طلعت زكي حافظ

ارتفاع معدل التضخم في السعودية إلى 6.5 في المائة، ضاعف من قلق ومسؤولية الجهات الحكومية المعنية بكبح جماح. ارتفاع أسعار السلع والخدمات، التي تباع في الأسواق المحلية، كوزارة التجارة والصناعة، وأمانات البلديات وغيرهم، ولا سيما أن هذا الارتفاع الذي حدث في كانون الأول (ديسمبر) 2007، يعد الأعلى تاريخياً منذ 12 عاماً.
مما ضاعف كذلك من قلق الجهات الحكومية، المعنية بمراقبة ارتفاع أسعار السلع والخدمات في الأسواق، ما أظهرته بيانات مصلحة الإحصاءات العامة، من ارتفاع مطرد في مستوى التضخم في السعودية، الذي واصل رحلة الصعود منذ أيار (مايو) 2007، ليصل إلى مستوى 6 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر)، ويصعد بعد ذلك وكما أسلفت إلى نحو 6.5 في المائة في شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، مقارنة بما سجله الرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة لجميع مدن السعودية، من ارتفاع بلغت نسبته 2.2 في المائة في عام 2006.
من بين أبرز التحاليل الاقتصادية، التي قرأتها حول أسباب التضخم، الذي تعانيه السعودية، كبقية دول مجلس التعاون، تحليل للدكتور عبد العزيز العويشق مدير إدارة التكامل الاقتصادي في الأمانة العامة لدول مجلس التعاون، نشر في جريدة quot;الرياضquot; في العدد 14448، الذي حمل فيه الكاتب مسؤولية التضخم في دول المجلس بشكل مباشر إلى السياسات المالية، والنقدية، والتجارية، والصناعية، التي تتبعها دول المجلس.
بالنسبة للسياسة المالية والسياسة النقدية، قد أوضح الكاتب، أن زيادة الإنفاق الحكومي في دول المجلس، بعد سنوات طويلة من التقشف، أسهمت في رفع معدلات التضخم، وبالذات أن هذه الزيادة في الإنفاق، لم يسبقها تهيئة كافية للاقتصاد للتكيف مع ازدياد الطلب الناتج عن الإنفاق الحكومي، كما أن انخفاض قيمة العملات المربوطة بالدولار مقابل العملات الدولية الأخرى غير المسبوق، أسهم كذلك بشكل كبير في رفع معدلات التضخم المستورد، مما ضاعف من مشكلة التضخم في دول المجلس، وبالذات في ظل غياب وجود سياسة تجارية قوية قادرة على حماية المستهلك، الأمر الذي أفسح المجال أمام الكثير من التجار لرفع الأسعار بشكل غير مبرر وخارج عن السيطرة، كما أن السياسية الصناعية، التي تنتهجها دول المجلس، المتمثلة في توفير الحماية الجمركية لمئات من السلع، أسهمت بشكل كبير في رفع أسعار السلع المستوردة والمصنوعة محلياً.
بالنسبة للوضع المحلي فقد حمل عدد كبير من المواطنين، بما في ذلك الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، مسؤولية ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، لوزارة التجارة والصناعة، التي من وجهة نظرهما، لم تتعايش مع شكاوى المستهلكين من الارتفاع القياسي في أسعار السلع والخدمات، ولم تتعامل مع الأمر كما ينبغي، مما فسح المجال أمام بعض التجار، لكي يستغلوا الوضع ويرفعوا الأسعار بما يناسبهم.
الدكتور هاشم بن عبد الله يماني وزير التجارة والصناعة، أوضح لوكالة الأنباء السعودية (واس)، في تصريح له نشرته quot;الاقتصاديةquot; في العدد 5211، أن مهام وزارة التجارة والصناعة، تنحصر في الحد من ارتفاع الأسعار في الأسواق، والتأكد من توفير السلع المطلوبة للمواطن، ومن وجود بدائل لهذه السلع، ومن وجود منافسة بين التجار، لوصول الأسعار إلى متناول المستهلك، موضحاً في هذا الخصوص، أن معالجة موضوع الأسعار تعد مسؤولية الدولة بجميع أطرافها، لأن هناك إضافة إلى السياسة التجارية، سياسية مالية، ونقدية، تتحكم في السيولة المتوافرة في السوق، كما أن سرعة طرح المشاريع ونموها وعلاقة الريال بالدولار، له تأثيره في ارتفاع الأسعار، مؤكداً في السياق نفسه، على المواطن ألا يبحث عن حلول سحرية من جهة واحدة لمعالجة ارتفاع الأسعار.
تباينت آراء المواطنين حول معالجة مشكلة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، وفق استفتاء للرأي العام شمل 1036 مشارك ومشاركة، أجرته جريدة quot;عكاظquot;، ونشرت نتائجه في العدد 15120، حيث رأى 95.5 في المائة منهم أنه في حال تم إقرار زيادة الرواتب، سيتبعها ارتفاع مباشر في أسعار السلع والمواد الأساسية، بينما رأى 90.5 في المائة أن الحل الأمثل لتخفيض نسبة التضخم وتحسين مستوى معيشة الفرد، لا يتأتي سوى من خلال، تخفيض أسعار السلع والمواد الغذائية وضبطها، وتخفيض أسعار ورسوم الخدمات الأساسية والفرعية المفروضة على المواطن والمقيم، كتعرفة الكهرباء وأسعار الاتصالات ورسوم إصدار رخص السير، ورسوم الإقامات وجوازات السفر والتأشيرات وغيرها من الخدمات الأساسية.
في رأيي hDD أن الخروج من مأزق ارتفاع الأسعار ومعالجة تفشي ظاهرة غلاء المعيشة ببلادنا، يتطلب لربما التفكير بشكل جدي في إنشاء وزارة للتموين، وكما هو واقع الحال بالعديد من دول العالم، حيث تكون من ضمن مهامها ومسؤولياتها، الضبط والتحكم في انفلات الأسعار، والتدخل في تنظيم الأسواق المحلية، والتأكد من وجود أسواق موازية، وأن آلية وأدوات حماية المستهلك تعمل كما يجب، بما في ذلك إقرار قواعد المنافسة الشريفة بالأسواق، وتنظيم العمليات المرتبطة بدعم السلع المحلية ومنح الإعانات، بما في ذلك الاستيراد.
هذا الحل، قد يكون الأجدى في ظل ضعف إمكانيات وزارة التجارة والصناعية الحالية، المرتبطة بتوافر الجهاز والكوادر البشرية والفنية اللازمة لمراقبة الأسواق، ولاسيما أن الوزارة في الوقت الحاضر، مثقلة بأعباء وبمسؤوليات كبيرة، تستوجب فصل مهام التجارة الداخلية عنها، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، المهام الصناعية، والمهام المرتبطة بتبعات انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية، وبالله التوفيق.
مساعد مدير عام البنك الأهلي التجاري ــ مستشار وكاتب اقتصادي