إيلاف من لندن: هذا العام لن يكون عامًا مبهجًا لقطاع الأعمال في المملكة العربية السعودية على ذمة خبراء في شؤون المال والأعمال أشاروا إلى أن اقتصاد الدولة النفطية الكبرى سيتعرض للانكماش حتى نهاية العام المقبل، في وقت هبطت فيه أسعار النفط عن معدلاتها القياسية التي حققتها خلال الأشهر الفائتة مبددة الأمل في فائض أسطوري من السيولة النقدية لعام 2009.

وتتوقع وزارة المالية أن تسجل المملكة الغنية بالنفط هذا العام أول عجز في ميزانيتها منذ العام 2002 مع زيادة الإنفاق المالي لحفز النمو المحلي والتصدي لانخفاض أسعار النفط التي هبطت دون 40 دولارًا للبرميل بعد أن سجلت أكثر من 147 دولارًا للبرميل في يوليو/تموز العام الفائت.

وفي وقت سابق من هذا الشهر قالت المجموعة المالية quot;هيرميسquot; إنه من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد السعودي بنسبة 0.9 في المئة هذا العام بفعل تخفيضات حادة في إنتاج النفط، وذلك على الرغم من أن القطاع غير النفطي قد يحد من الهبوط مع زيادة الإنفاق الحكومي، مشيرة إلى أن الاقتصاد السعودي سوف يعاود النمو في 2010 بمعدل يبلغ 4.7 في المئة.

وفي السعودية، حيث تطغى تطمينات المسؤولين الحكوميين على ما عداها من الأصوات المشككة في نجاة البلاد من الأزمة العالمية، فإن الوضع أصبح مثيرًا للقلق بسبب أن قادة الماكينة الاقتصادية المحلية يرفضون حتى الآن الاعتراف بوجود مشكلة حقيقية تهدد اقتصادهم وكأن بلادهم لا علاقة لها بالنظام المصرفي العالمي.

وهذه النقطة تحديدًا هي التي يصر عليها الأمير فهد بن سعد آل سعود، وهو رجل أعمال واقتصادي أثارت مقالاته الصحافية التي نشرتها مؤخراً quot;إيلافquot; الكثير من الأصداء مما جعلنا بالضرورة أن نستمع إليه لتقييم الأزمة الحالية والمحتملة وتأثيرها على المنطقة والسعودية على وجه الخصوص.

وملخص القول في هذا الحوار هو أن السعودية سوف تتأثر بالأزمة إما عاجلاً أو آجلاً، على الرغم من ضباب تطمينات المسؤولين، لكن ذلك سيكون بطريقة غير مباشرة، أي لن تكون الأضرار على غرار quot;الحريق الكبيرquot; الذي أسال دماء البنوك وهتك عرض الحسابات المصرفية العائدة إلى أسماك الاقتصاد الضخمة كما حدث في الغرب، بل ستبرز من ناحية شح السيولة على أقل تقدير وشلل القطاع الخاص وخشية المستثمرين من الإقدام على أي خطوة بسهولة.

ونترككم مع مقتطفات من الحوار :

كيف ترى وضع السعودية في وضعها وتأثيرها على ضوء ما حدث ؟

السعودية ستتأثر وبشكل واضح لأنها مرتبطة مع العالم. لن يتأثر القطاع المصرفي السعودي بصفة مباشرة كما حصل في الدول الأوروبية، التي أعلنت فيها بعض البنوك إفلاسها أو قاربت على ذلك، لأن انكشاف بنوكنا في المملكة على الأسواق المالية العالمية يبقى محدودا. مع هذا عرف القطاع البنكي مشكلة سيولة لأننا لسنا في عزلة كاملة عما يحدث في باقي العالم. لكن الأثر الأهم للأزمة العالمية ndash; التي توسعت من القطاع المالي لتعم القطاع الاقتصادي ككل ndash; يتمثل في آثار الركود العالمي.

إن دولاً مثل الصين والهند ستتاثر بتقليص صادراتها وتسريح العمالة التي كانت تعمل في هذه الصناعات التصديرية. في دولة نفطية مثل السعودية كان الأثر من خلال الانخفاض الكبير لسعر النفط. الأرجح أن يؤدي هذا الى عجز في ميزانية الحكومة ومن ثمّ في مشاريعها التنموية الضخمة. وينعكس هذا سلبًا على القطاع الخاص وأنشطة أساسية ذات ميزات تنافسية للمملكة، مثل صناعات البتروكيماويات. كذلك عرف سوق المال السعودي انهيارًا أكبر من السابق، مما أثّر على ثروات الطبقة المتوسطة وأدى إلى انخفاض الطلب على الاستهلاك، وهذا لا يشجع القطاع الخاص على الاستثمار حتى لو توفرت لديه القدرة المالية على ذلك.

الأمر الثاني: نحن الآن في مرحلة انخفاض نسبة النمو الاقتصادي، لكن ليس من المستبعد أن ندخل في مرحلة ركود (نسبة نمو تقارب الصفر)، ثم ربما مرحلة الإنكماش. الغريب لا يوجد أحد يعترف بوجود الأزمة، حتى نعرف مداها، وحجمها. إنه لا أحد يقيم قدرتها التدميرية، الكل يقول الوضع تمام..

ولا أحد يوضح الحقيقة كما هي. و لو حصل هذا التقييم الموضوعي والشامل للوضع الاقتصادي لدينا، فإنني أعتقد أن قدراتنا ومقومات الحكومة لدينا، سوف تنجح في معالجة المشكلة، خصوصا إذا ما نجحنا في إقامة تعاون وشراكة بين القطاعين الحكومي والأهلي. وأود أن أُحذر أنه كلما تأخرنا في الإعتراف بوجود المشكلة وحصر أضرارها، سمحنا لها بأن تكبر ككرة الثلج، وكان العلاج أصعب بعد ذلك. ونحن نرى الآن آثار ذلك في شح السيولة والقروض المصرفية ونرى حالة هلع كان بالإمكان تطويقها ومعالجتها لو عملنا على ذلك منذ البداية.

هل هناك تجارب أو نماذج يمكن الحذو حذوها لمعالجة الأزمة الاقتصادية السعودية.؟

نصف الحل يتمثل في الاعتراف بوجود المشكلة، ومن ثم حصر مصادرها وتحديد معالمها، و تقديم الحلول الملائمة وفي مرحلة مبكرة. لكن للأسف منذ انطلاق الأزمة المالية العالمية، والعارفون رأوا كيف تحركت امريكا واعترفت بوجود المشكلة، وكيف قدّمت حزمة إجراءات بدأت من بنك الاحتياط الفيدرالي، الذي بدأ باتخاذ قرارات عاجلة بتقليص سعر الفائدة بدايةً من شهر سبتمبر 2007، ثم اعتمدت وزارة الخزانة برنامجاً طموحاً للإنتعاش الاقتصادي عندما ثبت أن خفض سعر الفائدة لم يعد كافياً لمواجهة الأزمة. عَمَلت هذه الإجراءات على تفجير الأزمة قبل استفحالها، و لولا ذلك لسقطت الدولة الامريكية في انهيار اقتصادي و لسنوات طويلة.

في السعودية، يجب أن نعترف بوجود المعضلة، ونقوم بالكشف على بنوكنا وكبرى شركاتنا وسوق المال، و ذلك لتحديد مواطن الضرر، ومن ثمّ سيكون من السهل وضع الخطط الإنقاذية، دون اهمال الدروس التي يمكن أن نستخلصها مما يجري في العالم من حولنا. ويجب أن نعلم أن هذه الأزمة غير مسبوقة في ظل الاقتصاد الجديد للمعرفة والابتكارات المالية وتكنولوجيا الاتصالات والعولمة والتخلي عن الغطاء الذهبي الضامن للعملات في نظام quot;بريتون وودزquot; الذي تم وضعه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

هل توجد تجارب عربية غير التجربة الأميركية، لأن بعضهم قد يقول لماذا أميركا.؟

دبي مثلاً هي التجربة ، من الممكن أن نأخذها كمثال، إذ بهرتنا سابقاً بتطورها السريع، واندفاعها نحو التنويع الاقتصادي والتنمية والتعمير. تعرضت هذه الإمارة مؤخراً إلى أزمة بشكل أكبر من غيرها، إذ توجد أزمتها الخاصة المتعلقة بالقروض العقارية، إضافة إلى التزامات بنوكها وشركاتها الكبرى للتطوير العقاري وغيرها إزاء الأسواق المالية العالمية، مما خلق لها مشكلة دين خارجي، كان لا بد من مواجهتها. رأيناهم بدأوا بالاعتراف بوجود الأزمة.

خرج السيد محمد العبار وأعلن ديون دبي على الملأ، وتدخلت الحكومة الاتحادية، وضمنت ودائع البنوك، مما عزز ثقة العملاء، كما تم الإعلان عن ضمان القروض فيما بين البنوك (في سوق الانتربنك) وأكدت السلطة النقدية على مساعدة أي بنك محلي للإيفاء بديونه الخارجية. ودُعمت البنوك أكثر من مرة بالسيولة من المصرف المركزي وكذلك من الحكومة الاتحادية، وهذه خطوات صحيحة عَمَلت بها أكثر من دولة لبث الشعور بالاطمئنان، فالاقتصاد دائماً مبني على الثقة.

وما عملته حكومة الإمارات هو تحديد مواطن الضعف في الاقتصاد، ومعالجتها، فالقروض العقارية كان يمكن أن تقضي على القطاع البنكي، والهلع يؤدي إلى سحب الودائع من البنوك بالجملة، لكن عندما أعلنت دبي عن حجم مديونيتها من جهة وأصولها التي تفوق أربعة أضعاف هذه الديون، أدرك الجميعً قدرة الإمارة على الإيفاء بالتزاماتها، بالإضافة لالتزام الحكومة الاتحادية التي تمتلك أصولاً مالية ضخمة تابعة لامارة ابوظبي. وأنا على يقين بأن دبي ستفاجأنا بسرعة تعافيها الاقتصادي بوتيرة أسرع مما نتوقع، وبأقل الأضرار.

كيف تفسر أن السعودية عملت مثلما عملت الحكومة الأميركية، أعلنت مشاريع ضخمة في ميزانيتها، وترى أن أميركا ستتجاوز الأزمة.. ولماذا السعودية لا تستطيع تجاوزها في رأيك ؟

صحيح إن الإنفاق الحكومي في مشاريع البنية التحتية يساعد دائماً على تعافي الاقتصاد، وإن كانت الانعكاسات السلبية لا تظهر إلا بعد فترة، مثل زيادة الدين العام و التضخم، لكن الوضع في السعودية مختلف لأسباب أهمها أن الشركات المنفذة لتلك المشاريع في امريكا وباقي الدول المتقدمة والنامية معظمها شركات ضخمة مدرجه في أسواق المال، وتعتمد على عمالة محلية، ولها علاقات تجارية مع شركات أصغر منها، كما تعتمد هذه الشركات على مواد معظمها مصنع محلياً.

أما في السعودية، فإن عدد الشركات المؤهلة لتنفيذ مشاريع البنية التحتية محدود وغير مدرجة في سوق المال، وتعتمد على عمالة أجنبية، وبعد قوانين العمل الأخيرة لم يعد هناك عدد كافي من الشركات والمؤسسات الصغيرة للقيام بالأعمال من الباطن. لقد قضى نظام العمال وفترة الركود في التسعينات على شركات سعودية كثيرة، أضف إلى ذلك أن المواد الأولية والوسيطة معظمها مستوردة، لذلك فإن ما يتسرب داخل الدورة الاقتصادية المحلية هو نسبة بسيطة لهذا الإنفاق. وتلاحظ ذلك في إنفاق الدولة في السنوات الثلاث الأخيرة، إذ لم يؤثر كثيراً على الدورة الاقتصادية، ولذلك بقيت نسبة النمو الاقتصادي السنوي أقل من 5% في المملكة مقارنة بحوالي 8% في دولة الامارات.

النمو الذي حدث في أسعار العقار، والأسهم، والارتفاع في مداخيل بعض الشركات، أين ذهب ؟

المشكلة أن هناك خللاً واضحاً في الكيفية التي تتم فيها عملية تدوير الإنفاق الحكومي. الدولة حريصة على مصلحة المواطن وأنفقت وبذلت، لكن الخطأ كان في التنفيذ، إنها معضلة أفقيه .

ما مدى تأثير الأزمة على الفرد العادي؟

إذا كنت تقصد الطبقة المتوسطة فإن أثر الأزمة العالمية عليها سيكون محدوداً، وذلك بعد أن واجهت هذه الطبقة أزمات سابقة، تمثلت في أزمة الأسهم وغلاء المساكن والتضخم.

أين يقف سوق الأسهم من الذي يحدث اليوم ؟

دعني أعطيك نبذة تاريخية عن سوق الأسهم السعودي: في عام 2003 اتجهت البنوك بمباركة من مؤسسة النقد السعودي للإقراض الشخصي بفوائد مرتفعة، ولكي تتلائم مع الشريعة الإسلامية تم إحياء quot;التورقquot; وكان حجم القروض صغير نسبياً، بمتوسط 150 ألف ريال.

وتزامن ذلك مع ظهور قوانين العمل الجديدة، فلم يصبح أمام المواطن أيّ قناة استثمارية إلا سوق الأسهم، الذي كان مع بدايات إنشاء أنظمة إلكترونية سهّلت عملية التداول من بعد. وتم خلق كمية طلب ضخمة لم يقابلها عرض بنفس المستوى، حيث لم نكن مستعدين لإدراج شركات جديدة في البورصة، ولم تتخل الدولة عن بعض أسهمها لتلبية هذا الطلب، مما خلق هذه الفقاعة، وساعد الوضع المماثل في دول مجلس التعاون على تطور المشكلة.

وتدخلت هيئة سوق المال في فبراير 2006، لتفجير هذه الفقاعة ولم تدعها تأخذ مداها، والجدير بالذكر أن الدولة شجعت عن طريق مسئوليها الماليين والنقديين في نهاية 2005 على دخول السوق، كما ورد في تصريح محافظ مؤسسة النقد، في نهاية عام 2005 قوله: quot;إن لدينا الأدوات لكبح أي انهيار في السوقquot;، وأدى ذلك التصريح إلى اندفاع غير مسبوق من المواطنين للاستثمار في سوق الأسهم. ولو تم منذ البداية نشر البيانات والتحليلات التي تشير إلى ارتفاع غير طبيعي لأسعار الأسهم - مما يعني ضرورة انخفاضها في المستقبل وتم تنبيه المواطنين إلى ضرورة التصحيح القادم - لكان المواطن أكثر حذراً.

وبما أن هذا لم يحصل مع الأسف فقد كان الأنهيار في نهاية المطاف كبيراً، الأمر الذي أدى إلى أن أعداداً كبيرة من الطبقة المتوسطة فقدت استثماراتها في سوق المال وفقدت مجموع المدخرات والأرصدة المالية، وبعظهم وجد نفسه متورطاً في التزامات مالية، أي ديون تجاه البنوك.

هذا العرض التاريخي يجعلنا نسأل ما هي أكثر القطاعات تأثيراً في سوق المال جراء الأزمة ؟

أكثر القطاعين تأثرًا هما: قطاع البنوك وقطاع البتروكيماويات.
فالبنوك تعاني اليوم أزمة سيولة، نتيجة إقراضها بطاقتها القصوى، حيثُ أن القروض التي أقرضتها هذه البنوك تولّد اليوم شك في قدرتها الائتمانية نتيجة الأزمة، الأمر الذي يتطلب إعادة تقييم لقدرة المقترضين الائتمانية، سواءً على مستوى الشركات أو الأفراد. أضف إلى ذلك وجود شك حالياً تجاه استثمارات البنوك في الخارج، حيث لم يكن هناك أي شفافية في إعلاناتها، وهناك قلق حقيقي مما يخبئه هذا القطاع .

أما قطاع البتروكيماويات فقد توسع توسعاً هائلاً خلال الفترة الأخيرة، مما ترتب عليه التزامات مالية كبيرة، فهل يستطيع الوفاء بها في وقت يعاني اليوم من تراجع في الطلب والسعر أو ينهار أمام الظغوط . هذه أسئلة تحتاج إلى شفافية وتوضيح .

هذا وكان محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) ، قد ألمح إلى ان المملكة لا تعاني من الركود وان المؤسسة ستبذل كل الجهود الضرورية لحماية الاقتصاد لكنه قال انه يرى أن أسعار النفط منخفضة للغاية. وقال السياري على هامش الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي quot;نحن دائما نفعل ما هو ممكن وما هو ضروري للاقتصاد المحلي. فقد بلغت (تكلفة الاقتراض) الامريكية الصفر. ونحن لم نصل اليه.