يؤشر تأهل المنتخب الجزائري لكرة القدم، أول أمس الأربعاء، إلى المونديال الجنوب إفريقي، على اتجاه الجزائر إلى تسجيل طفرة اقتصادية حقيقية في غضون الفترة القليلة المقبلة، بشكل من شأنه إحداث تحوّل عميق في بنية المنظومة التجارية المحلية المنهكة. وبدأت ملامح هذه الطفرة تظهر عبر ما شهدته quot;بورصةquot; الأعلام والألعاب النارية وسائر المتعلقات ذات البعد الوطني، من مبيعات قياسية وأرباح طائلة مرشحة للتضاعف والامتداد خلال الأشهر التسعة المقبلة، إذ يُرتقب أن تحافظ هذه الحركية الاقتصادية على ديناميكيتها على الأقلّ لغاية نهائيات كأس العالم، التي ستحتضنها جنوب إفريقيا الصيف المقبل.

الخرطوم: خلافًا لما شهدته السوق الجزائرية من كساد نسبي خلال السنوات الأخيرة، أفضى تألق المنتخب الجزائري لكرة القدم بشكل لافت في إقصائيات الحدث الكروي الأكبر دوليًا، في تغيير وجهة الجزائريين الاستهلاكية بشكل كبير، وهو ما ظهر بوضوح عبر ذاك التهافت القياسي على اقتناء كل ما يرمز إلى الوطن.

ولم يخفِ كثيرون ممن امتهنوا تجارة الألبسة الرياضية الجزائرية ولواحقها هذه الأيام، أنهم جنوا أرباحًا طائلة، وعلى الرغم من غلاء الأعلام والأغراض التي توضع على الرؤوس والمعاصم والأعناق، وتراوح أسعارها بين 400 إلى 2000 دينار (ما يعادل 6 إلى 30 دولارًا)، إلاّ أنّ الجزائريين، من رجال ونساء وأطفال وشيوخ وكبار، اشتروا كل شيء، ولسان حالهم يقول quot;ليس هناك شيء غال، حينما يتعلق الأمر بحب الوطن وتشجيع أبنائهquot;.

الملحوظة نفسها، تنسحب على العالم السمعي - البصري، فآلاف النسخ من أقراص مدمجة وأشرطة كاسيت (17 ألبومًا) التي جرى إنتاجها من طرف 10 فرق للمناسبة، نفذت كلها من الأكشاك، وهو ما شكّل مفاجأة سارة للباعة، ومختلف الفرق الهاوية والمغنين، الذين يتوقع أن يشهد نشاطهم ازدهارًا، بعد نجاح الجزائر في تخطّي عقبة المنتخب المصري.

ويتوقع الخبير الاقتصادي quot;هيثم ربانيquot; في تصريح خاص بـquot;إيلافquot;، أنّ تستمر المبيعات المتعلقة بفوز المنتخب الجزائري بالتكاثر، سواء الأعلام والأقمصة، ويلاحظ رباني أنّ الفوز المحقق على مصر سيحفّز جمهور المستوردين على جلب حجم ضخم من الصين، وكذا من الدول رخيصة المنشأ.

ويتفق هيثم رباني مع المختص quot;أنيس بن مختارquot; في كون سوق الأغاني الرياضية سيأخذ شكلاً أكثر اتساعًا، ويشير رباني إلى ما يصفه عامة الاقتصاديون بـquot;العامل النفسي الخفيquot;، حيث يُنتظر بحسبه أن تعرف معدلات الاستهلاك والإنفاق لدى الجزائريين ارتفاعًا تشجعه الراحة النفسية التي باتت تطبع المجتمع المحلي (قوامه يربو عن 36 مليون نسمة)، وهو أمر سيتواصل حتى مشاركة الجزائر في نهائيات كأس العالم.

وتبعًا لما شهده اللقاء الأخير في الخرطوم من إقبال منقطع النظير لآلاف الجزائريين، يتوقّع مراقبون أن تكون الدورة النهائية لكأس إفريقيا في كرة القدم المقررة في دولة أنغولا في شهر يناير(كانون الثاني) المقبل، وكذا كأس العالم في شهر يونيو (حزيران) المقبل، عنوانًا لآلاف الأشخاص الذين سيتنقلون إلى هناك، بغرض تشجيع المنتخب الجزائري، وهو ما ستكون له آثاره الإيجابية على مجموعة quot;الجزائرية للطيرانquot;، المملوكة للحكومة، وكذا شركات الطيران الأخرى الناشطة في الجزائر، ومن المحتمل أن يتم اقتراح صيغ مغرية لاستيعاب الطلبات واستقطاب الزبائن.

ويتصور quot;هيثم ربانيquot; أنّه لا يمكن الحديث عن شراء تذاكر التنقل الأخير للمشجعين إلى السودان، طالما أنّ نفقات العملية تكفلت به الدولة الجزائرية، من خلال تخصيصها قيمة رمزية للتذاكر، التي اشتراها الأنصار الجزائريون، علمًا أنّ هناك أمرًا بالغ الأهمية تنبغي الإشارة إليه، وهو أنّ عدد الأنصار الجزائريين الذين جاؤوا إلى الخرطوم لا يمثلون إلاّ 1 % ممن سجلوا في قوائم الراغبين للسفر إلى السودان (10 آلاف من مجموع مليون شخص)، وهذا أمر له بالغ الدلالة.

في سياق متصل، ستغدو سوق الألعاب النارية أكثر رواجًا، خصوصًا أنّ الشعب الجزائري مولع بالألعاب النارية التي ترتبط لديه بتقليد شبه ديني، ردّ به في العهد الاستعماري على الفرنسيين الذين يحتفلون بأعياد رأس السنة الميلادية بالألعاب النارية، فكان إحياء الجزائريين لليلة المولد بالألعاب النارية. وفي السنوات العشر الأخيرة، صارت الألعاب في كل المناسبات (أعياد، وحفلات، وأعراس). ولا شكّ أنّ تأهل الجزائر لكأس العالم سيضاعف من هذه المبيعات، وعلى مصالح الجمارك الجزائرية أن تنتظر النوادر من مستوردين يعلنون أنّ حاوياتهم تحوي ملابس ودمى، بينما هي في الواقع تشتمل على ألعاب نارية.