فواز العلمي
الذهب الأخضر هو الوقود الحيوي المستخرج من المحاصيل الزراعية ويتكون من نوعين: الأول هو الإيثانول المستخرج من المزروعات السكّرية، ويعتبر من أكثر أنواع الوقود الحيوي كفاءة وتتم إضافته إلى البنزين، والثاني هو الديزل الحيوي المستخرج من الحبوب الزيتية أو زيت النخيل ويضاف إلى ديزل النفط.
في الأسبوع الماضي أعلن الرئيس الأمريكي عن خطة حكومته الرامية لتخفيف الاعتماد على الذهب الأسود من خلال استغلال محاصيل الذهب الأخضر المكونة من الذرة وفول الصويا وقصب السكر لإنتاج 25 مليار جالون من الوقود الحيوي سنوياً خلال عشر سنوات. لتنفيذ هذه الخطة سيتم إنشاء 33 مصنعاً أمريكياً لتكرير الإيثانول سنوياً والتي يتوقع لها أن تستهلك 20% من المحاصيل الزراعية السنوية، وهذا سوف يؤدي إلى تراجع الكمية المعروضة من هذه المحاصيل في الأسواق العالمية ويساهم بشكل كبير في زيادة أسعار المنتجات الغذائية من الحبوب والأعلاف واللحوم والدواجن والألبان ومشتقاتها.
ارتفاع أسعار الذهب الأسود إلى مستويات قياسية دفع الدول المستهلكة للطاقة لتسخير مواردها المالية وعقولها البشرية وتقنياتها المتقدمة لدعم منتجاتها من الذهب الأخضر. هذا ما تسعى إليه أمريكا التي لا يزيد عدد سكانها عن 4% من شعوب المعمورة وتستهلك 25% من مخزون الطاقة العالمي. وكذلك الصين التي كانت تقوم قبل عقد من الزمن بتصدير ربع إنتاجها من طاقة النفط والفحم وأصبحت اليوم مستهلكاً صافياً للذهب الأسود لترتفع وارداتها إلى 8 ملايين برميل من النفط يومياً. أما دول الاتحاد الأوروبي فلقد ركزت جهودها على منح حوافز ضريبية لتشجيع استخدام الوقود الحيوي المستخرج من زيت عباد الشمس وزيت النخيل، ولجأت إلى حقول اللفت في مزارعها المدعومة لإنتاج الوقود الحيوي ليصل إجمالي إنتاجها من هذا الوقود في العام الحالي إلى 3.2 ملايين طن بزيادة قدرها 65% عن العام الماضي مما يجعل أوروبا أكبر منتج للديزل الحيوي في العالم. كما قامت البرازيل منذ سنوات عديدة باستغلال مزارع قصب السكر الهائلة لديها لإنتاج الوقود الحيوي، حيث تشهد البرازيل في الآونة الأخيرة بناء أربعة مصانع لتكرير الإيثانول سنوياً، مما يجعل البرازيل المنتج الأكبر للوقود الحيوي في العالم حيث بلغ حجم إنتاجها من الإيثانول 16 مليار جالون سنوياً، 13 ملياراً منها تذهب للاستهلاك المحلي والمتبقي يتم تصديره للخارج. ومن المتوقع نمو صادرات البرازيل من الوقود الحيوي إلى عشرة مليارات جالون في غضون السنوات القليلة القادمة. وتتوقع وزارة الزراعة البرازيلية أن يبلغ محصول قصب السكر في هذا الموسم إلى 423 مليون طن ليتم تخصيص نصف هذا المحصول لإنتاج السكر والباقي لاستخراج الإيثانول، مما قد يؤهل البرازيل مستقبلاً لكي تتبوأ في هذا المجال مركزاً مرموقاً يماثل المركز الذي تشغله السعودية حالياً في سوق النفط. وفي الوقت الذي تسعى تايلاند لبناء 13 مصنعا لإنتاج الوقود الحيوي بنهاية عام 2007، أقرت وزارة الصناعة الأسترالية أن إنتاج الإيثانول من القمح ينمو لديها بسرعة كبيرة مما سيقلل من كميات الحبوب المتاحة للتصدير. ويقدر مجلس الحبوب الأسترالي أن صناعة الإيثانول تستهلك نحو مليون طن من القمح سنويا كمادة خام.
حتى إسرائيل التي أبرمت في الأسبوع الماضي أحدث اتفاقية دولية لإقامة منطقة تجارة حرة مع مجموعة الميركوسور اللاتينية المكونة من أربع دول وهي الأرجنتين، البرازيل، باراجواي، أوروجواي، كانت تهدف من وراء هذه الاتفاقية في المقام الأول إلى الحصول على بدائل الطاقة من الوقود الحيوي الناتج من مزارع قصب السكر المنتشرة في أمريكا اللاتينية. وفي المقام الثاني تسعى إسرائيل إلى فتح الأسواق الاستهلاكية العالمية على مصراعيها لصالح صادراتها والاستئثار دون غيرها بمكاسب هذه الأسواق عن طريق استثناء هذه الاتفاقات من تطبيق مبدأ حق الدولة الأولى بالرعاية. مع فارق التشبيه، يتساوى عدد سكان مجموعة الميركوسور بسكان العالم العربي البالغ عددهم 250 مليون نسمة. وبينما تتراجع منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى إلى المرتبة السابعة والثلاثين بين أكبر التجمعات الاقتصادية في العالم، تحتل مجموعة الميركوسور المرتبة الرابعة، بعد الاتحاد الأوروبي والنافتا والأسيان، حيث يفوق ناتج المجموعة المحلي الإجمالي 2400 مليار دولار أمريكي سنوياً يساوي أكثر من أربعة أضعاف مثيله في المجموعة العربية. خلال السنوات العشر الماضية تضاعفت صادرات دول ميركوسور أكثر من ثلاث مرّات لترتفع من 80 إلى 274 مليار دولار. أما المجموعة العربية فقد انخفضت قيمة صادراتها العالمية خلال العقدين الماضيين من 13% إلى 7%، علماً بأن أسعار الذهب الأسود ارتفعت خلال نفس الفترة خمسة أضعاف.
خلال المؤتمر العاشر للوقود الحيوي المنعقد قبل شهر في بكين عاصمة الصين أوضح خبراء الطاقة أنه كلما ارتفع سعر برميل النفط عن 60 دولاراً فإن منتجي الإيثانول يحققون ربحا صافيا مقداره 20 دولاراً، وأن زيادة كمية الإيثانول المضافة إلى البنزين بنسبة 15% سوف تساهم في تخفيض سعر بيع المحروقات بنسبة 10%.
بقي أن نعلم أن الدول المنتجة للغذاء مثل الاتحاد الأوروبي وأمريكا والبرازيل وشرق آسيا وأستراليا سوف تؤثر بشكل كبير على أسعار السلع الغذائية الأساسية بسبب سعيها الدؤوب لتقليل اعتمادها على النفط من خلال استخدامها لأكثر من 20% من إنتاجها الزراعي في تصنيع الوقود الحيوي. وإن كان هذا سيؤدي إلى تقليل اعتمادها على النفط المستورد بنسب ضئيلة، إلا أنه سيؤدي حتماً إلى إشعال فتيل أسعار السلع الزراعية في الأسواق العالمية بنسب كبيرة.
* كاتب سعودي
- آخر تحديث :
التعليقات