شهد ملف صيد سمك التونة الحمراء في الجزائر، تفاعلات مثيرة في الآونة الأخيرة، في أعقاب ما طرحته مراجع مختصة عن عدم استغلال السلطات الجزائرية لحصتها من التونة الحمراء وتكبدها خسائر كبيرة، إلى جانب الضجة التي فجّرتها قضية الستمائة طن من التونة الحمراء الموجودة حالياً في تونس، ولغز البحارة الأتراك والصيد غير الشرعي للتونة الحمراء،إضافة إلىتهريب الأخيرة، وتبدو المسألة جد متشابكة وسط نقاط ظل كثيرة وأسئلة تطرح نفسها.

الجزائر: حصلت quot;إيلافquot; على وثائق ومعطيات كثيرة بالغة الأهمية، حول هذه قضية التونة الحمراءالكبرى التي تنذر بتداعيات كبيرة على الاقتصاد الجزائري، وتتناول هذا الملف الشائك عبر سلسلة موضوعات تسلّط الضوء على تفاصيل ظلت مكتومة مع المعنيين المباشرين. يقول quot;يحيى زانquot; مدير شركة quot;بودماغ تونيةquot; في مقابلة خاصة مع quot;إيلافquot; أنّ منظومة صيد سمك التونة الحمراء في بلاده تصطدم بجملة من العراقيل والمشاكل جرّاء بيروقراطية الإدارة المحلية للصيد البحري التي أقدمت على منع متعاملين جزائريين من الصيد بالمياه الدولية لصيد سمك التونة، وما ترتّب عن ذلك من حرمان الجزائر من استغلال الحصة التي تمنحها سنويًّا المنظمة الدولية لحماية الأسماك في البحر الأبيض المتوسط والمحيطات من سمك التونة الأحمر إلى الجزائر، والمقدرة بـ1100 طن، علمًا أنّ هذه الكمية موزّعة بين 322 طنًا لليابانيين، وفي حدود ثمانمئة طن للصياديين الجزائريين.

ويبرز زان الاحتباس الحاصل، من خلال نموذج مجموعة quot;بودماغ تونيةquot; التي استثمرت نحو خمسة ملايين يورو للخوض في عملية صيد سمك التونة بالمياه الدولية، لكنها وجدت نفسها في مأزق حقيقي، ويوضّح quot;يحيى زانquot; أنّ شركته المختصة بصيد التونة تواجه حاليا خلافا معقّدًا مع الوزارة الجزائرية للصيد البحري، تبعًا لعدم حسم القضاء المحلي في الخلاف الناشب، يخشى على حمولة الستمائة طن بالتلاشي، طالما أنّ شركة quot;تونة تونسquot; تهدّد بإلقائها في البحر، ما لم يتم دفع تعويض بحدود مليوني يورو.. واللافت أنّ حملة الصيد لهذا الموسم تأخرت كثيرًا عن موعدها الذي كان مقررًا أواسط شهر أبريل/نيسان الماضي، لكنّ امتلاك شركة quot;بودماغ تونيةquot; لباخرتي (يونس1) و(يونس2) المجهّزتين بأحدث التقنيات، مكّن الصيّادين من الظفر بستمائة طن من التونة.

ويشتكي متعاملون جزائريون من عراقيل بالجملة، حيث تواجه 18 شركة محلية لصيد التونة مشكلات عويصة تتراوح بين إلزامهم باصطحاب مراقبين ومفتشين لمتابعة عملية الصيد مع حراس الشواطئ، وكذا ما يلف رخصة الصيد في المياه الدولية، فضلاً عن مشكلة مراجعة ورقابة شبكات الصيد، كما يتّهم متعاملون محليون الوزارة الوصية بالكيل بمكيالين، ويشككون في تسهيل جهات مسؤولة لصيادين أتراك والسماح لهم بصيد التونة الحمراء عاديًا بالجزائر خلافًا للمجموعات المحلية، وهو ما دفع جهات أمنية وقضائية لفتح تحقيقات لا تزال مستمرة. ويلفت زكريا مسيّر باخرة (يونس 1) إلى أنّ حظر السلطات الجزائرية على متعامليها استيراد بواخر تقل عن العشر سنوات، quot;خطأ فادحquot; بمنظاره، ويقدّر أنّ ذلك غير مفهوم في ظل معاناة أوروبا اقتصاديًا، وإمكانية الحصول على بواخر بأسعار زهيدة، ويرى متعاملون أنّ إجراء كهذا ينسف أي محاولة لإنعاش منظومة الصيد البحري في الجزائر.

من جهته، يكشف quot;يحيى زانquot; أنّ ما تقدّم، يتسبب سنويًّا في تكبّد الجزائر لخسائر تربو عن 240 مليون يورو جرّاء الفوضى الحاصلة (الخسارة بلغت 510 مليون يورو سنة 2004)، حيث يُباع الكيلوغرام الواحد من سمك التونة في اليابان بثلاثمائة يورو، في حين تكتفي الجزائر ببيع الكيلوغرام الواحد لقاء 2 يورو (!؟)، دون احتساب ما يترتب عن خسارة الستمائة طن المذكورة من التونة الحمراء، وما يتسبب فيه استنزاف ثروة سمك التونة محليا، وما يزيد الطين بلّة ما يتردد عن غياب وفد جزائري قوي عن الاجتماع السنوي الراهن للجمعية الدولية بمدينة ريو دي جانيرو بين 9 و 16 من الشهر الجاري.ويطرح خبراء استفهامات كثيرة بشأن ما يحدث في قطاع صيد سمك التونة، حيث يتساءلون عن سر عدم تسهيل استغلال الثروة السمكية في بلد يجهد مسؤولوه أنفسهم في الحديث عن ضرورة تكثيف الاستثمارات خارج قطاع المحروقات المهيمن على الاقتصاد المحلي.

وفيما تنتج فرنسا بين ألفي إلى ثلاثة آلاف طن كل عام، يبدي صيادون لسمك التونة في الجزائر ثقة بإمكانية نجاحهم في إنتاج 1500 إلى 2000 طن سنويا، إذا ما جرى تذليل المصاعب الحالية وتمّ تمكينهم من العمل في ظروف لائقة. وستواصل quot;إيلافquot; بحث تداعيات الموضوع مع مسؤولين حكوميين، كما ستتعرض إلى خطة مجموعات جزائرية لإنشاء مزارع لتسمين التونة الحمراء في الجزائر.