بدأ المشرفون على قطاع الصناعة التقليدية في الجزائر تنفيذ خطة، يراهنون من ورائها على خلق نحو نصف مليون منصب عمل بحلول العام 2013، وهي خطوة نوعية في سياق سعي السلطات إلى القضاء على البطالة وخلق ثروات منتجة، وتريد الجزائر دعم صناعتها التقليدية بحكم قدرتها على امتصاص العاطلين من العمل واكتساب يد عاملة معتبرة، من شأنها امتصاص القوى المحتبسة في بلد يصل إجمالي عدد العاطلين من العمل فيه إلى ثلاثة ملايين شخص، كما يصل عدد طالبي العمل إلى 230 ألف كل سنة، 75 % منهم تحت سن الـ 30، بينهم 71.8 % رجال و80 % نساء.

كامل الشيرازي من الجزائر: ذكر مصطفى بن بادة الوزير الجزائري للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والصناعات التقليدية، في تصريح خاص لـquot;إيلافquot; أنّ بلاده ستطبّق استراتيجية شاملة لتطوير الصناعة التقليدية في غضون السنوات الأربع المقبلة، وأوضح أنّ التحدي يكمن في ربط منظومة الصناعة التقليدية بالاستثمار المنتج لتوليد ديناميكية اقتصادية، يمكنها الإسهام في خلق 510 آلاف وظيفة، بعدما جرى استحداث ما يقارب 340 ألف منصب شغل، وتأهيل عشرة آلاف حرفي، إضافة إلى تحقيق إيرادات بقيمة 117 مليار دينار برسم المخطط الإنمائي (2005 - 2009).

وأشار بن بادة إلى أنّه بعد عقد جلسات محلية خاصة بالصناعة التقليدية أخيراً، جرى تسطير سبعة أهداف خلال المرحلة القليلة المقبلة، يتصدرها رهان تنمية الشغل، فضلاً عن تغطية حاجات السوق من السلع والخدمات مع تحسين نوعيتها، وكذا زيادة التكامل بين فروع النشاط الاقتصادي وتدعيم التسويق. ويحيل المسؤول الجزائري إلى الإجماع الحاصل بين متعاملي بلاده حول تحويل الصناعة التقليدية إلى قطب اقتصادي فعّال، يسهم في المجهود المحلي للتنمية والتطوير، من خلال توفير مناصب شغل واستقرار السكان ونشر الكفاءة المهنية وروح المؤسسة، وذلك يمر عبر تكوين وتأهيل قطاع واسع من الحرفيين.

كما كشف الوزير الجزائري بأنّ بلاده تعمل على تحضير برنامج ثان موجه للقطاع، اعتباراً من العام 2010، على أن يمتد إلى آفاق العام 2025، وسيكون البرنامج إياه بحسب المسؤول الأول عن القطاع، تكميلياً للخطة التي شُرع في العمل بها سنة 2003، ورافقها استمرار غياب فضاءات لترقية، وكذا العراقيل التي واجهها تسويق منتجات القطاع، وهما عاملان ظلا يشكلان quot;نقاط سوداءquot; في سماء محترفي الصناعات التقليدية.

وتفيد بيانات الوزارة الجزائرية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وجود ما لا يقلّ عن 13 ألف حرفي شاب ينتظرون فرصاً لإنشاء مؤسساتهم الخاصة، كما إنّ آلاف الطلبات لشبان لهم مؤهلات في مجالات معرفية وأخرى يدوية، وبحوزتهم تصورات مجدية اقتصادياً، تنتظر الضوء الأخضر من البنوك والإدارات المعنية، مع الإشارة إلى أنّ الفترة القليلة الماضية شهدت ميلاد ثلاثمائة مؤسسة مصغرة، نشأت بدعم من الوكالة المحلية لدعم وتشغيل الشباب، ويقود هذه المؤسسات شبان تتراوح أعمارهم بين 22 و35 سنة، وتختص مؤسساتهم بالنشاط الحرفي والصناعات التقليدية من الدباغة والحلي، بينما اختار آخرون العمل في قطاع الصناعات الكهربائية والفنون وكذا الطباعة، وقد مكنت هذه المؤسسات من تشغيل مئات الأشخاص، وقد تستوعب آلاف المستخدمين حال اتساعها لاحقاً.

وحقق قطاع الصناعة التقليدية في الجزائر قفزة نوعية خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من المصاعب، وهو ما ألقى بظلاله على أوضاع آلاف الحرفيين، على نحو ضاعف حجم المخاوف من زوال عدد من المهن اليدوية هناك، لاسيما مع تراجع الطلب على بعض المنتجات المتعلقة بها خلال السنوات الأخيرة، بما هدّد توازنات 15 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة، وتسبب هذا الواقع في نزيف كبير، حيث فضّل الآلاف من متعاملي الصناعات التقليدية التوجه إلى أعمال أخرى، بسبب غلاء المواد الأولية، لاسيما في صناعة الأواني الفخارية، ومختلف أنواع الخزف.

واستناداً إلى معطيات حصلت عليها quot;إيلافquot; من مراجع جزائرية مسؤولة، فإنّ الاتجاه سيكون نحو بعث حركية فعالة للنشاطات الحرفية على المستويات كافة، من خلال مخطط عمل للتنمية المستدامة يروم تطوير التشغيل في القطاع والمساهمة في التصدير خارج قطاع المحروقات، عن طريق إنشاء تجمعات حرفية متخصصة وبناء نظام حوكمة، وكذا إيجاد آلية لتقويم قدرات الإنتاج الحالي، مع تعزيز القدرات العملية لغرف الصناعات التقليدية، ناهيك عن تحديث آليات وتسيير الصندوق المحلي لترقية نشاطات الصناعة التقليدية، ودعم التأهيل والتنافسية، وإيجاد موقع تفضيلي، من شأنه مضاعفة فرص تصدير منتوجات الصناعة التقليدية، إضافة إلى حسن التموقع في الأسواق الدولية.

وتعتزم السلطات منح عموم الحرفيين إعفاء ضريبياً لمدة عشر سنوات كاملة، مع شراء منتجات الحرفيين بزيادة تتراوح بين 3 و5 % من السعر الأصلي لبيع هذه المنتجات، فضلاً عن تغطيتها للتكاليف المرتبطة بنقل هذه المنتجات، وذلك بعد تسويقها، كخطوة إضافية من أجل مساعدة الحرفيين على الحفاظ على نشاطهم الحرفي، فيما أشار منسق وكالة تسيير القرض المصغر نبيل وكيل إلى اتفاقية مرتقبة سوف تمكن حرفيي النشاطات التقليدية من الاستفادة من صيغ القرض المصغر لتمويل الأنشطة التي تتأكد جدواها الاقتصادية.

وتبدي الحكومة الجزائرية اهتماماً متزايداً بقطاع الصناعات التقليدية، وهو ما يظهر من خلال مخصصات زادت عن 5 مليارات دينار (ما يعادل نحو 63 مليون دولار) منذ العام 2003، ويرتقب أن يستفيد من أغلفة مالية إضافية تبعاً لمراهنة السلطات على الأدوار التي يمكن أن تلعبها الصناعات التقليدية ضمن النشاط الاقتصادي العام، وتجلى ذلك إثر إنشاء أول قرية للحرف في الجزائر.

من جهته، يدعو الخبير عبد الحق لعميري إلى إنشاء 50 ألف مؤسسة مصغرة سنوياً على الأقل في هذا القطاع، في وقت يشكو كثير من الحرفيين من تنامي المنافسة الأجنبية في عقر دارهم، على منوال النموذج الصيني الذي اكتسح مدناً عديدة في الجزائر، واقترح منتجات هائلة، وبأسعار أتت عشر مرات أقل مقارنة بالأسعار التي يقترحها الجزائريون أنفسهم، وهي مفارقة فسرها هؤلاء بغلاء المواد الأولية، ومعاناتهم المستمرة من الضرائب التي تثقل كواهلهم.

وتقول كشوفات الديوان الجزائري للإحصائيات (حكومي)، إنّ نسبة البطالة في الجزائر قدّرت بـ 11.3 % خلال 2008، مقابل 13.8 % للعام الذي قبله. ويوضح الديوان بموجب تحقيق ميداني، أنّ عدد السكان النشطين الذين يعانون البطالة أو ما زالوا في صدد البحث عن وظيفة حوالي 1.169.000 شخص من مجموع السكان النشطين المقدّر عددهم بـ 10.315.000 شخص في ديسمبر(كانون الأول) الماضي، أي ما يعني ارتفاعاً طفيفاً في نسبة التشغيل بواقع 41.7 %، مقابل 40.9 % سنة 2007.

لكنّ مراجع جزائرية غير رسمية، تنفي هذه الأرقام، وتعتبرها quot;محض تزييفquot;، معتبرة أنّ الحديث عن بطالة حجمها11 % فقط في مجتمع يتشكل quot;ديكورهquot; اليومي من آلاف العاطلين، مغاير للواقع، وبعيد تماماً عما هو معايش، حيث تعاني نسبة معتبرة من المجتمع المحلي بطالة مقنّعة، بما في ذلك أصحاب الشهادات العليا.

من جانبها، تشدّد مؤسسات دولية معروفة، وعلى رأسها هيئة ''أوكسفورد بيزنس غروبquot;، استناداً إلى تقديرات خبراء، على أنّ نسبة البطالة في الجزائر باتت تقدّر بحوالى 30%، وتخصّ فئة الشباب تحديداً، عكس ما ذهبت إليه التقارير الحكومية الجزائرية. وتجمع أكثر من هيئة دولية على أنّ السلطات الجزائرية لم تنجح في معالجة جوهرية ذكية لأزمة التشغيل المطروحة بحدة.

وتظهر تحقيقات ميدانية أنّ البطالة في عالم الريف سائرة إلى ارتفاع، بحدود 37.8 % من سكّان الأرياف، علماً أنّ سنّ غالبية هؤلاء يتراوح بين 16 إلى 29 سنة، مع الإشارة إلى أنّ الذكور هم أكثر العاطلين، ولا تمثل نسبة الإناث سوى 20.4 % من طالبي العمل.

كما تنتشر البطالة، بصورة خاصة في الأوساط الجامعية، حيث وصلت النسبة فيها إلى 19.3 %، وتستغرق مدة البحث عن وظيفة، بالنسبة إلى الرجال بـ 31.6 شهراً، مقابل 26.4 شهراً للنساء.