حاورته قبول الهاجري من الرياض: يعتبر الخليج العربي منجمًا ثريًا بالنفط الأسود منذ عقود عدة، ومع تزايد أسعار النفط وغليان التصريحات بين الدول المنتجة للنفط ونظيرتها المستهلكة بشأن بحث حلول مناسبة لإيجاد سعرذي عائد جيد لدول الإنتاج، وفي الوقت ذاتهمناسب لدول الاستهلاك. ومع تضارب التصريحات حول المخزونات المؤكدة لدول الإنتاج زادت أبحاث دول العالم أجمع من أجل توفير مصادر مختلفة للطاقة تقلص الاعتماد على النفط الخام، وتغطي احتياج النمو المتزايد عالميًا. وإن كان الخليج غني بثروته النفطية، فهو غني أيضًا بثروته النقدية من عائدات النفط، سيما مع موجة الارتفاعات الحاصلة والتي ضخت مليارات الدولارات في خزائنه. مما يجعله قوة استثمارية عظمى لها شأن في بحث وتمويل مصادر متعددة للطاقة إلى جانب ما تمتلك من كنوز سوداء دفينة في صحاريها.

وفي حوار لـquot;إيلافquot; التقت فيه مع الدكتور عبد الفتاح طوقان الإعلامي و الخبير الاقتصادي تناقشت معه حول مصادر الطاقة البديلة المتاحة في الخليج، ومدى ملاءة الخليج جغرافيًا واقتصاديًا للاستثمار في هذا المجال.


وفي ما يلي نص الحوار:


مع تواصل ارتفاع أسعار النفط، ما هو مستقبل الطاقة البديلة في العالم عمومًا والخليج خصوصًا؟
موارد العالم تكفي حتى الآن ولكن مع التقدم الصناعي والثورة التكنولوجية والاتصالات وازدياد عدد سكان الأرض، والمتوقع أن يصل إلى تسعة مليار خلال السنوات العشر، والتوسع العمراني الذي يحتاج إلى شبكات كهرباء ومحولات عملاقة وتبريد وتدفئة حسب الجغرافيا، بالإضافة إلى تعطش الدول النامية إلى النفط والغاز الطبيعي ومع غياب التوازن الصحيح للاستخدام في مجالات الطاقة وغيرها من الأسباب الجيوسياسية والعمر الافتراضي للنفط، كل هذا يعجل ويدفع باتجاه الطاقة البديلة في العالم كافة والخليج خصوصًا.


ولا عجب إذا ما شاهدنا حضارات دول صناعية عملاقة تنهار لعدم تمكنها من تأمين احتياجاتها النفطية بالسعر العادي أو نرى حروبًا لتأمين النفط بدون مقابل. العالم بأكمله أمام تحد الطاقة بجزئيه كدول منتجة ودول مستهلكة لا فرق في أزمة بسبب الجغرافيا العالمية السياسية للنفط، وغياب التوازن الصحيح لاستخدام الطاقة. وهذا سينعكس على انتشار الأمراض وتقليل فرص التعلم ووجود حالة من عدم الاستقرار المالي لبعض الدول وانتشار الفقر والجوع والهجرة وارتفاع الضرائب على حدود الدول. وإذا ما أضافنا تغير المناخ فحاجة دول للطاقة ستتغير ازديادًا مما يدفع بضرورة البحث عن طاقة بديلة التي هي مستقبل امن للعالم ورفاهيته وحضارته التي يعيشها اليوم .


تسونامي أسعار نفط كان دافعًا لتسريع خطى للبحث عن مصادر الطاقة البديلة، فهل تراجع الأسعار سوف يقلل من الفرص الاستثمارية في مجال الطاقة البديلة؟
لنتفق أولاً أن الأسعار لن تتراجع والطاقة البديلة مرتبطة بانتهاء عصر النفط، ثانيًا الاستثمار في مجال دراسات الطاقة البديلة ليس حديثًا، وإنما منذ زمن، وإزدهر تحديدًا منذ أن استخدم الملك فيصل بن عبد العزيز ال سعود ملك المملكة العربية السعودية quot;رحمه اللهquot; سلاح النفط في حرب 1973 ،و لم يكن وقتها النفط في أزمة أو نقص . و اليوم، يعود الحديث عن الطاقة البديلة حيث برميل النفط الخام غير مرتبط فقط بأسعار الحاجة بل بعمره الافتراضي أيضًا الذي بدأ يتآكل مع ازدياد الاستخدام والتخزين والتقدم الصناعي والاتصالات والمدن الجديدة والحمى العقارية التي تجتاح العالم عمومًا والخليج خصوصًا.

وللعلم فقط، فإن حجم المبالغ المطلوبة للبحث و الدراسة في احد الوسائل البديلة على سبيل المثال لا الحصر وهي quot;تسييل الغاز الطبيعي quot; تحتاج إلى خمسين مليار دولار للتطوير، وهو ما يساعد في تقديم طاقة توازي ما ينتج عن طاقة منتجة من ست مليون برميل نفط يومي . أما خلايا الوقود الهيدروجيني فيحتاج إلى أربعين مليار دولار للوصول إلى نتائج مرضية و فعالة . الفحم الحجري من جهة أخرى بديل ولكن معالجته بيئيًا تضيف أعباء على التكلفة. يقابل هذا الرقم ستين مليار دولار لحل جزئي لمشكلة الغذاء العالمي . لذا فالعالم في حيرة في أولويات البحث و التطوير .


و هنا أود توضيح مجموعة من النقاط و هي،أولا النفط لم يصل بعد إلى سعر استقرار نهائي و أصبح المرجع لمؤشر السعر هو 135 دولار و لن يتراجع عنه و ليس 25 دولارًا كما في السابق. وما قيل سابقًا على لسان مسؤولي المنظمات النفطية ومؤسسات البحث وبعض وزراء نفط من كون السعر غير طبيعي ونتيجة مضاربات في السوق وسيعود إلى وضعه الطبيعي ثبت عدم صحته ، بل من اعترض على الارتفاع عاد بعد فترة وصرح بمزيد من توقعات الارتفاع .


واعتقد أن البرميل قد يصل إلى سعر متوافق مع سعر برميل الكوكولا بعد خمسة عشر عام أي في حدود أربعمئة دولار و هو رقم ضخم و غير مقبول اليوم بل مؤلم و يبدو غير منطقي ، وقد ينظر البعض إلى الرقم على انه quot;مزحة أو دعابة quot; و لكن مع الشح المستقبلي والندرة المتبقية في حينها والتضخم العالمي والصناعات المتزايدة وغيرها من الأسباب، فإن كل الظروف مهيّأة لذلك الارتفاع. اليوم برميل النفط في عقود آجلة وصل إلى ما يقرب 150 دولارًا و متوقع أن يقفز في غضون شهرين إلى 170 دولارًا إلى أن يقف عند 200 دولار مع نهاية العام . هذا مع اعتبار أن الحرب مع إيران لم تقم بعد ، أما إذا قامت الحرب فأن الوضع مختلف و قد يصل النفط إلى مائتي و ستين دولارًا طيلة فترة الحرب المتوقعة بين 5نوفمبر و 2008 و 20 يناير 2009 .

ثانيا كمية النفط المتوافر كاحتياط كان مقدر له أربعين عامًا منذ عشر سنوات، أما اليوم ومع ازدياد الطلب عليه فالرقم يتراجع خصوصًا مع ازدياد ونمو كثافات سكانية وصناعات في دول مثل الصين والهند اللتين ازدادت حجم صناعاتهما بمقدار 30 في المئة. وارتفع الاستهلاك اليومي من 79 برميل نفط عام 2002 إلى 84.5 برميل يومي عام 2004 إلى 86 عام 2006 ليقفز إلى 90 مليون برميل يومي عام 2008 و هو رقم حرج إذا ما قورن بحجم وقدرة المنابع النفطية على الضخ الذي يعتبر جائرًا في مثل تلك الحالات ويهدد مستقبل الأجيال القادمة. وإذا ما أضيف نسب السكان و الاستهلاك بازدياد مضطرد عكسي مع الزمن المتبقي ، بمعنى كلما زاد العدد و الاستهلاك و التقدم قلت الكميات المتبقية في باطن الأرض و بالتالي قل العمر الافتراضي، والذي يتوقع له خمسة عشر إلى عشرين عامًا في أحسن حال وليس ثلاثين . فالعالم أمام أزمة حقيقة لا أزمة مضاربات كما بحلو للبعض الادعاء.

ثالثا المشاكل البيئية والتلوث الناتج عن المصانع و مخلفات التكرير و طرق معالجة الرواسب التي تؤثر على البيئة.

رابعا الهواجس السياسية وعدم وجود استقرار جيو سياسي في منطقة الشرق الأوسط مع اضطرابات و تهديدات بالقطع و المنع و التقليل من الاستخراج لبراميل النفط في كل من نيجريا و غيرها يؤثر على القرارات . كل هذا يدفع بضرورة تواجد بديل للنفط ولن يقلل من فرص الاستثمار في البدائل له ، و لكن لا بدائل سريعة مثل quot;الوجبات السريعةquot; فهذا يحتاج إلى وقت لتلبية احتياجات عالمية لا دولاً بعينها فقط.


كم عدد مشاريع توليد الطاقة الحالية في الخليج،وما هي ابرز المبادرات الناجحة؟
هنالك مشاريع عملاقة بالمليارات في دول الخليج و شركات أميركية و أوروبية تعمل في كل المجالات ، و اذكر منها مثلا في الإمارات أهم مشروعان هما محطة طاقة شمسية لإنتاج 100 ميحا وات كهرباء لتغذية 20 ألف مسكن ومحطة هيدروجنية لاستخراج محسن للنفط . و هنالك اتفاقات جديدة موقعة مع فرنسا لأجل الحصول على تقنيات محطات الطاقة النووية و أخرى مع أميركا وألمانيا و الصين على الطريق .وكل تلك وغيرها هي من المبادرات الناجحة والآمنة لعصر ما بعد النفط .


أما في قطر فخط أنابيب الغاز الطبيعي من أهم المبادرات وإضافة نوعية في خدمة المجتمع الدولي .والمبادرة السعودية بتطوير وتحديث محطات التكرير مهمة للغاية وتواكب متطلبات البيئة العالمية .

السؤال الذي يتردد دوما هو متى تكون الطاقة البديلة متاحة ؟و ما هو حجمه؟ا و أنواعها؟ و لكم عام ستستمر بعد النفط ؟ و هو سؤال لم تتم الإجابة عليه بعد .

ما هي المشاريع الجديدة المطروحة للاستثمار في مجال الطاقة على مستوى الخليج؟
دول الخليج تحتاج إلى مئة مليار دولار في السنوات العشر القادمة للإيفاء بمتطلبات تلك الدول للطاقة منها 45 مليار دولار للكهرباء وحدها .السعودية بمفردها حصتها 30 مليار في مشاريع تطوير خاصة بتوليد الطاقة الكهربائية حيث أن نسب زيادة الاستهلاك في الكهرباء وحدها هي 7 في المئة في المملكة السعودية و 11 في المئة في الإمارات،و هنالك مئة و تسعة عشر مليار دولار في قطاعات النفط و الغاز . اغلبها في التكرير الذي نمى بنسبة تجاوزت ألفين بالمئة مقارنة بأعداد 2004. و هنالك مشاريع متلازمة و مكملة لتوليد الطاقة و منها محطات تحلية المياه مثلا.


ما هي معوقات الاستثمار في مجالات الطاقة البديلة؟
العالم استخدم في ثمانية عشر عام من 1898 و حتى 1998 ما يوازي تسعة آلاف مليون طن نفط واثنا عشر ألف بليون كيلو وات ساعة . و هذا الرقم تضاعف في الفترة من 1999 و حتى 2008 . و السؤال هو ما هي الطاقة التي بإمكانها أن تحل مكان هذا الاستخدام الضخم عالميا و كم الكلفة لإيجادها أولا و استخدامها ثانيا .هذا الجهد المالي لا تستطيع أي دولة في العالم أن تتحمله بمفردها، ولا حتى دول الخليج معا . مطلوب جهد عالمي كبير . و هذه أول معوقات الاستثمار لارتفاع الكلفة و عدم وضوح فعالية البدائل الفورية.


أتحدث هنا عن العالم الذي يحتاج إلى مفاعلات شمسية تغطي اقل من ربع بالمئة من مساحة الأرض لإنتاج عشرين ألف كيلو وات كهرباء .و إذا ما اقترب الرقم من عشرين مليون طن، فإن هذا الرقم يحتاج إلى ربع مساحة حجم كرة أرضية من المفاعلات .وبالتالي فإن دراسات تكثيف الخلايا وتحديثها أمام العالم تنتظر المزيد من الدراسات والتطوير في هذا المجال . وما ينطبق على ارتفاع كلفة الأبحاث للطاقة الشمسية يمتد إلى غيرها و تبقى طاقة الرياح في السبق و الأهم و الأقدر و الأقرب في الوقت الحالي لتوليد الطاقة بالإضافة إلى الاستفادة من ارتفاعات مناسيب الأنهار لتوليد طاقة من المياه المنحدرة .


ما هي الدولة الخليجية الأكثر جدية في البحث عن مصادر طاقة بديلة؟
الإمارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية في المقدمة و تليها كل من الكويت و قطر و البحرين ، و لكن من خلال مجلس التعاون المشترك فإن الجهد موحد و التشريعات حاكمة للأفضل . و أود الإشارة هنا إلى أن السعودية قد اتخذت خطوات هامة في ترشيد استخدامات الطاقة و فاعليتها بجانب البحث و التطوير و الدراسات في البدائل ، و هي تجربة يشاد بها . وفي الوقت نفسه اتجهت قطر إلى الغاز الطبيعي و قامت بعدد من الدراسات القيمة حول الموارد و الإمكانات و مستقبل الاستخدام الفعال للغاز الطبيعي مما يضاف إلى سجل دول الخليج في البحث عن بدائل متاحة و سريعة و قادرة على تقليل الخلل المتوقع مستقبلا في الاستهلاك غير الآمن للنفط.و الدراسات الكويتية اليابانية في مجالات تطوير تقنيات استخدام النفط و البدائل المتاحة مستمرة منذ الثمانينات .


بشكل تقريبي ما هي الفترة الزمنية التي يمكن فيها انجاز محطة طاقة سواء كانت نووية او شمسية...إلخ؟
هنالك فرق بين محطة الطاقة النووية و محطة الطاقة الشمسية . الأولى مثلا تحتاج إلى جدران بسمكات خاصة و معالجة حرارية للاسمنت و الحديد المستخدم و كيفية التعامل مع الأشعة المنبعثة و السيطرة عليها ، بينما الأخرى تحتاج إلى نوعية خاصة من الزجاج المعالج و طرق التبريد له . أيًا كان، فإن أي بناء ضخم يعتمد على الحجم و الطاقة الإنتاجية و السعة و نوعية التصاميم الإنشائية و ما إذا كانت المحطة تبنى من الألف الى الياء أم تنقل من دولة لأخرى . في العادة فأن المحطة الكهربائية بحجم محطة كهرباء سيدي كرير( و هي ليست نووية و لكن كمثل للنسب و الحجم و الاستخدام ) في مصر و التي تبلغ تكلفتها أربعمائة مليون دولار استغرق تنفيذها و تشغيلها أربع سنوات تقريبا في عهد وزير الكهرباء المهندس ماهر اباظة


تشير المعطيات إلى أن إنتاج الطاقة الكهربائية في الخليج يعتمد على النفط بشكل أساسي،هل من مصدر آخر لتغذية محطات الكهرباء؟
الشمس هي احد البدائل و الطاقة النووية هي البديل الآخر .


الطاقة النووية والوقود الحيوي يتعرضان لمواجهات من قبل النشطاء البيئيين،ما هي فرص نجاحها في الخليج؟
الطاقة النووية مكلفة هي الأخرى و اليورانيوم عمره الافتراضي اقل من عمر النفط و لكنه يبقى بديلاً متاحًا ، أما الوقود الحيوي فلا يصلح لإنتاجه أو استخراجه في الخليج لأن الاراضي بمجملها قاحلة و صحراوية و تعاني من مشكلة الموارد المائية، فهو يعتمد أساسًا على استخراج الوقود الحيوي من النباتات التي تحتاج الماء و الطقس المناسب و الأمطار مثل الايثانول و الديزل الحيوي . هنا تأتي تجربة دبي في الاستمطار الصناعي لتحويل الأرض الصحراوية إلى زراعية و لكنها مكلفة و في طور التجارب بعد .


أمريكا مثلا تنتج الوقود الحيوي من الذرة و لديها خطة لإنتاج سبع و نصف بليون جالون بحلول عام 2012 . و يباع الجالون حاليا بما قيمته خمس دولارات و لكن هذا يفتعل مشكلة غذاء من جهة أخرى إذا طبق عالميا لأنه سيستهلك ما قيمته أكثر من 12بالمئة من إجمالي المحاصيل الزراعية ،و هو ما حذر منه الرئيس حسني مبارك في مؤتمر روما منذ شهر تقريبا. عموما أمريكا تجرى تجارب على وقود حيوي من أشجار و نشارة الخشب في المصانع و أعواد الذرة لا حبوبها .


في الحالتين الخليج سيكون مستخدم أكثر منه منتج ، و الأفضلية ان تقام المفاعلات النووية السلمية في مناطق محددة سلفا و معالجة بيئيا في الخليج لأن مشكلة التخلص من الرواسب و المخلفات النووية مستعصية لدرجة أن أكثر من مئة مفاعل تم إغلاقها عالميًا، و أكثر الدول استخدامًا مثل ألمانيا أغلقت مفاعلات بينما فرنسا هي الوحيدة التي تتعامل مع الرواسب النووية و تتخذ الطاقة النووية كمورد رئيس لأكثر من تسعين في المئة من كهربائها .


قامت الحكومة الإماراتية بضخ نحو 15 مليار دولار أميركي في أبحاث تطوير تقنيات جديدة تساعد على تلبيةاحتياجات الطاقة العالمية في المستقبل، مع تقليل التأثيرات السلبية للبيئة،كيف تنظر لهذه التجربة؟
هذه تجربة فريدة و متميزة ، و الإمارات اتجهت من فترة لبناء محطة كهرباء عملاقة لإنتاج الكهرباء النظيفة باستخدام الطاقة الشمسية البديلة لتغذية 20 ألف مسكن و بطاقة 100 ميجاوات في ابو ظبي و هي اكبر من محطة اسبانيا و ألمانيا . والآن تتجه إلى محطة طاقة هيدروجينية في مدينة خضراء سيقطنها حوالي أربعين ألف ساكن في خطوة أمام تحدى الاحتباس الحراري و توفير الطاقة البديلة .

والإمارات تستعد لحقبة قادمة ضمن توجهات وورؤى ثاقبة لمرحلة ما بعد النفط . المحطة الهيدروجينية تشطر الغاز إلى هيدروجين و ثاني أكسيد الكربون المسئول عن التلوث البيئي و الاحتباس الحراري . هذا الكربون سيتم حبسه وضخه في منابع النفط في طريقة جديدة لاستخراج نفط نظيف فيما أطلق عليه استخراج محسن للنفط ، و هو ما يقلل من الآثار السلبية المؤثرة على البيئة . إنها فكرة رائدة تحتاج إلى مزيد من إلقاء الضوء عليها ودراستها لتعميمها . ولكن التكلفة مرتفعة ولا يقدر عليها إلا دولاً بعينها .


هل من الممكن أن تكون الخليج منتج رئيسي للطاقة البديلة كما هي منتج رئيسي للنفط باعتبار قدرتها استطاعتها المالية،أم ستكون التبعية للدول الصناعية باعتبار تجاربها الحثيثة؟و ما هي المصادر المتاحة لإنتاج الطاقة في الخليج؟
الخليج له دور بلا شك في البحث و تمويل الدراسات عن البدائل حتى انتهاء عصر النفط ، وبالتأكيد فأن الذكاء النفطي في الخليج سيلعب دورا في مرحلة ما بعد النفط لأنه يملك المال و سيتكدس لديه ثلاثون تريليون دولار خلال اقل من عشر سنوات بسبب النفط و ارتفاع عوائده . و بالتالي إمكانية النظر في بدائل متاح خصوصا في هذه المراحل و في مجال الطاقة الشمسية أكثر من غيرها , ويمكن عندها بإقامة خط خماسي لإيصال الطاقة الناتجة عبر شبكات إلى دول أخرى في المنطقة ، و لكن الخليج يطلب منه الغرب في أول مرحلة التمويل للدراسات و الأبحاث و المشاركة في تمويل مشاريع الطاقة المتجددة و الاستثمار فيها وفي مرحلة ثانية إقامة مفاعلات لإنتاج طاقة نووية .


و حتى لا تكون التبعية فرضًا ويستمر في حالة الرفاهية والاستقرار السكاني و منطقة جذب ، عليه أن يستفيد من الطقس و الشمس و الحرارة العالية و تحويلها إلى طاقة بديلة . لذا ما إذا اتجه إلى الطاقة الشمسية التي هي طاقة نظيفة و هادئة و قام ببناء quot;مفاعلات شمسية quot; سيقلل من الاعتمادية على الغرب و سيوفر ما قيمته سبعة عشر بالمئة من الطاقة النفطية التي يحتاج إليها خلال سنوات ثلاث.


عمومًا الطاقة الشمسية ، و التي هي مصدر متاح و مجاني في الخليج ، هي تقنية استخدمت في سخانات مياه و أعمدة هاتف و حواسيب صغيرة وبطاريات .و أجريت تجارب على سيارات شمسية في جامعه كوينز في كندا و محطات طاقة في اسبانيا ألمانيا و غيرها من الدول ، و لكن الإمكانية في الخليج هي لمفاعلات شمسية كبيرة وهي ما يجب أن يتجه إليه الخليج مثلما ظهرت في أفلام أميركية .فعلى صعيد عالمي الخلايا الشمسية لم تثبت بعد فعالية كبرى حيث أنها تنتج فقط ما قيمته عشرة بالمئة مما يعكس عليها من ضوء أشعة قادمة من الشمس . و لكن في الخليج و مع البحث و الدراسات و التمويل الصحيح و اللازم الأمور قد تختلف.


والخليج لديه إمكانية استخدام الطاقة النووية كبديل و هو ما تسعي إليه مثلا أمارة ابو ظبي في خطوة رائدة و لكن المشكلة هنا تقع في اليورانيوم الذي يواجه مشكلة العمر الافتراضي مثل النفط. لذا هنالك تخوف من إقامة مفاعلات نووية تتحول مع الزمن إلى هياكل في الصحراء و من ثم تكلفة إزالتها و خطورة مكوناتها قد تكون هي المشكلة عوضا عن الحل .


لكن احد الحلول التي يجب أن تبدأ الآن في الخليج للحد من هدر موارد الطاقة الكهربائية هو أن يعيد النظر في طرق البناء و هندسة العمارة الخارجية للأبنية و الزجاج المستخدم الذي يكلف الدول الخليجية أضعاف مصاريف التهوية و التبريد و التكييف ، ما لم يعاد النظر في أنواع الزجاج و مدى نسبه تعامله مع أشعة الشمس.


هنالك أيضا أنواع مختلفة من الطاقة البديلة المقترحة ، منها الهواء و سبق تجربته بنجاح و لكن لا يوجد هواء في الخليج الحار ، و هنالك الفحم و هو غير متواجد أيضا في الخليج و يعتبر عدو البيئة الأول عالميا و يحتاج إلى كميات كبيرة من الماء في المناجم ، و هو متوافر في أميركا بكثرة حيث أنها تملك 25 في المئة من كميات الفحم العالمي . و أميركا في عام 1990 أجرت تجارب على الفحم المسال كبديل للنفط ، و لكنه لم يصلح بديلا اقتصاديا لأن سعر برميل النفط وقتها كان اقل من 25 دولارًا ، أما اليوم فهو بديل ناجح و تجرى تجارب على الفحم المعالج النظيف .


و بإمكان الخليج بثروته أن يتملك شركات الطاقة البديلة عالميا و هذه بحاجة إلى فريق متخصص من خبراء الاستثمار و الطاقة و الساسة للدخول في هذا العالم دون تحسس احد أو هاجس ، فالقضية هنا فقط اقتصادية استثمارية لأجل عالم متحضر ، حتى لا يتكرر الرفض الأميركي كما حدث مع شركة الملاحة والموانئ التي اشترتها دبي و اعترضت عليه أميركا و شركة quot;كيو ايت quot; التي احتكرت منتجات النفط و محطات البنزين في بريطانيا و كان مقرها لندن و التي احتجت عليها بريطانيا بعد أن امتدت سيطرتها و انتشرت أوروبيا . تلك حالتان تحتاج إلى دراسة و تفهم و قدرة على التعامل مع المجتمع العالمي و هو ما نجحت فيه الكويت و الأمارات .


الشيء الآخر الذي بإمكان الخليج أن يدرسه ، وهو طاقة الأرض الحرارية ، أي الصهد من باطن الارض ، و هي تجربة تقوم بها بعض الدول للحصول على طاقة حرارية من أعماق الأرض و هي تجارب بدأت في عام 2005.