بعد مرور أكثر من عشرين يوماً على اندلاع أزمة الديون لمجموعة دبي العالمية العملاقة التابعة لإمارة دبي، بدأ مزيد من الضوء الأخضر يومض في دبي عقب إبداء الكويت استعدادها لتقديم مساعدة للإمارات، ومنح أبوظبي دعماً مالياً بقيمة 10 مليارات دولار أميركي، بعد اتخاذ دبي سلسلة من الإجراءات لمواجهة الأزمة. وأكّد وزير الخارجية الإماراتي اليوم أن الأزمة الاقتصادية في دبي انتهت. كما أشارت صحيفة إماراتية رسمية إلى أن المساعدة التي قدمتها أبوظبي لدبي، هي عبارة عن قرض بفائدة، وليست هبة.

دبي - إيلاف، وكالات: أكّد وزير الخارجية الإماراتي أن الأزمة الاقتصادية في دبي انتهت، وأن المساعدة التي قدمتها الحكومة لدبي بقيمة عشرة مليارات دولار، برهنت على الوحدة الاقتصادية والسياسية لدولة الإمارات العربية المتحدة. وشدد الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، خلال زيارة للضفة الغربية، على أن الإمارات ملتزمة بالتعامل مع تداعيات الأزمة العالمية على الإمارات السبع كافة.

إلى ذلك، أشارت صحيفة إماراتية رسمية اليوم الخميس إلى أن المساعدة التي قدمتها إمارة أبوظبي لإمارة دبي، والبالغة قيمتها عشرة مليارات دولار، هي عبارة عن قرض بفائدة، وليست هبة. ونقلت صحيفة quot;إماريتس بيزنسquot; عن مصدر قريب من حكومة دبي أن هذا القرض قدم quot;على شكل سنداتquot;. وكانت دبي تلقت الاثنين في اللحظة الأخيرة، مساعدة من جارتها الغنية بالنفط أبوظبي بقيمة عشرة مليارات دولار، خصص قسم منها لدفع ديون، استحق تسديدها لشركة quot;نخيلquot; العقارية العملاقة.

وأوضحت الصحيفة أن القرض خضع quot;للشروط التجارية عينها، التي خضع لها القسم الأولquot; من المساعدة التي حصلت عليها دبي من المصرف المركزي الإماراتي في شباط/فبراير. وكانت دبي أصدرت، لمواجهة ديون مستحقة على شركات فيها، سندات خزينة بقيمة 20 مليار دولار، اكتتب المصرف المركزي الإماراتي بنصف قيمتها في شباط/ فبراير، مع فائدة سنوية بنسبة 4 % على خمس سنوات. وفي 25 تشرين الثاني/نوفمبر، اكتتب مصرفان في أبوظبي في هذه السندات، بقيمة خمسة مليارات دولار لكل منهما.

وكانت إمارة دبي، التي تواجه بعض شركاتها صعوبات مالية حادة، ما رفع دينها العام إلى نحو مئة مليار دولار، بحسب وكالة موديز للتصنيف المالي، طلبت في 25 تشرين الثاني/نوفمبر تأجيل سداد قسم من ديون شركة quot;دبي العالميةquot; لمدة ستة أشهر.
وأعلنت quot;دبي العالميةquot;، التي ترزح تحت دين بقيمة 59 مليار دولار، في 30 تشرين الثاني/نوفمبر أنها ستعيد هيكلة عشر شركات تابعة لها، بينها quot;نخيلquot;، وإعادة التفاوض مع بعض دائنيها حول قسم من ديونها.

وكان وزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد صباح السالم الصباح أعلن يوم الثلاثاء، في مؤتمر صحافي، عقب انتهاء قمة مجلس التعاون الخليجى فى الكويت، أنه أجرى اتصالاً مع نظيره الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان بعيد ظهور قضية الديون فى دبي. وأوضح الشيخ محمد الصباح أنه عرض خلال الاتصال الهاتفي تقديم مساعدة لدبي، التي تعيش تداعيات أزمة القروض.ورغم رفض وزير الخارجية الكويتي إعطاء المزيد من التفاصيل بشأن حجم تلك المساعدات، إلا أنه تعهد باستعداد بلاده لتقديم quot;أي دعم تطلبه الإمارات في هذا المجالquot;.

وأثارت تصريحات وزير خارجية الكويت، الدولة الغنية بالنفط والتي يمتلك صندوقها السيادي المتمثل في الهيئة العامة للاستثمار نحو 300 مليار دولار، اهتمام المراقبين. حيث رأوا أن ذلك قد يوفر آمالاً أكبر لتخلص دبي من الأزمة الراهنة. وأشار المراقبون إلى أن موقف الكويت سلط المزيد من الضوء الأخضر عقب تقديم أبوظبي دعماً مالياً لدبي، وفي ظل الإجراءات المتعددة الأبعاد التي تتخذها حكومة دبي للتصدى للأزمة. وجاءت تعهدات الكويت بعد يومين من تلقي دبى دعما ماليا بقيمة 10 مليارات دولار من أبو ظبى.

تجدر الإشارة إلى أن إمارة أبوظبي، أكبر مصدري النفط في العالم، كانت مترددة في تبنى موقف واضح إزاء أزمة ديون دبي، واكتفت بالقول إنها ستنظر في التزامات دبي، وتعالجها كل حالة على حدة، ولا يعني هذا أن أبوظبي ستغطي كل ديونها.

وفاجأت حكومة دبي العالم يوم الاثنين (14 ديسمبر) بإعلان أن أبوظبي وافقت على توفير دعم مالي يصل إلى 10 مليارات دولار لمصلحة صندوق دبي للدعم المالي لتغطية بعض الالتزامات المترتبة على دبي العالمية، الأمر الذي بدد إلى حد كبير المخاوف التي كانت تنتشر بشأن حدوث تعثر في سداد مجموعة دبي للديون المستحقة عليها في اليوم نفسه.

وكخطوة أولية، دفعت حكومة دبي بالدعم المالي، الذي قدمته أبوظبي، صكوك شركة نخيل التابعة لها، المستحقة يوم الاثنين والبالغة قيمتها 4.1 مليار دولار أميركى. أما بالنسبة إلى المبلغ المتبقي من الدعم الذي يقدر بـ 5.9 مليار دولار، فقررت الإمارة استخدامه في تسديد الفوائد والمصاريف التشغيلية لمؤسسة دبي العالمية حتى تاريخ 30 إبريل 2010.

وفي خطوة أخرى، أصدر حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في إطار الإجراءات القانونية، مرسوماً بتشكيل لجنة قضائية خاصة للفصل في المنازعات المتعلقة بتسوية الوضع المالي لمؤسسة دبي العالمية والشركات التابعة لها. وحسب بيان لحكومة دبي، جاء المرسوم من منطلق حرص حكومة دبي على حفظ حقوق دائني دبي العالمية والشركات التابعة لها، وانطلاقاً من التزامها الرامي إلى تعزيز دور إمارة دبي في الاقتصاد العالمي، وضمان حصول المؤسسات التمويلية على كامل حقوقها المالية، وتعهداً منها بالعقود المبرمة مع دائنيها، وتأكيداً لقدرتها على الوفاء بهذه الالتزامات. بدوره، أعلن المصرف المركزي الإماراتي دعمه للبنوك الإماراتية المحلية التي تعرضت لديون مجموعة دبي العالمية.

على صعيد آخر، من المتوقع أن تبدأ مجموعة دبي العالمية، كما كان مخططاً، مساعيها باتجاه إعادة هيكلة ديونها، حيث أفادت وسائل الإعلام المحلية في دبي الثلاثاء أن دبي العالمية ستبدأ مفاوضات مع ما يزيد على 90 دائناً لها في الأسبوع المقبل حول إعادة هيكلة ديون بقيمة 22 مليار دولار، المبلغ المتبقي من الديون الإجمالية البالغة 27 مليار دولار.

ونقلت صحيفة quot;البيانquot; الإماراتية الصادرة صباح اليوم الخميس، عن مسؤول في دائرة المالية في دبي قوله إن الدعم الذي قدمته حكومة أبوظبي كان مقابل سندات بكوبون فائدة سنوية مقدارها 4 % ولمدة خمس سنوات، وهي شروط الشريحة الأولى من السندات البالغة قيمتها 10 مليارات دولار نفسها، والتي اشتراها مصرف الإمارات المركزي في فبراير/شباط الماضي.

وقالت الصحيفة إن اصدار فبراير كان لأجل خمس سنوات بكوبون فائدة يبلغ 4 % سنوياً، موضحة أن الفرق بين سندات فبراير وسندات الدعم الأخير يتمثل في أن الشريحة الأولى لبرنامج سندات دبي كان المكتتب فيها مصرف الإمارات المركزي. أما في الحالة الثانية، فإن مصدر التمويل هو حكومة أبوظبي.

ونقلت البيان عن فيليب دوبا بانتاناتشي الخبير الاقتصادي لدى ستاندرد تشارترد في دبي قوله إن المساعدة كانت على شكل سندات، مشيراً إلى أن التعامل مع مشكلة الديون يتماشى مع الممارسات السليمة. وأكد أن العشرة مليارات دولار على شكل قرض هي تطور طبيعي وصحي، وأن أحد المشاكل الرئيسة التي كانت دبي تواجهها في مسألة الديون هي بالتأكيد عدم التطابق بين مواعيد الاستحقاقات المتنوعة، إذ إن هناك ديوناً كثيرة مستحقة على المدى القريب مقابل فرص تحقيق عائدات نقدية على المدى البعيد. وقال دوبا بانتاناتشي إن الدين ليس مشكلة في ذاته، لكن إدارته بشكل جيد أمر حيوي.

وفي السياق نفسه، توقّع مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية أن يجني الاقتصاد الإماراتي العديد من المكاسب نتيجة القرارات التي اتخذتها حكومة أبوظبي، وكذلك مصرف الإمارات المركزي، بتوفير الدعم المالي لـ quot;صندوق دبي للدعم الماليquot;، أهمها تحسّن مستوى الثقة العالمية بالاقتصاد، والخروج من تداعيات الأزمة المالية العالمية بأسرع مما كان متوقعاً.

واعتبر المركز في تقرير أصدره أمس الأربعاء أن قرارا حكومة أبوظبي ومصرف الإمارات المركزي، يعد بمنزلة نقطة تحول إيجابية في مسيرة التطورات المالية التي شهدها اقتصاد إمارة دبي بوجه خاص، واقتصاد الإمارات بوجه عام خلال الفترة الماضية، خاصة أن هذين القرارين جاءا ليعكسا مدى الجدارة الائتمانية المرتفعة التي يتمتّع بها اقتصاد دولة الإمارات كلّه، كما أنهما يعبران عن كفاءة السياسات المالية والاقتصادية المتبعة على مستوى الدولة كلّها، ومدى الاستعداد والمرونة التي تتعامل بها الدولة في مواجهة تداعيات الأزمة المالية، كما إن القرارين يُمثلان تفاعلاً كفئاً ومدروساً مع هذه التداعيات.

ويشير التقرير إلى أن الآثار الإيجابية لهذه التطورات المهمّة قد إنعكست على معظم المتغيّرات المالية والاقتصادية ذات الصلة، فتفاعلت أسواق المال الإماراتية، ومن بعدها أسواق المال العربية والعالمية، مع التطورات بشكل إيجابي وسريع، حيث حققت أسواق المال المحلية مكاسب تقدّر بنحو 31.4 مليار درهم، وهي تعدّ مكاسب قياسية خلال جلسة تعاملات واحدة، لم تشهدها الأسواق منذ فترة طويلة; وقد سجل المؤشر العام لسوق دبي المالي ارتفاعاً قياسياً بلغ نحو 10.4 %، مسترداً نحو 176 نقطة في جلسة واحدة. كما تفاعل أيضاً سوق أبوظبي للأوراق المالية مع القرار بالطريقة نفسها، وسجل المؤشر العام للسوق ارتفاعاً بنحو 207 نقاط.

وبخلاف التغيّرات على صعيد أسواق المال، وفقاً لما ذكره التقرير، فقد طرأ تحسن كبير على نظرة العالم إلى اقتصاد دولة الإمارات، ودور الدولة كمركز مالي وتجاري عالمي وإقليمي، كما طرأ تحسّن ملموس على توقعات المستثمرين في ما يتعلّق بمستقبل مناخ الاستثمار الإماراتي.

وأصبح المستثمرون أكثر ارتياحاً وأكثر تفاؤلاً بمستقبل الأداء الاقتصادي للدولة، في ظل متانة وضعها المالي وتماسكه، خاصة بعدما أكدت التطورات الأخيرة أن هناك تعاوناً وتنسيقاً مستمرين بين الحكومات المحلية في الدولة في مواجهة الأزمات، كما عبّرت المؤسسات المالية الدولية ومؤسسات التصنيف الائتماني عن مدى ثقتها بالجدارة الائتمانية لاقتصاد دولة الإمارات.

واعتبر التقرير أن التوقيت الزمني الذي جاءت فيه قرارات حكومة أبوظبي ومصرف الإمارات المركزي كان مهماً للغاية، خاصة أنها تأتي في نهاية عام 2009، وهو العام الأسوأ في الأزمة المالية العالمية، بما يسمح للاقتصاد الإماراتي باختتام هذا العام متخلصاً من الشكوك التي أثارها بعضهم حول قدرته على مواجهة تداعيات الأزمة المالية، كما تمثل هذه القرارات دفعة قوية وإيجابية للاقتصاد، تساعده على أن يبدأ عام 2010 بخطًى أكثر ثباتاً.

ويتوقع التقرير أن يستفيد الاقتصاد الإماراتي من هذه القرارات بما يسمح له بالخروج من تداعيات الأزمة المالية بأسرع مما كان متوقعاً خلال الأشهر القليلة الماضية. وسيكون للقرارات الأخيرة تأثير إيجابي كبير في قدرة الاقتصاد الإماراتي على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، والمحافظة على موقعه كمركز للمال والأعمال في المنطقة والعالم، وأن يحافظ مؤشر ثقة أصحاب الأعمال بالاقتصاد الإماراتي على التحسّن الذي حققه خلال الأشهر العشرة المنقضية من عام 2009.