د. عبد العزيز مسعد الوذيناني
خلال فترة لا تتجاوز الأشهر الثلاثة ارتفع مؤشر سوق الأسهم السعودي بأكثر من 47 في المائة، مما لاشك فيه أن هذه الارتفاعات تثلج صدور الكثير خاصة المتعاملين في سوق المال، ولكن هناك العديد من الأسئلة تدور في أذهان الكثير من المهتمين بسوق المال السعودي، منها: هل لهذه الارتفاعات المتتالية والمتسارعة ما يبررها من وجهة نظر اقتصادية؟ هل هناك تغيرات جوهرية في الاقتصاد السعودي أو في أساسيات الشركات المدرجة في سوق المال تسّوغ هذه الزيادات الكبيرة في أسعار أسهم هذه الشركات؟ وأخيراً: هل هذه القفزات الحادة في مؤشر السوق صحية ومفيدة لنمو السوق وتطوره؟
وفقاً للنظرية الكلاسيكية للسوق (السوق الكفء) فإن القيمة السوقية لأي سهم دائماً تعكس قيمته الحقيقية (العادلة)، وإذا حدث اختلاف بين القيمة السوقية للسهم وقيمته العادلة فإن آلية السوق (العرض والطلب) كفيلة بدفع هذا الفرق للتلاشي دون بطء. فعلى سبيل المثال، إذا كانت القيمة العادلة لسهم شركة معينة 120 ريالاً، بينما هذا السهم يتداول في السوق عند 130 ريالاً (السهم مُسعّر بأكثر من قيمته العادلة) فإن مُلاك هذا السهم سيقومون بعرضه للبيع، ولأن لا أحد يريد شراء سهم بأكثر من قيمته العادلة، فإن الكميات المعروضة للبيع من هذا السهم ستتجاوز الكميات المطلوبة للشراء منه، وبذلك تتراجع قيمة السهم السوقية حتى تتساوى مع قيمته العادلة (120 ريالاً)، والعكس صحيح.
بما أن القيمة الحقيقية للسهم غير معروفة لذلك نقوم بتقديرها باستخدام طرق تقييم عدة، وهذه الطرق المختلفة تنتج عنها قيمٌ مختلفة، فالاختلاف هنا ليس في القيمة الحقيقية، وإنما في تقديرنا لها، وحسب نظرية السوق الكفء فإن أي تغير في القيمة السوقية للسهم لا تحدث إلا لأحد السببين التاليين أو كليهما معاً:
(1) اكتشافات سعرية جديدة و/أو.
(2) تغيّر في تلكفة رأس المال.
فالاكتشافات السعرية الجديدة تحدث عندما تتوافر للسوق معلومات جديدة لم تدخل في عملية تكوين الأسعار الحالية أو عندما يكتشف السوق بأن الأسس التي على أساسها تم تقييم سهم معين غير مكتملة نتيجة عدم دقة معلومة معينة، في هذه الحالة فإن السوق يقوم بتصحيح نفسه بنفسه من خلال تحول القيمة السوقية لهذا السهم نحو قيمته العادلة كما يتضح لنا من المثال السابق. أما فيما يتعلق بأثر التغير في تكلفة رأس المال على قيمة السهم فيمكن فهمهُ من خلال الآلية التي يتم بموجبها تقدير القيمة العادلة للسهم. فالقيمة العادلة للسهم هي عبارة عن إجمالي التدفقات النقدية المستقبلية (المُقدرة) المرتبطة بهذا السهم مخصومة باستخدام تكلفة رأس المال، فعندما تتغير تكلفة رأس المال (وأقصد التغير الدائم) فإن القيمة المقدرة (القيمة العادلة) للسهم سوف تتغير، وهذا بدوره يؤدي إلى تحرك القيمة السوقية للسهم باتجاه التغير في قيمته العادلة. من هذا يمكن القول إن أي انخفاض في تكلفة رأس المال سوف يؤدي في المقابل إلى ارتفاع القيمة العادلة للسهم وبالتالي ترتقعُ قيمتهُ السوقية والعكس صحيح.
ربما يعتقد البعض أن تخفيض أسعار الفائدة على الودائع أو السماح للإخوة الخليجيين بدخول سوق الأسهم السعودي أو إقرار السوق الخليجية المشتركة المُزمع إطلاقها مع بداية العام الجديد 2008 كان لها تأثير كبير في تكلفة رأس المال مما أدى بدوره إلى إعادة تقييم لسوق الأسهم.
فمن وجهة نظري فإن هذه الأحداث لن تؤدي إلى انخفاض دائم في تكلفة رأس المال يستوجب إعادة تقييم الأصول في الاقتصاد السعودي وذلك للأسباب التالية:
أولا: كل الدلائل تشير إلى أن التغيرات في أسعار الفائدة على الودائع هي تغيرات قصيرة الأجل ومؤقتة، فربما يكون لها بعض الأثر في تحريك السيولة من البنوك إلى قطاعات أخرى من الاقتصاد ومن ضمنها سوق الأسهم، ولكن لن يكون لها تأثير يُذكر فيما يتعلق بإعادة تقييم الأصول في الاقتصاد.
ثانياً: لا أعتقد أن السوق الخليجي المشترك وفتح السوق السعودي أمام المستثمرين الخليجيين سوف يكون له أثر يذكر بالنسبة لتوزيع المخاطر(أي التقليل منها) التي تُمثل جزءا كبيرا من تكلفة رأس المال وذلك لسببين: السبب الأول هو أن اقتصادات الدول الخليجية متجانسة ومتكاملة إلى حدٍ كبير، فالسماح للإخوة الخليجيين بدخول سوق المال السعودي لن يضيف شيئا فيما يتعلق بتكلفة رأس المال، والسبب الثاني هو أن جميع اقتصادات دول الخليج تعتمد بشكل كبير على البترول ومشتقاته وهذا يجعل اقتصاد دول الخليج تحت رحمة التقلبات الكبيرة في أسواق الطاقة العالمية وهذا في حد ذاته يمثل واحدا من أهم عوامل المخاطرة التي تشترك فيها الأسواق الخليجية دون استثناء. وبناءً عليه فإني أستبعد تغير تكلفة رأس المال كمبرر للتغيرات السعرية الكبيرة التي تتجاوز 47 في المائة من قيمة المؤشر خلال فترة زمنية قصيرة جداً.
بعد استبعاد أي تغير في تكلفة رأس المال كمسوّغ للارتفاعات الكبيرة في قيمة مؤشر سوق الأسهم خلال الأشهر الثلاثة الماضية، دعونا نعود الآن إلى الاكتشافات السعرية لنرى هل يمكن أن تُفسر لنا الزيادات المتسارعة والمتتالية في القيمة السوقية للأسهم المدرجة في سوق المال؟ بمعنى آخر: هل هناك تغيرات في أساسيات الاقتصاد السعودي أو الشركات تبرر لنا ارتفاع مؤشر سوق الأسهم بأكثر من 47 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الماضية؟
في البدء لا يختلف الكثير على أن أسهم بعض القطاعات في السوق السعودي وخاصة قطاع الصناعة، وقطاع الأسمنت، وإلى حدٍ ما قطاع البنوك كانت تداول بأقل من قيمها العادلة قبل موجة الارتفاعات الحديثة بنسب مختلفة قد تصل إلى 30 في المائة للقطاع الصناعي، و22 في المائة لقطاع الأسمنت، وبنسبة أقل للقطاع البنكي، وكذلك كانت هناك قطاعات مقيمة بأعلى من قيمها العادلة مثل قطاع التأمين وقطاع الزراعة هذا بشكل عام على الرغم من أن هناك بعض الاستثناءات المحدودة داخل بعض القطاعات المشار إليها. بناء على ما تقدم فإننا نستطيع القول إن جزءا لا يستهان به من القفزات السعرية التي شهدها السوق في الأشهر الثلاثة الماضية وخاصة في القطاع الصناعي وقطاع الأسمنت وإلى حدٍ ما القطاع البنكي هي اكتشافات سعرية تصحيحية وأيضاً تعكس نمو الأرباح الجيد في الربع السنوي الثالث في القطاع الصناعي على وجه الخصوص (مع العلم أن معظم معدلات نمو الأرباح المحققة كانت متوقعة ولم يكن فيها شيء من المفاجآت للسوق). ولكن هذه الارتفاعات الحادة في قيمة المؤشر خلال فترة قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أشهر خلقت نوعا من التفاؤل المفرط لدى المتعاملين في السوق، مما دفع القيم السوقية لجميع القطاعات باستثناء قطاعين فقط (قطاع الأسمنت وإلى حد ما قطاع الاتصالات) إلى مستويات سعرية جديدة أعلى بكثير من القيم العادلة لتلك القطاعات.
بناء على ما نستطيع استقراءه من مؤشرات الاقتصاد السعودي فإن مؤشر السوق عند 11.350 نقطة (مستوى الإغلاق لفترة عيد الأضحى المبارك) مُتضخم (أي مُقيّم بأعلى من قيمته العادلة) بنسبة لا تقل عن 18 في المائة على أقل تقدير، فالقيمة العادلة للمؤشر من وجهة نظري لا تتجاوز حدود 9.300 نقطة. هذا فيما يتعلق بوضع السوق خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الحالي 2007، ولكن الأهم ونحن على مشارف بداية العام الميلادي الجديد 2008 هو إلى أين سوف يتجه السوق؟
بما أن السوق يتجه إلى استهلال السنة الجديدة بأسعار أكبر بكثير من قيمته العادلة فإن توقعاتي لأداء السوق في السنة المقبلة 2008 تكاد تنحصر في احتمالين: الاحتمال الأول أن يقوم السوق بتصحيح نفسه خلال الأسابيع الأولى من السنة الجديدة، وبما أن السوق ينقصهُ العمق فمن الطبيعي في هذه الحالة أن نرى المؤشر يتذبذب في حدود لا تتجاوز 10 في المائة على جانبي قيمته العادلة خلال 2008 مع التوقع أن يقترب المؤشر من 10.200 نقطة مع نهاية السنة ما لم يحدث بعض الأمور غير المتوقعة، والاحتمال الثاني أن يستمر المؤشر في الصعود، وبالتالي تصبح الأسعار أكثر تضخماً وهذا حتماً سوف يمهد الطريق لانهيار جديد شبيه بما حدث في شهر شباط (فبراير) لسنة 2006، وإذا حدث هذا السيناريو فإن هناك احتمالا كبيرا أن يعود السوق مرة أخرى إلى أدنى مستوى وصل إليه هذا العام، فمن خلال قراءتي لسلوك السوق في الفترة الأخيرة تكوّنت لديّ قناعة لا بأس بها بأن السوق يتجهُ نحو الاحتمال الأخير، حيث إن معظم العوامل التي أدت إلى ارتفاع مؤشر السوق إلى مستوى 21.000 نقطة في بداية عام 2006 ومن ثم انهياره على النحو الذي نعرفه جميعاً ما زالت حاضرة وبقوة، ويبدو أننا لم نتعلم الكثير من تلك الأزمة ولم نعالج نقاط الخلل التي خلقت البيئة المناسبة للارتفاعات السابقة غير المبررة والتي بدورها جعلت انهيار السوق شيئا محتوما.
- آخر تحديث :
التعليقات