إيلاف من الرياض: كانت رحلة الخريف في الأسبوع الماضي إطلالة على إبداع جديد في معرض الكتاب الدولي بالرياض. إنتاج أدبي معرفي لم يجمع الاقتصاد بالسيرة الذاتية، ولم يؤد دورًا تاريخيًا في المساهمة الثقافية فحسب، بل جمع أيضًا الشرق والغرب والشمال والجنوب لسرد قصة تاريخية من مكة، لقراء العربية والإنكليزية على السواء، أمام خلفية من صورة مكية في جناح خاص اقامته مؤسسة الشيخ صالح كامل الخيرية.

صاحب النظرية الحديثة
دعت هذه المؤسسة "إيلاف" لحضور إطلاق النسخة العربية من كتاب يصنفه الادباء في باب البيوغرافيا، يتناول سيرة حياة رجل غير مجرى تاريخ اقتصاديات وأعمال البنوك الإسلامية. رجل يعتبره الكثيرون صاحب النظرية الحديثة في اقتصاديات المال والاستثمار الإسلامي، إذ وضع حجر الأساس في نظام اقتصاد ومعاملات مالية واستثمارات، بطريقة مبتكرة مكنت ملايين المسلمين حول العالم من التعامل مع البنوك وبيوت المال في أركان الدنيا الأربع، مع تجنب الوقوع في الاقتراض والإقراض بالفوائد التي يرفضها المسلمون، بحسب أحكام الشريعة الإسلامية.

اعتلى الشيخ عبدالله كامل، رئيس مجلس إدارة المؤسسة وراعي الحفل وصاحب فكرة كتاب سيرة حياة والده الشيخ صالح كامل (1941-2020) خشبة مسرح جامعة الملك سعود التي استضافت معرض الكتاب الدولي هذا الخريف، لعرض نبذة عن الكتاب وتقديم نسخته العربية بعنوان من مكة وإليها: سيرة صالح عبدالله كامل، الذي صاغته الصحافية اللبنانية ندى عيد، التي ألقت بدورها كلمة مؤثرة في الحفل، قدمت فيها الجوانب الإنسانية، قبل العبقرية الاقتصادية، لرجل الأعمال الراحل.

تحدث الشيخ عبدالله كامل بالإنكليزية مقدمًا ملخصًا للنسخة الإنكليزية بعنوان Once Upon A Time In Makkah: The Story of Saleh Kamel, Visionary, Entrepreneur, Philanthropist المقرر إطلاقها في لندن في الشهر المقبل، من منشورات نوماد البريطانية للطباعة والنشر. ويمكن الحصول على الكتاب من دار النسر مباشرة، أو عبر مواقع مختلفة مثل "أمازون".

التمويل الإسلامي
يقدم الكتاب نبذة عن حياة الشيخ صالح كامل، الذي كان له باع في مجال الإعلام. بجانب قيادته الطليعية في بلورة فكرة وأساليب التمويل الإسلامي، قدم لمفهوم الزكاة بدعوته التي طبقها عمليًا في مؤسساته واستثماراته في بلدان عدة.

تشبه مبادرته المثل الصيني الشهير: "اعط رجلًا سمكة تضمن له عشاءً، علمه الصيد فتضمن له غذاءً مدى الحياة". لكن صالح كامل لم يعلمه الصيد فحسب، بل وفر له أدوات الصيد والتدريب، ما ضمن الرزق للآلاف. الفطرة كانت جمع الزكاة لإعادة استثمارها في مشاريع توظيف ورخاء للمحتاجين على الأمد الطول، وأحيانُا مدى الحياة، بدلًا من تجزئتها وتوزيعها على أفراد في حصص تكفيهم يومًا واحدًا.

مساهمات تاريخية
بجانب نشاطه في ميدان الاقتصاد والبنوك الإسلامية، كان للشيخ صالح كامل، كما قال ابنه الشيخ عبدالله في حفل اطلاق الكتاب، في جامعة الملك سعود مساهمته التاريخية في الاعمال الثقافية والفنية، وفي اطلاق محطة تلفزيون الشرق الأوسط (ام بي سي)، ومحطات راديو وتلفزيون العرب، وفي مشاريع الاعمال الخيرية في المجل التعليمي والتنويري خارج البلدان الناطقة بالعربية التي تدين أغلبيتة سكانها بالإسلام، ضمن مشروع "اقرأ" في المملكة المتحدة والبلدان الاوروبية، والذي اتخذ طابعًا تعليميًا وتثقيفيًا بجانب عمل الخير والإحسان.

*لماذا جمع الكتاب بين الشرق والغرب والشمال والجنوب؟
يقدم الكتاب، وخصوصًا في نسخته الإنكليزية، السيرة الخاصة لشخصية تركت بصماتها في عدة مجالات: الاقتصاد والمال والفنون والثقافة وعمل الخير، وحتى في السينما والتلفزيون. شارك في إعداد الكتاب فريق بحث كبير بين بريطانيا والمملكة العربية السعودية ومصر وبلدان الشرق الاقصى، لجمع تاريخ وانجازات الرجل من زوايا غير مسبوقة.

صاغ الكتاب الديبلوماسي البريطاني السير ويليام بيتي، الذي كان سفيرًا للتاج البريطاني في بلدان عدة، منها المملكة العربية السعودية والسودان وأفغانستان، وهو عرف الراحل عن قرب. شاركته في الصياغة باتريشا لانكاستر، رئيسة تحرير مجلات مجموعة ذي ميدل إيست، وهي مؤلفة سير ذاتية لعدد من زعماء الخليج.

في كلمتها عن الكتاب، قالت لانكاستر إنها كصحفية لأكثر من ثلاثة عقود، كتبت كثيرا عن البنوك الإسلامية وإنجازات الراحل صالح كامل، لكنه لم تعرفه شخصيًا. وشكرت الفرصة التي أتاحتها مبادرة الشيخ عبدالله لتوثيق سيرة والده لمعرفة الكثير عن شخصية الشيخ صالح من خلال ما حكت عنه اسرته، خصوصًا نساء الأسرة وبناته وشقيقاته. تضيف أنها بكل بساطة "وقعت في حب هذه الشخصية الفذة بعد رحيلها عن العالم".

لعل هذه هي الزاوية الجديدة في هذه العمل الأدبي الرائع يمثل إطلالة على قصة رجل من أكثر رجال الاعمال الدوليين والمحسنين نجاحًا في العالم، من نافذة الجنس اللطيف. ففي العادة، تكون كتب السيرة عن الشخص نفسه، من منظور ما تخصص فيه، ومعظهم من الرجال، وكتبها رجال. لكن، استطاعت لانكاستر تجاوز المألوف بتسجيلها برقة وتعاطف مؤثرين انطباعات الأسرة عن الراحل.

اما السير ويليام بيتي فقدم في كلمة قصيرة ملخصًا عن مساهمات أفراد لهم وزن مؤثر في دفع الأجيال إلى الأمام، وفي دفع المملكة العربية السعودية نحو المستقبل في سنوات الماضي القريب، وفي توثيق علاقات صداقة بين الشعبين السعودي والبريطاني، لأكثر من قرن من الزمان.