وجهة نظر اقتصادية: الشروط الاقتصادية لمكافحة الفقر


حسان بيدس


اصبح الفقر ظاهرة عالمية متعددة الجوانب، إذ ازدادت الفوارق الاجتماعية توسعاً في العالمبين الفئات الأكثر فقراً والفئات الأكثر غنى. وما زالت إشكالية الفقر مثاراً للقلق لأنها تعتبر احدى المعضلات التي تعوق حركة التنمية في المجتمعات الفقيرة.

تعاني ثلاث فئات رئيسة من المواطنين من تدني المستوى المعيشي ومن الفقر. وبناء على دخل كل فئة من هذه الفئات، هناك ثلاثة أنواع من الفقر:

1 - سكان دخلهم منخفض

2 - فقر مطلق

3 - فقر نسبي.

تشير تقارير البنك الدولي أنه في بداية الألفية الجديدة كان هناك 2.7 بليون إنسان يعيشون تحت خط الفقر في العالم. أما في عام 2003، فتشير تقارير الأمم المتحدة الى أن عدد الفقراء في العالم اصبح في حدود 2.8 بليوننسمة، أي ما يناهز نصف سكان العالم.

واتضح خلال السنوات الماضية أن المسببات المحلية المؤدية إلى هذه الظاهرة يمكن أن تعزى الى مجموعة من العوامل، منها تفشي ظاهرة الفساد المالي والإداري وإهدار المال العام. كما ان الدول ما زالت تتبع السياسات الاقتصادية الاجتماعية الخاطئة التي تؤدي إلي زيادة التضخم والبطالة وضعف الإنتاجية. كذلك هناك سوء استغلال الموارد الطبيعية داخل القطر الواحد، وعدم توفير الخدمات الرئيسة التي تدفع المجتمعات الفقيرة المهمشة الى التفاعل مع سوق العمل، وتمكنها من إشباع حاجاتها كغيرها من الفئات الأخرى، وتؤدي إلى إغراق اجتماعي نتيجة تدني الأجور وارتفاع تكلفة المعيشة وانخفاض الدخل، ما سبب تآكل الطبقة الوسطى، واتساع طبقة الفقر، وازدياد الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

نرى في هذا السياق أن ظهور النظام الطبقيهو من اكثر مشاكل الفقر تعقيداً، بحيث أدى إلى عدم وجود مشاركة فاعلة بين شرائح واسعة من أفراد المجتمع، للقضاء على التدهور الطبقي من أجل تعزيز العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروات ومعالجة العجز الذي ما زال يزداد باطراد.

ولا بد أيضاً من أيلاء أهمية اكبر للقطاع الخاص في ظل عالم يتحول تدريجاً إلى نظام اقتصادي ميزته العولمة، والذي من المفروض أن تعود فوائده للجميع من دون استثناء.

لكن، وبلا شك، تؤكد الحقائق والأرقام المتوافرة أن معدلات الفقر في تزايد مستمر في غياب حلول وسياسات قادرة على الحد من المشكلة. فمشكلة الفقر ضخمة وعميقة الجذور بحيث لا يمكن التوصل الى حل ناجح لها إلا من خلال التعامل مع جذورها، حتى لا تتفاقم.

تصب مكافحة الفقر في التنمية المستدامة بمفهومها الشــامل. وهي تستلزم تغييراً في المجتمع، وتغييراً في هياكله المادية على المستويين الرسمي والشعبي لحماية الفقراء، لا سيما في مجالات الصحة والتعــــليم وتأمين مرافق البنية الأساسية الاجتماعية والاقتـــــصادية في المناطق النائية الأكثر فقراً، لجعل كل عـــــائلة فوق خط الفقر، وتبني برامج متكاملة للمساعدات المالية الموجهة للأسر التي تواجه ظروفاً مالية صعبة، وبذل الجهود لتوزيع الموارد الاقتصادية والثقافية في شكل عادل بين المناطق للتخفيف من الفروقات الطبقية.

ومن الأولويات التي يجب تبنيها في هذا المجال، برامج التعليم والتدريب المهني، كأحد الموجبات الأساسية للنمو، لتأمين التطور الوظيفي، وتقديم قروض إنمائية بفوائد صغيرة للفئات الأكثر حرماناً في البلاد النامية، لمساعدتهم على القيام بأعمال تتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم لتحويلهم الى عناصر منتجة.

كما يجب النظر إلى زيادة الجهود لتكثيف عملية المشاركة الشعبية في إدارة مؤسسات الدولة، فضلاً عن الحاجة للتخفيف من عبء الضرائب على شرائح اجتماعية معينة، من خلال صوغ سياسة ضريبية عادلة وواقعية تتناسب مع توزيع الدخل واحتياجات التنمية.

ما يمكن قوله في اختتام هذا الاستعراض الموجز، ان عملية مكافحة الفقر تتطلب تفكيراً وتطبيقاً جريئاً. ومن هنا لا بد من العمل على توفيرقاعدة معلومات وبيانات وإحصاءات، وجمع المعلومات المتوافرة لدى الجهات الرسمية التي ظلت ناقصة، في سبيل الحصول على المعطيات الدقيقة عن حالة الفقر التي تعيشها مجتمعات الدول النامية ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وحشد الإرادة الجماعية لتحديث البنية الاجتماعية، ولضمان جميع بنود حقوق الإنسان بما في ذلك الحق في تنمية المجتمع.

أما الأهم من هذا كله، فهو عدم الإجحاف بحق الأجيال عبر تعزيز مشاركة فئات الشعب كافة من دون تمييز، والسعي لإنشاء صندوق موحد لاستقطاب المساعدات وتوحيد الجهود واعتماد أسس علمية عادلة وفقاً لاستراتيجية وطنية لمكافحة الفقر.