د.منير حداد

بدأت الحكومة المغربية الجديدة أعمالها يوم 18 أكتوبر الماضي برئاسة السيد عباس الفاسي، بحضور 10 وزراء من التكنوكراط، مما يدل على وعي حزب الأغلبية و المؤسسة الملكية، على حد سواء، بأهمية الكفاءات لإدارة أولويات الدولة في مجال الإصلاحات الاقتصادية لرفع نسبة النمو الاقتصادي إلى ما لا يقل عن 6-7في المئةسنويا.

و لا بد من التنويه هنا بان المغرب لم يحقق إلا نموا ضعيفا على مدى العقود الأخيرة، مقارنة بمعدل الدول النامية (5في المئة). و تزامن هذا مع نمو سكاني مرتفع نتيجة فشله في تحديد النسل بتأخره في إصدار مدونة حقوق المرأة، مقارنة بالسباقة تونس التي اعتمدت هذه الاصلاحتات غداة حصولها على الاستقلال في العام 1956.

اليوم و النمو السكاني قد انخفض إلى حدود 1% سنويا، فالعامل الوحيد المتبقي الذي بإمكانه إخراج المغرب من المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية التي يتخبط فيها هو رفع نسبة النمو الاقتصادي. و قد اثبت تجارب الإصلاحات الاقتصادية في الهند و دول البلطيق و حتى بعض الدول العربية مثل الأردن في الفترة الأخيرة أن تحقيق نمو سنوي بحدود 7% أمر ممكن. على هذا الأساس، فان الأولويات الاقتصادية للحكومة المغربية يجب أن تكون الإصلاحات و الإجراءات التي تحقق هذا الهدف.

العامل الأساسي لضعف النمو الاقتصادي في المغرب هو ضعف نسبة الاستثمار من الناتج المحلي الإجمالي، الذي لا يتجاوز حسب التقرير الإحصائي الأخير لصندوق النقد الدولي 16في المئة، مقارنة بــ 30في المئةفي الدول سريعة النمو. و نقطة الانطلاق لعملية الإصلاح هذه يجب أن تكون تقرير البنك الدولي الأخير quot;ممارسة أنشطة الإعمال 2008 quot; (موقع: www.doingbusiness.org ) ، الذي صنف المغرب في المرتبة 129 عالميا، بعد أن تأخرت 8 نقاط مقارنة بالسنة السابقة.

من أهم العراقيل التي يشير لها التقرير تعقيد إجراءات التراخيص لإنشاء المشاريع الاستثمارية الجديدة، التي تكلف صاحبها 335في المئةمن معدل دخل الفرد في المغرب، مقارنة بنسبة 62في المئةفقط في الدول النامية. كما أن إجراءات تشغيل العمالة المعقدة و الموروثة عن الحقبة السابقة التي كان يعتمد خلالها الاقتصاد الوطني على مؤسسات القطاع العام و الحماية من المنافسة الأجنبية لم تعد تناسب الاقتصاد التنافسي المنفتح على الخارج. لذلك حصل المغرب على علامة 63 في مؤشر مرونة سوق العمل مقارنة بــ 31، معدل الدول المتقدمة. و النظام الضريبي معقد و بنسته مرتفعة على أرباح الشركات (29في المئة).
و المرجع الثاني للإصلاحات المغربية هو تقرير التنافسية الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، الذي صنف المغرب في فئة الدول الأقل تقدما، و جاء ترتيبه خلف مصر و ازربيجان و الفيليبين. و يعكس هذا ضعف المؤسسات المغربية و عدم قدرتها على اقتحام الأسواق الخارجية، رغم اتفاقيات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي و أمريكا. لذا من المهم مراجعة عناصر هذا المؤشر و العمل على تلافي نقاط الضعف باتخاذ الإجراءات اللازمة، على مستوى السياسات و التشريعات و المؤسسات.
إن السبيل لمجابهة هذه المعوقات يتمثل في تشكيل لجنة وزارية مختصة لتدارس كافة المؤشرات الواردة في تقرير البنك الدولي و إعداد رزنامة للإصلاحات، مع تحديد المدة الزمنية لتنفيذها.
كما لا بد من إعطاء دور جديد للقطاع الخاص في مجال البنية التحتية المكلفة جدا لميزانية الدولة، و التي لا تستطيع بيروقراطية الدولة إدارتها بالمواصفات المطلوبة. و قد اتخذ المغرب الخطوة الأولى على الطريق الصحيح عندما عهد بإدارة ميناء طبنجة-المتوسط و المنطقة الحرة التابعة له إلى شركة دبي العالمية. و المطلوب اليوم تعميم التجربة على كافة مطارات و موانئ الدولة. كما لا بد من تشجيع المستثمرين الأجانب لإنشاء مناطق حرة صناعية و خدمية متخصصة في مجالات برمجيات الكمبيوتر و الإعلام و النشر و الرعاية الصحية و التعليم العالي، بناء على نموذج التجربة الناجحة في دبي.
من المهم أيضا أن تشمل الإصلاحات الاستثمار في رأس المال البشري أي التعليم و التكوين المهني. فالتعليم الأساسي تراجع كثيرا في المغرب نتيجة سياسات التعريب و الازدحام في المدارس و قلة الحوافز في القطاع العام، و هو ما يفسر ترتيب المغرب في ذيل القائمة، في الاولمبياد الدولي للرياضيات 2003. كما لا بد من إعادة توجيه الموارد الحكومية إلى التعليم الأساسي و التكوين المهني و إعادة هيكلة التعليم الجامعي بالتركيز على التخصصات التطبيقية التي تلبي احتياجات قطاعات الصناعة و السياحة و الخدمات الأخرى. و لا بد هنا من تشجيع رأس المال المحلي و الأجنبي الذي اهمكل دوره بدليل عدم وجود أية مؤسسات جامعية مرموقة في المغرب تزاحم الجامعات الأمريكية في القاهرة و بيروت. و في هذا خسارة مضاعفة للمغرب تتأتى من الطلبة المغاربة الذين يضطرون للدراسة في الخارج و من عدم قدرته على جلب الطلبة الأجانب و هو مصدر هام للعملة الصعبة.
لقد أثبتت تجربة الدول الشيوعية سابقا إن الإصلاح الشامل و السريع و المعلن بوضوح من طرف صناع القرار يوفر أفضل حظوظ النجاح. و ينطبق هذا على دولة مثل المغرب التي ثبت فيها فشل الإصلاحات الجزئية في الماضي.
________________________________
كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن.
[email protected]

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلافتسبب ملاحقة قانونية