى أفغانستان وتعهد في ورقة مبصومة بإرجاع المال إلى صاحبه في أقرب فرصة. ولإخراج نجف/ غلام علي بخشي وباران/ زهراء بهرامي من ضائقتهما المالية، عمد لطيف إلى بيع بطاقة هويته، وتسليم المال المحصل من ذلك لنجف.
-التجرد من الأنانية: تخلى لطيف/ حسين عابديني طواعية عن مدخراته وباع هويته وتخلى عمليا عن عمله، وانقطع إلى البحث عن محبوبه، وبذل الذات في سبيل استنقاذه من الشقاء المادي، وانتشال نفسه من الغفلة الوجودية ومن رعونات النفس وحسرة الغفلة.

يتجشم لطيف مشقة الطريق ويلتجئ –مضطرا-إلى التمويه والحجب لإخفاء قصده.
فقد طالب –وهو في غاية التأثر -معمار/ رضا ناجي بمدخراته/ أمواله زاعما أن أخته مريضه.
وطلب من سلطان/ عباس رحيمي/ تسليم أمواله/ مدخراته لنجف، دون أن يطلب منه أحد ذلك.
وباع بطاقة هويته طائعا، لتوفير المال لنجف، بعد اعتذار معمار عن إقراضه مبلغا ماليا، لفضاء حاجة مستعجلة. وسلم المال لنجف، مدعيا أن معمار/ رضا ناجي كلفه بتسليم القرض المطلوب إلى طالبه.
يكشف لطيف عن مكنوناته وانشغالاته الوجدانية ومكابداته من خلال:

-العزلة والتوحد بالذات: غاص لطيف/ حسين عابديني تدريجيا في العزلة والاكتشاف وتدبر المعاني، بعد طول انشغال بالمجادلات والمناكدات. وقد أشار الإسكافي إلى القيمة العرفانية للوحدة، في لقائه الأول بلطيف. لقد اكتشف السر، وحيدا، وسط جلبة الأشغال، واستعاد الأصوات المصاحبة لذلك، وحيدا، قرب شباك الضريح.
تكثيف البحث عن المحبوب: لم يكن العثور على سلطان/ عباس رحيمي ورحمت/ باران/ زهراء بهرامي يسيرا، بعد تعذر تشغيل اللاجئين الأفغان على معمار/ رضا ناجي. وقد سلك لطيف طريق، البحث وسط طبيعة رحيمة ومبهجة طورا و قاسية وعاصفة طورا آخر. وكان اللقاء بالإسكافي، غنيا بالدلالات والإشارات، على اقتضابه و وجازته. وكان مطوقا بالشوق، والرغبة الصادقة في الوصول.
(. . . حده [الشوق]عند أهل السلوك: هيجان القلب عند ذكر المحبوب، وقال بعض أهل الرياضة: الشوق في قلب المحب كالفتيلة في المصباح، والعشق كالدهن في النار. )-1-

التماهي الكلي مع المحبوب: تحمل لطيف/ حسين عابديني الضرب والإهانة بعد أن ساعد باران/ زهراء بهرامي على الهرب والإفلات من قبضة المفتشين. وتخلى مختارا عن مدخراته وعن بطاقة هويته، وتحمل طائعا قساوة البحث والانتظار والقرارات غير المتوقعة (عودة سلطان إلى أفغانستان/ عودة نجف وباران إلى أفغانستان ). ومهما خاض في بحر المغامرة (إنقاذ باران من قبضة المفتشين/ بيع بطاقة الهوية بعد مطاردات عنيفة مع مزوري الأوراق الثبوتية )، فإنه يزداد شفافية وصفاء ويقترب من الآخر (توفير العكاكيز لنجف/ التأثر بمشهد سقوط باران في الوادي/ مساعدة باران على جمع الحضر والأواني المبعثرة/ تبادل نظرات ودية وشفافة مع باران).

III-تفسير العبارة وتأويل الإشارة:
1-الرموز ودلالاتها:
يزخر فيلم "باران" برموز وإشارات كثيرة (تشكيل العجين/ ضحكات العاشقين/ الكلام المسترسل في الدكان والفندق عن بطاقة الهوية/ تأكيد لطيف/ حسين عابديني على أهمية بطاقة الهوية أمام معمار/ رضا ناجي/ بيع بطاقة الهوية/ إصلاح حذاء لطيف/ اللباس الأخضر/ شرب الحليب في محضر الجماعة/ الضريح وشباكه/ الاحتماء بالمقبرة / رمزية الماء والنار/ حديث الإسكافي عن مفعول النار/ شراء العكاكيز لنجف/ غلام علي بخشي/ عناية رحمت/ باران ولطيف بالحمام/ أثر حذاء باران/ زهراء بهرامي/ رمزية المصباح والوردة ) محتاجة بكل تأكيد إلى تفسير وتأويل.
تقودنا كثافة الرموز والإشارات وإيحاءاتها، إلى استحضار السجل العرفاني، في القراءة والتأويل.
لا يمكن فهم قوة التحول(التحول الكلي والفناء في المحبوب )، بالإحالة إلى إبدال الاهتيام أو العشق؛ فمهما كان الاهتيام أو العشق قويان وعاصفان، فإنهما لا يفضيان إلى تحول كلي، تعيد فيه الذات بناء نفسها بإفنائها ومحو صفاتها الذميمة.
(وينقسم [يقصد المحو]إلى محو الزلة عن الظواهر، ومحو الغفلة عن الضمائر، ومحو العلة عن السرائر، ففي محو الزلة: إثبات المعاملات؛ وفي محو الغفلة: إثبات المنازلات.
وفي محو العلة إثبات المواصلات. ) -2-
كان لطيف/ حسين عابديني رهين الغفلة الوجودية في طوره الأول وأسير الرعونة والعبث، سلوكا ومعاملات ورؤية، ثم شرع في إعادة تشكيل ذاته وتحقيق مكنوناته المحجوبة (تشكيل العجين/ الاعجاب بمداعبات العاشقين ) بتأثير الكشف الصاعق(اكتشاف أنوثة وهوية باران/ زهراء بهرامي بعد عاصفة/ الاستماع إلى غناء باران/ الكشف عن السر ). شرع إذن، في محو صفات(محو الذات ) وإثبات أخرى(تثبيت الآخر)، وتحقيق الصفاء والسمو والترقي الوجودي.

لم يكن الحديث المتواتر عن بطاقة الهوية وأهميتها (تشبث لطيف/ حسين عابديني ببطاقة هويته/ تأكيد المشرف على الفندق على ضرورة التوافر على بطاقة الهوية ) اعتباطيا؛ كما لم يكن إقدام لطيف على بيع بطاقة هويته لمساعدة نجف/ غلام علي بخشي وباران/ زهراء بهرامي، ماديا، عبثيا. كما تخلى عن نزوعه إلى الامتلاك والاحتجان (جمع المال في وعاء/ التحيل والتفنن في أخذ القطعة النقدية الملتقطة في الشارع)وعن ميله إلى الرعونة والنزق والمكابرة والمناكدة (الاستهزاء بنجف بعد إصابته بكسر/ استثارة عمال كادحين/ التشكي من الاضطهاد أمام المفتش/ ضرب الحمام بالحجارة/ احتقار وإهانة رحمت/ زهراء بهرامي/ ). كان التخلي عن الميول الأولى بمثابة موت مساري mort initiatique، تبعه انشغال كلي بالمحو والإثبات، والقبض والبسط، والفناء والبقاء.
لقد تخلى لطيف/ حسين عابديني، طواعية، عن بطاقة هويته، أي عن ذاتيته، وارتضى الصفاء والفناء في المحبوب.
كانت إشارة الإسكافي، إلى النار موحية، ولا سيما أن لطيف، أول العبارة وفهم الإشارة وأشاد بحكمة القائل الحكيم.
(تشير الحرارة والنار، على مستوى الفيزيولوجيا الصوفية، إلى يقظة قوة سحرية-دينية. ) -3-
لا مناص، في اعتبارنا، من تجاوز أفق العرض الواقعي –التاريخي، وتفسير وتأويل دلالات الرموز والإشارات المبثوثة في كثير من مفاصل الفيلم. لا يمكن فهم كثير من الرموز (رتق الحذاء/ إطعام الحمام/ حديث الاسكافي عن النار/ أثر حذاء باران/ بيع بطاقة الهوية/ رمزية المصباح والوردة/ شرب الحليب في طقس جماعي/ الاحتماء بالمقبرة بعد جري مسترسل/ هطول المطر بعد اختفاء باران)، دون استحضار أبعادها الرمزية وخلفياتها العرفانية.

2-الحب بين نظرتين:
يبدأ الحب هنا بنظرة مختلسة بعد إزاحة الستار وينتهي بنظرة مختلسة من وراء حجاب(البوركا)؛ وبين نظرتين مسار وجودي طويل، قطعه لطيف/ حسين عابديني وهو يرتقي وجوديا(عنايته بشعره وهندامه وقيافته/ انعزاله عن العمال/ عدم مشاركته في الغناء الجماعي/ عنايته بالحمام/ تخليه عن مدخراته/ ادعاء مرض أخته وسوء حالتها لإقناع معمار/ رضا ناجي بتمكينه من أجوره) و أخلاقيا(تغيير نظرته إلى الآخر/ السعي إلى فهم شقاء وفكر وشعور الآخر/ الإنصات إلى نداءات الطبيعة وإلى حكمة الشيخ الإسكافي/ تفهمه سلوك سلطان/ ورميه التزام سلطان في المجرى المائي ) وروحيا، ويتجرد من ذاتيته وعلائقه ويقترب من المحبوب.
لا يكبر الحب هنا، من خلال التفاعل اللغوي أو تبادل الاستعارات والمجازات بين ذاتين أو الكشف عن المكنون والمخبأ من خلال البوح أو المجاهرة، بل من خلال النظر والتأمل والإنصات العميق إلى نداءات الوجود والتوحد بالجمال الكوني (تهاطل المطر في محضر الحب). فهو حب عذري، ينشب في الأعماق، مثل نار حارقة ومطهرة (إشارة الاسكافي إلى مفاعيل النار).

3-جدل التاريخ والشغف:
ليس استعراض محن وشقاء اللاجئين الأفغانيين بإيران، مقصودا لذاته، في فيلم "باران"؛ ولئن توسع هذا الفيلم نسبيا في توصيف معاناة اللاجئ الإيراني المضطر إلى تحمل قساوة الغربة (المناكدات مع العمال الإيرانيين)والفقر و المرض (إصابة نجف بكسر بعد سقوطه من الطابق الثاني) والقهر(اضطرار باران/ زهراء بهرامي إلى العمل في ظروف مأساوية لإعالة أبيها وإخوتها/ استغلال العمال وتمكينهم من أجور متدنية/ العمل بلا رخص وبلا ضمانات ولا حماية صحية واجتماعية وقانونية ) ومآسي التاريخ والحروب (مقتل أخي نجف في إحدى المعارك بأفغانستان)، فإن المسار الدرامي للفيلم يتجاوز في الحقيقة إطار الواقعية النقدية. يعرض الفيلم -في الحقيقة – أطوار مسارة وجودية كاشفة عن اهتيام المحب وركونه إلى التجرد والتوحد بالمحبوب (النظرات المتبادلة بين لطيف/ حسين عابديني وباران/ زهراء بهرامي أثناء جمع الخضر المتناثرة على الأرض).

توظيف محن اللاجئين الأفغان بإيران، لإبراز ما يلي:
1-إبراز قوة الاكتشاف والانعطاف من هناءة معطاة(التمتع بعمل مريح نسبيا/ التمتع برعاية رئيس العمال/ التمتع بحقوق العامل الإيراني/ التمتع بالذات وبالقدرة على الكسب والاحتجان)إلى يقظة وجودية صاعقة(الاهتمام بالتفاصيل/ الاهتمام بإيقاع الأشياء/ العناية بالآخر/ حماية المحبوب وإنقاذه من المفتشين/ البذل والسخاء/ محو الذات و بيع بطاقة الهوية ). يضطر المحب إلى مقاسمة المحبوب شقاءه الاجتماعي والوجودي ( اشتغال باران باستخراج الأحجار وجذوع الأشجار من الوادي، لإعالة أسرتها بعد إصابة أبيها بكسر/ مقتل شقيق نجف بأفغانستان/ امتناع معمار/ رضا ناجي عن إقراض نجف مبلغا من المال للاطمئنان على أبناء أخيه المقتول ).
فكلما اشتد شقاء رحمت/ باران/ زهراء بهرامي (مطارة المفتشين الحكوميين لها/ العزلة والوحدة/ مزاولة أشغال شاقة في البناية والوادي) ونجف/ غلام علي بخشي(انكسار قدمه بعد سقوطه من الطابق الثاني في البناية/ الوحدة/ مقتل أخيه وتشرد أبنائه/ الفقر والبؤس/ الإحساس بالعجز و باللاجدوى ) وسلطان/ عباس رحيمي (التنقل غير المجدي بين الأوراش/ الحاجة إلى المال/ العناية بزوجة مريضة )، احتدت مكابدة لطيف/ حسين عابديني وصار أقدر على التحول الوجودي والأخلاقي (التخلي عن رعونته وكبريائه ومدخراته وبطاقة هويته لمساعدة باران/ زهراء بهرامي ).

2-إبراز ما تزخر به المأساة التاريخية من وعود مسارية وممكنات وجودية.
يؤجج شقاء اللاجئ الإيراني، الشقاء الوجودي، لدى العامل الإيراني، فيدفعه إلى الانخراط في مسارة ناقضة لأسس البناء النفساني والثقافي للذات وبانية لكيان أكثر إصغاء لنداءات الآخر (الشفقة والشغف بالآخر/ تمثل حكمة الإسكافي/ استضمار معاناة ومكابدات نجف/ الشفقة والعطف على رحمت/ باران) والطبيعة (رعاية الحمام/ اكتشاف الذات في أجواء ماطرة ومثلجة وراعدة. ).
فكلما كان التاريخ عاصفا وتراجيديا (وجود اللاجئ الأفغاني في وضعية وجودية وإنسانية إشكالية)، كان أقدر على استثارة الشعور والوجدان وحملهما على تقويض الغفلة وإرهاف الحس الأخلاقي والدفع بالعامل الإيراني إلى الانتقال من "حسرة الغفلة" إلى التماع اليقظة الوجودية.
تسمح تراجيديا التاريخ، ومأساة اللاجئين هنا، بإمكان استكشاف عوالم الحب والود والشغف، وإعادة بناء قواعد الوصول إلى المحبوب.
ليس التاريخ هنا، إلا مجموعة مثيرات باعثة على الكدح الوجودي من جهة و مرآة عاكسة، لما يمور في الوجدان، من مخاض واهتيام ومكابدة وتشوف وجودي من جهة أخرى.

3-اضطراب الوضعية البينية:
ينخرط لطيف/ حسين عابديني في مسار مسارة صعبة وشاقة، يتوجها بالتجرد والانقطاع إلى المحبوب.
ويحقق تحوله الوجودي، مدفوعا برياح تاريخ عاصف و طبيعة قاسية واضطراب وضعية ثقافية بينية.

4-رياح التاريخ:
تغذي مآسي اللاجئين الأفغان، وجدان لطيف/ حسين عابديني، وتحمله على التجرد وامتلاك القيم الإيثارية وتوظيفها حد الفناء في الآخر. فكما جرد اللاجئ من كرامته(احتجاج نجف على معمار/ رضا ناجي بعد أن رفض إقراضه مبلغا من المال) وإنسانيته بسبب أهوال الحروب(بكاء نجف/ غلام علي بخشي بعد توصله بخبر موت أخيه وتشرد أبنائه ) والفقر والمطاردة والتعقب والمرض المزمن والإعاقة، تجرد لطيف من ذاتيته، وانخرط في سيرورة محو صفات وإثبات أخرى. إن للتاريخ هنا، مفعول العامل المسرع للتحول، والمضاعف للألم المساري، بما هو وقود السيناريو المساري. يتفاعل لطيف/ حسين عابديني مع أشخاص غارقين في وحل التاريخ (الحروب والموت والمرض والبؤس واللجوء والإعاقة والغربة والوحدة والدونية الاجتماعية) دون أن يفقدوا ارتباطهم بجذورهم وذاكرتهم وإحساسهم بالتضامن (إخفاء سلطان حقيقة باران على معمار/ رضا ناجي/ تفهم وتعاطف نجف مع سلطان) والمسؤولية.

5-قسوة الطبيعة:
لا يكتوي لطيف/ حسين عابديني وباران/ زهراء بهرامي ونجف/ غلام علي بخشي، بنيران تاريخ متقلب فقط(مأساة الحرب الأهلية واللجوء والتشرد والفقر والبؤس وغياب الحماية الصحية والاجتماعية والقانونية )، بل يكابدون المشاق في حضن طبيعة قاسية (الرعود والسيول الجارفة والثلوج والأمطار الغزيرة. ). لا تقوى باران/ زهراء بهرامي على حمل الحجارة الكبيرة وإخراجها من الوادي، فسقطت في الخضم المائي. ولا ينفك لطيف/ حسين عابديني عن تأمل عجز باران/ زهراء بهرامي الفتية وشقائها النفساني والجسدي، والعطف عليها، والسعي إلى إنقاذها من مخاطر عمل شاق ولا إنساني. وكما لا يشفق التاريخ المتقلب على الإنسان، لا تعطف الطبيعة في أوان توهجها واضطرامها عليه، بل تعصف بتوازنه وصفائه ويقينه وتحمله على التطهر بعد اجتياز معبر التجرد والمحو والتخلي التدريجي عن العلائق.

5-وضعية المابين:
يوجد لطيف/ حسين عابديني في وضعية انتقالية، وفي حيز المابين مما يمكنه من معاينة التفرد، واستكشاف معالمه، والتأمل في مظاهر البؤس(معاناة اللاجئين من ويلات الحرب الأهلية) والجمال(جمال باران/ زهراء بهرامي الخفي/ شفافية لطيف الوجودية المحجوبة بأردية الغفلة في الطور الأول)، ورصد معالم التدني(استغلال العمال الأفغان وتعرضيهم للمطاردة) والترقي(إصرار معمار/ رضا ناجي على تشغيل رحمت/ زهراء بهرامي )، معرفة وتعبيرا(إعجاب لطيف ببلاغة الإسكافي وبراعة إشارته العرفانية ) وسلوكا.

6- الثقافة الإيرانية والثقافية الأفغانية:
عاش لطيف/ حسين عابديني مخاض التحول، وهو ينوس بين ثقافة إيرانية مهيمنة(وهي موزعة بين مؤثرات صوفية –عرفانية من جهة وموجهات حديثة برغماتية من جهة أخرى) وثقافة أفغانية يجسدها اللاجئون(الحس التضامني والعائلي العالي / تحمل الشقاء والمطاردة والتمييز/ الاعتزاز بالنفس/ الارتباط بالجذور والذاكرة والثقافة المحلية )وهم يشقون بحثا عن موطئ القدم في عالم تراجيدي.

7- هامش المدينة وعمق الريف:
إن لطيف/ حسين عابديني موزع بين هامش المدينة الصاخب والطافح بالمآسي والبؤس والشقاء والهشاشة (اضطرار العمال الإيرانيين إلى الاختفاء كلما حضر المفتشون/ غياب الرعاية الصحية/ ضعف أجور العمال الأفغان/ ضجيج الأشغال/ التحرك صعودا وهبوطا في فضاء ضيق بلا أي أفق )وعمق الريف الموحي بالسكينة والتأمل وإدراك الأمور الجوهرية(الاتصال مصادفة بالإسكافي الحكيم/ المشي في الفضاءات الوسيعة/ إعادة اكتشاف رمزية النار وبلاغة المطر وقوة الماء/ إيحاءات شباك الضريح. ). وبينما تدفعه المؤثرات المدينية إلى حافة الخطر (النجاة من عنف وقسوة المتاجرين بالوثائق الثبوتية)، فإن المؤثرات الريفية، ستشحذ حواسه ومخيلته وخياله، وتحمله على إنعام النظر في الفعل ومقاصده، والآخر ورغائبه، والوجود و إشكالاته.

IV - التشخيص: إيحائية النظرة وتعبيرية الجسد
1-بلاغة الصمت ورحابة النظرة

لم تنطق باران/ زهراء بهرامي طيلة أحداث الفيلم بأي كلمة واكتفت بالتعبير الجسدي.
يسمح النظر والتأمل العميق في الملامح والنظرات والإشارات والحركات، بمعرفة أعمق بالآخر.
إن بهاء الصمت، أقدر، في الحقيقة، على شحذ النفس، وحملها على استقصاء المجهول والغائب والمسكوت عنه. تكشف بلاغة الصمت، عن براعتها في مقامات الترقي والاستكشاف والتفرد.
لا تتوهج نفس المحب، إلا متى أطال النظر والتأمل، واستمتع بخفايا النفس، من جهة، و أنصت بعمق إلى إيقاع الطبيعة، في أوان اختلاجها وتوهجها من جهة أخرى. لا تفصح باران/ زهراء بهرامي عن مكنونها وتفاعلاتها واختلاجاتها النفسانية والوجدانية، إلا من خلال:

-تعابير الوجه:
فهي تعبر عن شقائها واستغرابها(استغرابها سلوك وعدوانية وشراسة لطيف قبل تحوله) وحزنها وألمها وترددها وحبها(نظرتها المعبرة عن الود والحب للطيف قبل العودة إلى أفغانستان) من خلال تعابير الوجه.

-وضعية الجسد:
تكشف عن تحفزها وقدرتها على الدفاع عن نفسها ( تهديد لطيف بضربه بحجرة بعد أن صفعها) وعن صبرها وجلدها وتحملها مشاق عمل لا إنساني (السقوط في الوادي بعد العجز عن حمل حجر كبير/ العجز عن رفع أكياس الجص والإسمنت/ الجري هروبا من المفتشين/ جلوسها القرفصاء ونظرتها الودية إلى لطيف/ حسين عابديني ).

-السلوك الخارجي:
تكشف باران/ زهراء بهرامي عن نقاء سريرتها من خلال اعتنائها بالحمام وتحملها الشقاء الجسدي والنفساني( حمل الأكياس والأحجار الثقيلة/ مطارة المفتشين لها/ تحمل إهانات لطيف وعدوانيته وعنفه قبل تغيره نهجا وسلوكا/ اضطرارها إلى البحث عن شغل غير قار بعد منع معمار/ رضا ناجي من تشغيل العمال الأفغان في ورش البناء، لإعالة أسرتها البئيسة. ).

-تغيير السمت:
تتغير هيئة رحمت، إذ تكشف باران/ زهراء بهرامي عن جمالها وحقيقتها أثناء مشط شعرها؛ تنضو في زمان مستقطع، أقنعة الذكورة المستعارة، وتتهيأ للوجود بإشراقة نفسانية ووجودية (الغناء والاستمتاع بالحميمية في غفلة من العمال الكادحين). كان الكشف عن الذات، اكتشافا حمل لطيف/ حسين عابديني، على الرياضة الوجدانية، والتحلل من التملك (تملك الهوية والمال والكبرياء )، و البحث عن التحقق الوجودي.
اعتمدت زهراء بهرامي، على تعابير الوجه والإشارات والأداء غير اللفظي، في التعبير والكشف عن المكنونات والانفعالات والأحاسيس والمواقف. إن للنظرة والإشارة والإيماءة والإطراق في لحظات الضيق والألم والقهر بخاصة (النظرة الممزوجة بالألم بعد إقدام لطيف/ حسين عابديني على هدم الجدار/ النظرة الممزوجة بالقهر بعد تعثرها وسقوط الجص على أحد العمال وتأكيد معمار/ رضا ناجي عدم أهليتها للعمل في أوراش البناء)، إيحاءات أقوى تعبيرا، وقدرة على استثارة الوجدان والنفس والمخيلة، ولا سيما في مقامات الود والحب والشغف. تسمح كثافة النظرة والإشارة، باستيعاب أكبر لحقل الممكنات الوجودية وما يحفل به من دلالات و أبعاد ولوامع، وتجاوز دوائر التفاعل المغلق، دلالة و أفقا.
ومهما غرقت باران/ زهراء بهرامي في النظر المشبع بالتعجب والاستغراب والقهر والألم والذهول والشقاء، فإنها لا تنقطع عن الابتسام كلما صادفت كائنات شفافة (ابتسامتها أثناء إطعام الحمام)، أو إنسانا استكمل مساره المساري، وتدرج في مراتب التحقق (ابتسامتها أثناء تبادل النظرات مع لطيف/ حسين عابديني).
إن للصمت جذرا وخلفية عرفانيين بالتأكيد؛ ولذلك مال أبطال فيلم "باران "في الغالب إلى الصمت والإيجاز والعبارات الكثيفة (باران ولطيف وسلطان ونجف)، وكشفوا عن المضمرات والخفايا والاستجابات عبر تعابير الوجه وإشارات الجسد وفواصل الصمت المشحونة بالمعاني الثرة.
(أما إيثار أرباب المجاهدة السكوت: فلما علموا ما في الكلام من الآفات، ثم ما فيه من حظ النفس، وإظهار صفات المدح، والميل إلى أن يتميز بين أشكاله بحسن النطق، وغير هذا من آفات في الخلق، وذلك نعت أرباب الرياضات، وهو أحد أركانهم في حكم المنازلة وتهذيب الخلق. ) -4-

2-تغير آليات التعبير واتساع نطاق الرؤيا
خلافا لرحمت/ زهرة برهامي، أكثر لطيف/ حسين عابديني من المنطق اللفظي (أحاديثه مع صاحب محل البقالة/ مجادلاته مع معمار/ رضا ناجي في موضوع النقود وبطاقة الهوية/ مناكداته ومشاحناته مع العمال بسبب ميله إلى الاستهزاء والسخرية والمناكدة و تهاونه في إعداد الشاي والأكل الجيدين ). إلا أنه سيميل، في غمرة تحوله الوجودي، إلى التأمل(تأمل الحمام/ تأمل الذات في مرآة/ تأمل سلوك وأفعال باران/ زهراء بهرامي/ تأمل العمال/ تأمل كأس الشاي المصحوب بقطعين صغيرتين من السكر ) والعزلة(تجنب صخب العمال والانفراد بالذات ) والصمت ( المشي وحيدا في الثلج)، والتقليل من سطوة المنطق اللفظي( تجنب المجادلات والمساجلات اللفظية والتركيز على القضايا الجوهرية كما في حديثه الموجز مع الإسكافي وحديثة المقتضب مع مشتري بطاقة هويته ). كان مضطرا إلى إتقان لغة الجسد وتعابير الوجه، والتخفيف قدر الإمكان من رخاوة التعبير اللفظي وميوعته ونثريته، لفهم تحوله الذاتي وإقامة علاقة جديدة بنفسه (عنايته بشعره/ رؤية الذات في البركة المائية بالمقبرة )، وبناء علاقات جديدة مع الآخرين (سلطان ونجف وباران)، وفهم التحولات والمستجدات(عمل باران في منطقة وعرة/ سفر سلطان المستعجل إلى أفغانستان/ عودة نجف وباران إلى أفغانستان )، والتجاوب مع المدركات والواقعات (بكاء نجف ونحيبه بعد مقتل أخيه بأفغانستان/ إحساس نجف بجسامة المسؤولية بعد عجزه عن إعالة أسرته ومقتل أخيه في معركة ).
لم يكن من الممكن توثيق العلاقة بباران/ زهراء بهرامي، المتلفعة بالسكون والسكوت، دون التمرس بلغة ومنطق الصمت واستكمال شرائط النظر.
(فأولها[يقصد علامات الحب] إدمان النظر، والعين باب النفس الشارع، وهي المنقبة عن سرائرها، والمعبرة لضمائرها والمعربة عن بواطنها. فترى الناظر لا يطرف، يتنقل بتنقل المحبوب وينزوي بانزوائه. . ) -5-
وحين أتقن هذه اللغة/ المنطق، تمكن من الترقي، ومن تبادل نظرات ود وحب مع المحبوب. وحين ثبتت باران/ زهراء بهرامي البرقع على وجهها، وغابت عن أنظاره، فإنه استعاد بهاءه وصفاءه بعد لحظة كدر، وابتسم، في إشارة إلى أن طريق الوصول سالكة، رغم طول المسار ومشاق المكابدة.

V- المؤثرات الصوتية والوضعية الدرامية للشخصيات:
اعتمد المخرج مجيد مجيدي على المؤثرات الصوتية، أكثر مما اعتمد على الموسيقى التصويرية في فيلم "باران".

ويمكن تقسيم المؤثرات الصوتية المعتمدة في هذا العمل الفني إلى ما يلي:
-مؤثرات صوتية طبيعية: وقد تم التركيز على: الرعود والأمطار والرياح وخرير المياه والسيول الجارفة وهديل الحمام وتغريد الطيور. . . إلخ.
وتمنح هذه المؤثرات الصوتية المشهد قوته وإيحائيته، وتبرز قدرة الطبيعة، على استثارة الوجدان وإيقاظ الشعور وحمل الذات الغافلة عن مواطن الجمال(هديل الحمام/ تغريد الطيور/ تهاطل المطر بعد التحقق من استكمال شروط الوصول/ هبوب الرياح قبل الكشف عن السر ) وأمارات الرهبة (قوة السيول الجارفة/ هطول أمطار غزيرة مصحوبة برعود أثناء زيارة المفتشين المفاجئة لورش البناء )على التأمل والعبور من المجاز إلى الحقيقة.

-مؤثرات صوتية إنسانية: ونشير هنا إلى: غناء العمال الجماعي وغناء رحمت/ باران/ زهراء بهرامي وصراخ معمار/ رضا ناجي كلما حضر المفتشون إلى مكان العمل أو خاض العمال في مشاحنات واشتباكات.
تكشف المؤثرات الصوتية الإنسانية، عن قدرة الإنسان، في لحظات مقتطعة من سيرورة مفعمة بالفجائع والمآسي والكوارث، على الاحتفال بذاته (غناء باران/ القريب من المناجاة الذاتية) وبالآخرين (غناء العمال).
-مؤثرات صوتية صناعية: نشير هنا إلى: صوت المجارف ومواقد الغاز والأعمدة الحديدية وأصوات السيارات والشاحنات وأجيج النار وضربات المطارق وأصوات الكؤوس والأواني ورنين القطع النقدية. . . . إلخ.
إن المؤثرات الصوتية الصناعية، متعددة الدلالات، حسب الوضعية الدرامية والوضعية الشعورية –الوجدانية للشخصية الدرامية:
-ضربات مطرقة الإسكافي: تعلن عن حضور الإسكافي الجامع بين قوة الحكمة ودفء النار وهدوء السكينة واطمئنان لطيف إلى إشاراته الدالة وحضوره الوجودي.
-ضربات مطرقة لطيف: اضطر لطيف/ حسين عابديني إلى إحداث ثقب في حائط، وهو يرتدي ثيابا أنيقة مثل المشاهير كما قال معمار رضا/ ناجي. وفيما يضرب الحائط بمطرقته، فإنه يظهر علامات الفرح والابتهاج.
صوت المجارف ومواقد الغاز: اختلفت استجابة لطيف/ حسين عابديني للمؤثرات الصوتية الصناعية تبعا لوضعيته وموقعه:
-موقع العامل المكلف بالتسوق وإعداد الشاي والأكل: لا يأبه كثيرا، في هذا الفاصل، بقساوة الأشغال وشقاء العاملين، بدلالة إمعانه في الاستفزاز (السخرية من "المهندس "المكلف باصطلاح المصباح الكهربائي)والتهكم(وصف أحد العمال برجل الثلج ) وإثارة العمال والاستهانة بالمشاق(تأكيده- حين ساعد رحمت/ باران على حمل كيس ثقيل -أن الإحساس بالمشقة يختفي بالتعود والتمرس).
-موقع العامل المرغم على المشاركة في أشغال البناء الشاقة: أكره لطيف/ حسين عابديني على الانتقال من فضاء المطبخ، حيث تسمع أصوات الكؤوس والطناجر ومواقد الغاز، إلى فضاء البناء، حيث تهيمن أصوات المجارف والمطارق والمواقد وجلبة العمال.
-موقع العامل المستغرق في أطوار المسارة:
تغيرت في هذا الطور علاقة لطيف/ حسين عابديني بالعمل وأجوائه ومشاحناته وانشغل أكثر بالتأمل والترصد والسبر، وعبور محطات التحول. وهكذا سينتقل من مشاق البناء الخارجي، إلى مشاق البناء الداخلي، وسط طبيعة، هادئة وحاضنة برفق للإنسان طورا وعاصفة وقاسية طورا آخر. وهكذا سيتحرر من جلبة العمل، لينغمس، أكثر فأكثر، في جمال ورهبة إيقاعات الطبيعة، وعذوبة المناجاة الفردية.

VI - تركيب:
يعرض فيلم "باران" مسار مسارة عرفانية، تبدأ بالكشف وتنتهي بالإقرار بإمكان الوصول. وقد اعتمدت مأساة اللاجئين الأفغان بإيران، لتأجيج الصراع الدرامي، والكشف عن الآليات المعتمدة في إقرار التحول الوجودي والعرفاني الناجح. ومن هنا، فإن التاريخ والاهتيام، مجرد حوامل درامية، أو مثيرات كاشفة عن البواطن والكوامن، ومبرزة لقدرة الذات على عبور المسالك الوعرة، وتخطي العقبات الذاتية والموضوعية، والتوحد تدريجيا بالمثال.
وحيث إن الفيلم زاخر بالرموز والإشارات، فمن الضروري، تجاوز عتبات التفسير واقتحام دوائر التأويل. فالمعطى الواقعي –التاريخي وقصة الحب، ليسا إلا المهاد الدرامي، لسيناريو مساري، حافل بالتجاذبات والتفاعلات والتمزقات والاختلاجات، وبالأفعال الدرامية الدالة على مضاء العزيمة والرغبة في التحقق وكسر جدار الغفلة.


الهوامش:
1- محمد علي التهانوي، كشاف اصطلاحات الفنون، وضع حواشيه: أحمد حسن سبج، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1998، المجلد الثاني، ص. 516.
2-أبو القاسم القشيري، الرسالة القشيرية، تحقيق: عبد الحليم محمود و محمود بن الشريف، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثالثة 2019، الجزء الأول، ص. 180.
-3 (Mircea Eliade، Mythes، rêves et mystères، Gallimard, 1997, page181. )
4-(أبو القاسم القشيري، الرسالة القشيرية، تحقيق: عبد الحليم محمود و محمود بن الشريف، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثالثة 2019، الجزء الأول، ص. 247. )
5-(ابن حزم، طوق الحمامة في الألفة والألاف، دار الجيل، بيروت، لبنان، ص. 26. )