في خضم هذا الجدل الذي تشهده الساحة الاقتصادية بجميع أنحاء العالم، بسبب حالة الترقب التي تهيمن على كثيرين نتيجة لاحتمالية نشوب حرب عملات، أكد محلل إقتصادي أن حرب العملات ستصبح ضرورة، إذا ما فشلت جميع السبل الأخرى لتنسيق السياسة المالية العالمية.

القاهرة: قال المحلل في صحيفة التلغراف البريطانية، أبرومز إيفانز بريتشارد، أن الحقيقة الساحقة لنظام العملات العالمية هي أن أميركا تحتاج لدولار أكثر ضعفاً لإرجاع اقتصادها مرة أخرى إلى حالة جيدة وتجنب

التعرض لموجة من الدمار بشكل بطيء، لكن باقي دول العالم لا يمكنها التعامل بسهولة مع عواقب مثل هذه التسوية المؤلمة.

وتابع بقوله إن الاستثمار الآسيوي في المنشآت الصناعية استبق قدرة الغرب على الاستهلاك. وأشار إلى أن الأسر التي تعاني نقص الدين في وسط أميركا، أو بريطانيا، واسبانيا، لم يعد بإمكانها تحمل صروح مختلة وظيفياً. وأنه قد بات من الضروري بالنسبة إلى الآسيويين أن يتولوا مقاليد الأمور، وإلا فسيصب كل شيء على رؤوسهم.

وأوضح بريتشارد بعد ذلك أن البلدان تتدخل بنشاط في أسواق الصرف لكبح عملاتها، مثل الصين واليابان وكوريا وتايلاند وكذلك سويسرا، وجميعها غالباً هي الدول نفسها أيضاً التي تحظى بأكبر فائض تجاري مع الولايات المتحدة. وأشار إلى أنهم يقومون بخطوات نشطة لمنع أميركا من تخليص نفسها من أسوأ موجة بطالة تشهدها منذ الكساد العظيم. وتقوم كل دولة بذلك لأسباب مفهومة: فاليابان تحاول أن تتجنب أزمة انكماش، والصين تسعى للحفاظ على نظام سياسي أكثر هشاشة مما يبدو.

ومع هذا، رأى بريتشارد أن هذا الوضع لا يُطاق بالنسبة إلى الولايات المتحدة. وبالتالي لا ينبغي أن يكون من المفاجئ بدء واشنطن في الرد بشكل جاد، وليس فقط القيام بتمرير الإصلاح إلى قانون التجارة العادلة في مجلس النواب ( وليس بعد مجلس الشيوخ )، ومن ثم تمهيد الطريق لفرض تعريفات عقابية ضد الجهات التي تتلاعب في العملات.

وأشار بريتشارد في السياق ذاته كذلك إلى أن الخطوة الأهم من جانب الولايات المتحدة في ما يتعلق بهذا الأمر هي بالطبع خطوة التخفيف الكمي من جانب الاحتياطي الفيدرالي. فقد أصدرت أميركا في واقع الأمر تحذيراً إلى الصين ومجموعة العشرين، مفاده : quot;إما أن توقفوا هذا السلوك المفترس وتوافقوا على صيغة ما من أجل إعادة التوازن العالمي، وإما أن نقوم بنشر التخفيف الكمي الثاني لإغراق اقتصادياتكم بفائض من السيولةquot;. ثم لفت بريتشارد إلى كم الصخب الذي أثير بشأن احتمالات نشوب حرب عملات خلال اجتماع صندوق النقد الدولي نهاية الأسبوع الماضي.

وأورد بريتشارد هنا عن الخبير الاقتصادي الذي سبق له الفوز بجائزة نوبل، بول كروغمان، قوله :quot; يبحث الناس عن سبل حميدة للتعامل مع تلك المشكلة، ولم يكن هناك أي منهاquot;. ثم تحدث بريتشارد عن أن تخفيض قيمة العملة لم يكن خطأ ثلاثينات القرن المنقضي، بل كان العلاج، وإن كان علاجاً سيئاً.

وتابع بقوله إن معيار الذهب قد انهار خلال سنوات ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية بسبب إقدام الولايات المتحدة وفرنسا بصورة هيكلية على خفض أسعار الصرف ( مثل الصين/ وآسيا اليوم ) وتوقفا عن إعادة تدوير الفوائض التجارية الخاصة بهم ( مثلما تفعل اليوم الصين وآسيا ). وهو ما تسبب في حدوث دوامة هبوط انكماشية للجميع.

وواصل بريتشارد حديثه بالتأكيد أن الهروب من مثل هذا النظام المشوه كان الطريق إلى الانتعاش. وأشار إلى أن المقارنة بالعولمة الحديثة ndash; وإن لم تكن دقيقة ndash; فإنها واضحة. وأبدى بريتشارد شكوكه في أنّ بين بيرنانكي، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، يعمل الآن مع وزارة الخزانة لخفض قيمة الدولار، وفوق هذا كله منعه من الارتفاع مرة أخرى، منذ أن بدا مؤشر الدولار العالمي مستعداً لانتعاش قوي.

وبعد أن أوضح بريتشارد أنه قد جال بخاطره ذات مرة أن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سيكون بحاجة مستقبلاً إلى إطلاق المرحلة الثانية من إجراء التخفيف الكمي على نطاق واسع، بعد أن بدأت تشعر الولايات المتحدة بلدغات التشديد المالي، وبدأ يتلاشى المخزون، وتسارعت وتيرة أزمة حبس الرهن العقاري، لكنه عاود ليقول لنفسه إنهم لم يصلوا بعد إلى تلك المرحلة، لافتاً إلى أن التخفيف الكمي الجديد لا يمكن تبريره في تلك المرحلة تحت أي فهم طبيعي لسياسة البنك المركزي.

وأتم بريتشارد تحليله في هذا الشأن بقوله إن المرحلة الراهنة مرحلة خطرة بالنسبة إلى العالم، وربما تأتي بنتائج عكسية ضد الولايات المتحدة نفسها. وأضاف أننا بدأنا نرى بالفعل نوع الاندفاع نفسه صوب النفط والموارد التي أدت إلى نشوب حالة الفوضى نفسها التي وقعت في منتصف عام 2008، وربما كانت حافزاً رئيساً للكساد العظيم. ورغم نفي فرنسا أنها تجري محادثات مع الصين بشأن اعتزامها إنشاء نظام جديد للعملات، قال بريتشارد أنه سمع وزيرة المالية الفرنسية، كريستين لاغارد، وهي تقول بنفسها خلال اجتماع عُقِد مؤخراً في ايطاليا أن بلادها ستستغل رئاستها لقمة مجموعة العشرين من أجل الدفع لإقرار بديل للدولار.

وأوضح في السياق ذاته أن الولايات المتحدة تخاطر بالمراهنة على ذلك quot;الامتياز الكبيرquot; الذي حظيت به على مدار ما يقرب من 75 عاماً، باعتبار عملتها هي العملة المهيمنة.