بهية مارديني من دمشق: كان من المفترض بإقرار مجلس الوزراء في سوريا لـ quot;مشروع قانون التطوير والإستثمار العقاريquot; توفير المرونة في تطوير المناطق العقارية وتأمين الأراضي التي تحتاج إليها المشاريع الإسكانية وسرعة تصديق مخططاتها التنظيمية والترخيص لها، إلا أن الأسعار بقيت كما هي عند قمم ملتهبة تكوي المقبلين على الشراء دون أن تتراجع ولو بجزء بسيط.
بين الرؤية الحكومية والواقع
وعلى الرغم من أن المشروع يتيح، بحسب الحكومة quot;إنشاء شركات مساهمة عقارية تتمتع بالإعفاءات التي تضمنها قانون الاستثمار رقم 8 لعام 2007quot; إلا أن هذا الكلام يبقى في إطار quot;الكلام الورديquot; الذي لم يؤثر على أسعار الشقق بشكل عام .حيث كان من المفترض أن يقوم مجلس الوزراء بمتابعة إقرار مجموعة من مشاريع القوانين والقرارات التي ستصدر حول quot;التمويل والرهن العقاري والتخطيط الإقليمي والضواحي والمجتمعات العمرانيةquot;بهدف إحداث مجتمعات عمرانية سكنية وسياحية جديدة .
وتأمل الخطط الحكومية بأن quot;تسهم معالجة مشكلات السكن العشوائي ومناطق المخالفات وتأمين السكن الملائم والمناسب لمختلف الشرائح الاجتماعية من حيث التكلفة المادية والشروط الصحية والاجتماعيةquot; لم تأت أكلها ولم يلحظها احد.
وقد توقع حمود الحسين وزير الإسكان والتعمير السوري أن قانون التطوير والاستثمار العقاري سيؤدى quot;إلى ضبط موضوع أسعار العقارات بشكل كامل على مستوى سوريةquot; إلا أن الأسعار كما يقال quot;سقفت وبالذات في دمشق وريفها وحلبquot; أي أنها وصلت إلى سقفها ولم تهبط بشهادة من التقيناهم من المكاتب العقارية والزبائن إلا أنها جمدت .
وأوضح الوزير السوري وجهة نظره ، في أن السبب الرئيس في غلاء العقارات يعود quot;لعدم إيجاد آليات سريعة لانجاز المساكنquot; ، مشيرًا إلى أن القانون quot;سيتيح إيجاد بيئة تشريعية مناسبة لتأمين الأراضي بشكل سريع وبالتالي سيؤمن السكن الملائم لمختلف الشرائح الاجتماعيةquot;.
وقال الحسين إن قانون التطوير العمراني سيوفر quot;الإمكانيات الفنية القانونية للدخول في مناطق المخالفات والسكن العشوائي ومعالجتهاquot;، مؤكدًا أن المعالجة ستكون quot;من كافة النواحي الاجتماعية وتأمين السكن المناسبquot;.
كما قالالمدير العام للمؤسسة العامة للإسكان عمر غلاونجي إن قانون التطوير والاستثمار العقاريquot; سيسمح بتأسيس شركات تطوير عقارية مشتركة ويمكن لكل المواطنين السوريين المساهمة فيهاquot;. وأضاف أن ذلك quot;سيسمح أيضًا بسحب السيولة الموجودة حاليًا في السوق والتي يتم تداولها في المضاربة بالعقارات والمساكن القائمة لوضعها في شركات تنتج عقارات جديدة وتخفف من الأزمة الموجودة حاليًاquot;.
وشهدت المناطق المختلفة في العواصم الكبيرة كدمشق وحلب ارتفاعًا كبيرًا للأسعار في سوريا في السنوات الأخيرة . ويرجع الخبراء الاقتصاديون أسباب هذا الارتفاع إلى عوامل، تتعلق بتقلب سعر صرف الدولار في السنة الماضية، إضافة إلى حصول عمليات مضاربة واسعة في العقارات من قبل الكثير من تجار البناء وتحكمهم في الأسعار عبر quot;لوبياتquot; في كل منطقة ، وتوافد أعداد كبيرة من العراقيين إلى سوريا في السنوات الأربعة الأخيرة، ولكن رغم عودة العراقيين إلى بلادهم إلا أن الأسعار ما زالت في أوجها .
ووصل سعر المتر المربع في منطقة جرمانا ( ريف دمشق ) على سبيل المثال إلى 30 ألف ليرة سورية، وكذلك في منطقة حرستا في ريف دمشق. بينما تجاوز سعر المتر في بعض المناطق في دمشق 100 ألف ليرة، ووصل سعر المتر المربع في منطقة أبو رمانة والمالكي الشهيرتين في قلب العاصمة دمشق 200 ألف ليرة سورية، كما تشير الأخبار إلى أرقام خيالية في المالكي وحي كفر سوسة الجديد .
هبوط أسعار العقارات = صفر
وعلى الرغم ممّا تردد في وسائل الإعلام عن تراجع طفيف في الفترة الأخيرة لأسعار العقارات في سوريا وإرجاعه لعودة بعض اللاجئين العراقيين إلى بلادهم، إلا أن أثر ذلك على ارض الواقع صفر. وإن كانت الحكومة قد أدركت أن الاستثمار العقاري الخاص هو الحل الأنسب للخروج من أزمة السكن، إلا أن زيارة إلى مكتب أبو احمد المحروس في منطقة حرستا أو احد أفراد عائلة الفرخ الذين يعملون في العقارات في حرستا تعلم أن مشروع القانون السوري الجديد الذي يهدف بحسب صيغته إلىquot;إحداث هيئة عامة تسمى الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري وتتولى تنظيم أعمال التطوير العقاري وتشجيع الاستثمار فيه وتفعيل دور القطاع الخاص الوطني في هذا الإطار وجذب الاستثمارات العربية والأجنبية للمشاركة في التطوير العقاريquot;، ليس إلا في إطار الخيال، خاصة وأن الاستثمارات العقارية العربية والأجنبية والمشتركة ليست لعامة الناس ومحدودي الدخل والطبقة المتوسطة بل هي لذوي الدخول المرتفعة والمرتفعة جدًا.
وسجلت الإيجارات انخفاضًا عامًا يصل إلى حوالى 20 في المئة مقابل 10 في المئة انخفاض في أسعار العقارات منذ بداية العام الحالي. ولعل الانخفاض البسيط لا يعني شيئًا أمام الارتفاع الذي حظيت به العقارات في سوريا، فخلال زيارة لأحد المكاتب العقارية في حي القصور بدمشق التقت quot;إيلافquot; مع مازن محمد الذي أكد أن أسعار العقارات لم تنخفض. وقالquot;أنا أريد الشراء لكن الأسعار مرتفعة، ربما لو أردت البيع لقالوا لي إن الأسعار انخفضتquot;.
وكان العديد من الباحثين قد توقعوا أن هذا الانخفاض سيستمر وصولاً إلى الأسعار الحقيقية للعقارات والإيجارات وخاصة في ظل إصدار قانون الاستثمار العقاري قريبًا، وأكدوا أن الأسعار الحالية هي أسعار مبالغ فيها ولا تتناسب مع التكاليف الحقيقية للعقارات. وقال الدكتور الياس نجمة الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق وعضو البرلمان السوري السابق ان ما يشاع عن انخفاض الأسعار quot;ناجم عن الجمود والركود الاقتصادي العام والذي ينعكس بدوره على حركة التبادلات التجاريةquot;، وقال: quot;في ظل وجود عجز كبير في الموازنة الحالية لا استطيع إلا القول أنه سيؤدي إلى زيادة الأسعار وليس انخفاضها فالعجز الكبير محرض على زيادة الأسعارquot; .
وأكد أن quot;أسعار العقارات تتأثر بالطلب الخارجي كما تتأثر بالطلب الداخليquot; وquot;لا يمكن التنبؤ بأسعار العقارات إلا إذا توقفت التوظيفات الخليجية التي نراها في العقاراتquot;.
مشاريع الإسكان
وكشف برنامج في إذاعة دمشق هذا الأسبوع عن وجود عدد كبير من الشباب الذين تقدموا لبرنامج مساكن الشباب منذ أكثر من خمس سنوات،ولم يتسلموها حتى الآن. وفي الحوار المفتوح الذي جمع المتصلين بأحد المسؤولين في البرنامج، أكد بعضهم أنه لم يعلم عن البرنامج إلا بعد انتهاء الإكتتاب.
وكانت الحكومة بحسب مصادر رسمية بدأت بخطة لبناء 100 ألف وحدة سكنية خلال العشر سنوات القادمة. كما تقوم وزارة الإسكان ببناء حوالى 60 ألف شقة للسكن الشبابي بدأت منذ سنوات، ولم تنته حتى الآن. واستأنف المصرف العقاري قروضه التنموية، وذلك بعد توقف دام لأشهر نتيجة تزايد الضغط على الطلب لصالح القروض السكنية، كما استمر في منح القروض العقارية وموّل القرض العقاري ما نسبته 75 في المئة من قيمة الضمان العقاري في حين تبلغ مساهمة المصرف في تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة نسبة 50 في المئة.
وتدرس المؤسسة العامة للإسكان تأسيس شركة عقارية مساهمة في سورية، برأسمال 350 مليون يورو لإنجاز مشاريع عقارية مختلفة، وذلك بالتعاون مع شركة إعمار ومجموعة عارف وشركة الأولى السعودية، والتي ستتولى معالجة مناطق السكن العشوائي في دمشق، وإقامة واحات سكنية، على أن تكون حصة المؤسسة 30 في المئة من رأسمال الشركة المساهمة.
وتحتاج سورية إلى استثمارات تصل إلى 450 ــ 500 مليار ليرة سورية في قطاع العقارات علمًا أن المبالغ المرصودة ضمن خطة الدولة للمؤسسة العامة للإسكان لا تتجاوز 11في المئة أي ما يعادل 45 ألف مسكن، إضافة إلى 60 ألف مسكن هي خطة التعاون السكني. في حين أن خطة القطاع الخاص، تتجاوز الـ 76في المئة من إجمالي الخطة الإسكانية، خلال سنوات الخطة الخمسية العاشرة.
وبدأت المصارف الخاصة في سورية مؤخرًا بمنح قروض سكنية، إلا أن التجربة لم تكن مشجعة مع دخل الفرد المتواضع. حيث يحتاج طالب القرض إلى دخل شهري يعادل ثلاثين ألف ليرة والعديد من المستندات التي قد لا يمكن للمقترض تدبيرها.
الاستثمار العقاري
يرى كثيرون أن قطاع العقارات تحكمه حالة الترقب وليس الجمود بعكس ما يتردد في وسائل الإعلام عن جمود الأسعار عند أسعار مرتفعة. ففي ضاحية الأسد القريبة من حرستا قلت فيها عملية البيع والشراء بشكل عام ولكن أسعارها كانت مرتفعة ووصلت على الرغم من بعدها عن العاصمة.
ويؤكد الإعلامي عماد شعبان الذي كان ينوي تأجير منزله في منطقة صحنايا في ريف دمشق، لكنه بدل رأيه في اللحظات الأخيرة، وقال quot;ما نجده ليس انخفاضًا بل جمودًا ، والاستثمار العقاري ما زال رابحًا، وقد شهدت سوق العقارات جمودًا في حركة البيع والشراء عند الحدود العليا للأسعار التي وصلت إلى الذروة غير الواقعيةquot;. لكنه لم يتوقع أن تعود الأسعار إلى ما كانت عليه قبل أربع سنوات.
من جانب آخر، أكد سمير سيف السعلوق العقارية سوف تبقى على هذا الوضع طالما أن السوريين يضعون مدخراتهم في سوق العقارات لعدم وجود منفذ آخر للاستثمار. كما طالبنا بنظرة فاحصة إلى منطقة ضاحية قدسيا في ريف دمشق، التي وصل فيها سعر المتر المربع الواحد على الهيكل إلى حوالى الـ 40 ألف ليرة ولم يقل عن 25 ألف ليرة كتمليك.
وقال انه ربما اثر توافد العراقيين وخروجهم من سوريا على بعض المناطق مثل جرمانا والسيدة زينب التي تكدس فيها العراقيون، ولكن ماذا عن بقية المناطق؟ quot;إنها فوضى عقارات في سوريا، وقد اعتدنا عليهاquot;، نافيًا أمله في أن يتغير الوضع حتى مع تصريحات الحكومة التي تؤكد جديتها في حل مشكلة العقارات وارتفاع الأسعار.
التعليقات