د . عبدالعظيم حنفي


منذ اكتشاف النفط في تشاد ولم يعرف ذلك البلد الاستقرار . حيث اصابته لعنة النفط التي تصيب الدول الافريقية . وكان النفط اكتشف في منطقة دوبا جنوب البلاد في العام ،1975 وتم حفر 300 بئر هناك . ولكن لم يكن في الإمكان استغلال المزيد من الاحتياطات النفطية حتى عام ،1988 حين انتهت الحرب الأهلية الطويلة وتزايدت الامال الاقتصادية إلى حد كبير بعد مد أنبوب نفط تشاد الكاميرون . وبدأ ضخ النفط عبر الأنبوب في يوليو/ تموز من العام 2003 بطاقة 225 الف برميل يوميا، والذي يغطي مساره 1070 كيلومتراً من دوبا إلى ميناء كريبي الواقع على ساحل الأطلنطي في الكاميرون، وهو المشروع الاكبر في المنطقة الواقعة إلى الجنوب من الصحراء الكبرى في إفريقيا وبلغت تكلفته 4،2 مليار دولار أمريكي وتم بوساطة البنك الدولي . ومع هذا الازدهار الذي أعقب تلك الفترة في مجال النفط، كان من المتوقع أن تتحسن ثروات أهل تشاد على المستويات الفردية والمحلية والوطنية حيث تبلغ عوائدها من النفط الآن ملياري دولار أميركي سنوياً، أي نحو 50% من موازنتها السنوية .



لكن بدلاً من ذلك اتسع نطاق الفقر . وحتى الآن لم تبد الحكومية التشادية أي استعداد لنشر أية سجلات خاصة بالمكاسب والعوائد الناجمة عن مشروع أنبوب النفط . واسباب عدم الاستفادة من الثروة النفطية يمكن ارجاعه الى العديد العوامل اهمها الفساد المتأصل في ظل غياب الشفافية والمساءلة وهما مفهومان مترابطان يعزز كل منهما الآخر . بالاضافة الى ان مداخيل النفط ساهمت في ازدياد هذا الفساد الذي زاد من تشويه دور الحكومة في إعادة التوزيع بطرق لاتعد ولا تحصى . وإذا حصل الأشخاص الذين يتمتعون بعلاقات مواتية مع أصحاب النفوذ على أفضل الوظائف، وعلى العقود الحكومية الأكثر ربحا، وعلى الائتمان المدعم، وعلى الصرف الأجنبي المرتفع القيمة، وهلم جرا، فليس من المحتمل أن تحقق الأنشطة الحكومية أهدافها الرامية الى تحسين توزيع الدخل وجعل النظام الاقتصادي أكثر إنصافا .



وازاء اكتشاف النفط والصراع على السلطة كمدخل للحصول على الثروة، يدور الصراع المسلح والخطير بين الحكومة ومناوئيها، كما ان النفط هو الدافع الرئيسي للاهتمام الفرنسي الكبير بتشاد .



وبالنسبة للدور الفرنسي يقول مؤلفا كتاب ldquo;كيف فقدت فرنسا إفريقياrdquo; إن المعضلة التي واجهت فرنسا وغيرها من القوى الكبرى الأخرى في إفريقيا ما بعد الحرب الباردة، تتمثل في الاختيار ما بين رجال اقوياء في السلطة ودول ضعيفة مهددة بالانهياء، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة للغاية وانتشار الفقر والأمية والأمراض والأوبئة ونقص الثروات الطبيعية، وتراجع الدخل القومي، وعدم وجود موارد حقيقية لتمويل موازنات الدولة وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الداخلية والخارجية، وكان الاختيار الفرنسي لرجال اقوياء لدول ضعيفة مثل تشاد . وحقيقة الاوضاع في تشاد تنبئنا انه لولا النفط لكانت تشاد على الأرجح اكثر استقرارا مما عليه الآن .



خبير اقتصادي مصري