إنشغل الوسط الفكري والإجتماعي والإقتصادي خلال الأيام الماضية بالملف الساخن لعمل المرأة وقرار هيئة الإفتاء الرافض تماماً عمل المرأة في الأسواق والمجمعات التجارية، مخالفاً لرغبة تلك المجمعات في تعيين العنصر النسائي داخل أروقتها، خصوصاً في وظائف الصف الأمامي.


الرياض: الغريب في الأمر هو وقوف وزارة العمل موقف المتفرج والمراقب السلبي لما يحدث، فلا توجد قرارات تم إتخاذها لحل مشكلة البطالة بشكل عام عطفاً على البطالة النسائية التي باتت أكثر جدلاً عما كانت عليه سابقاً، وكذلك لا يوجد حلول أو آراء طرحت من قبل المسؤولين في الوزارة لحل المشكلة.

وتشير التقارير المبدئية التي نشرت مؤخرا في عدة مواقع، من بينها تقرير مؤسسة النقد الأخير، إلى أن عدد العاطلات عن العمل داخل المملكة يقدر بـ40% تقريباً، 78% منهم حاصلون على المؤهل الجامعي! تلك النسبة المخيفة لم تجد من يقوم بتعديلها ومعالجتها أو على الأقل تفصيلها وتوضيحها، إذا نظرنا إلى مشكلة المملكة كمشكلة إجتماعية ودينية أكثر منها إقتصادية!

وقبل عدة أشهر بدأت بعض كبرى الشركات الغذائية في المملكة بالإعلان عن توظيف عدد من الفتيات بوظيفة محاسبات صندوق للعمل لديهم، تم إعتبارها في كثير من الصحف على أنها (بادرة) تحسب لهذه الشركات ولا تحسب عليهم، إلا أن هذه البادرة قوبلت بكثير من الإنتقاد سواء سلبي أو إيجابي أو هادف، حتى وصل الأمر إلى إعلان هيئة الفتوى في المملكة تحريم هذا النوع من العمل للسيدات، درءا للمفسدة!

وزارة العمل المسؤول الأول والأخير!

يقول عضو الجمعية السعودية للإدارة، والخبير الاقتصادي والباحث في مجال العمل والتوظيف فضل عدم ذكر اسمه، أن وزارة العمل هي المسؤول الأول والأخير لهذا التخبط الحاصل في التدريب والتوظيف ومعالجة البطالة، واستغرب تماماً وقوفها مكتوفة الأيدي أمام هذه المعضلة.

ويضيف، أن ذراعي الوزارة الرئيسين معطلان تماماً، وهما صندوق تنمية الموارد البشرية والمؤسسة العامة للتعليم المهني والتقني، فلا يوجد تقدم ولا توجد أبحاث دقيقة، ولا يوجد أيضاً تأهيل كافٍ للخريجين للإنخراط في سوق العمل بسهولة ويسر.

ويضيف أيضاً، أن مشاريع وزارة العمل في السعودة يمكن القول إنها فاشلة! فسعودة سيارات الليموزين إنتهت بالفشل، وسعودة محلات الخضار لقيت المصير نفسه، أما عمل المرأة في محلات الملابس النسائية لا ندري ماذا حل به؟!

ويستغرب الخبير نقص المعلومات التي لدى وزارة العمل حول معدلات البطالة، حيث يؤكد أن الأرقام الموجودة غير صحيحة، فهناك عوامل يجب عدم إهمالها، حيث إن هناك 3 ركائز رئيسة لعمل المرأة، الرغبة والمؤهل والقدرة على تحمل العمل، فمعدلات البطالة المنشورة أخذت فقط عامل المؤهل وتركت العوامل الأخرى!

وفي ما يتعلق بعمل المرأة كمحاسبات صندوق، يشير الخبير الاقتصادي، إلى أنه من المعارضين لعملها داخل هذه الأسواق، كونها لا تتناسب وطبيعة المرأة، فهي تحتاج إلى وقوف لساعات طويلة، بالإضافة إلى تحمل المسؤولية بشكل كبير بسبب تعاملها مع النقد، كما أن هناك سببا مهما أشارت اليه بعض الإحصائيات والدراسات أن نسبة كبيرة من العاملين داخل هذه المجمعات من مدمني الكحول والمواد المخدرة حسب ما أشارت إليه نتائج التحاليل الطبية التي أجريت لهم، وبالتالي من الخطورة بمكان أن تعمل المرأة داخل هذه البيئة.

وعلى الرغم من ذلك طرح الخبير الإقتصادي عدة حلول بديلة عن هذه الوظيفة، مثل سعودة محلات التجميل، والمشاغل النسائية، بالإضافة إلى محلات الملابس النسائية، فهذه تكفي ربما لحل نسبة كبيرة من البطالة، وإيجاد فرص عمل كبيرة.

ولم ينتقد رأي الهيئة الشرعية بهذا الخصوص، ورأى أن تدخلها طبيعي، خصوصاً أن الأمر أصبح إجتماعياً أكثر منه إقتصادياً، في ظل صمت المسؤول الرئيس عن هذا الموضوع وهي وزارة العمل، وبالتالي أصبح رأي هيئة الفتوى مقبولاً بل ومطلوباً!

الجدل محتدم بين المهتمين والضحية المرأة!

في ظل هذه الصراعات الجدلية، إنقسم المهتمون في هذا الأمر إلى مؤيد لعمل المرأة في أي مجال، رغبة منهم في العمل على مساواة المرأة بالرجل، ونادراً ما ينظر هؤلاء إلى الرأي الديني كرأي فاصل أو محدد له، وتقريباً هم من ينادون دائماً بقيادة المرأة للسيارة وتقلدها مناصب قيادية داخل الدولة.

الفئة الأخرى وهي المعارضة لهذا الأمر، بسبب الإختلاط، ووقوف المرأة أمام الرجال لفترة طويلة، وهنا كان تدخل هيئة الفتوى بمثابة الحل الأمثل بالنسبة لهم وإنقاذ المرأة من الوقوع في مثل هذه الوظائف التي لا تناسبها، حسب رأيهم.

تقول إحدى العاطلات عن العمل في رسالة بريد إلكتروني بعثتها لأحد الباحثين المختصين في مجال التوظيف، وهي تحمل المؤهل الجامعي بمعدل عالٍمع شهادة تفوق، أنها تخرجتفي الجامعة في عام 2005، ومنذ ذلك الوقت لم تترك باب رزق داخل مدينة الرياض إلا وطرقته بحثاً عن عمل بالإضافة إلى حصولها على عدد من الدورات التي تؤهلها إلى الدخول في مجال العمل، ولكن من دون جدوى.

وتضيف، أنه لم يدر بخلدها أبداً أن تعمل في مجمع تجاري بوظيفة كاشير، لعدم مناسبة هذه الوظيفة لها، ولكن المشكلة هو عدم وجود بدائل عديدة للمرأة داخل السعودية بالإضافة إلى عدم تقبل الرجل لعمل المرأة، وإن قبل بذلك فهو قبول متحفظ.

وتضيف أيضاً، أن وزارة العمل وقفت حجر عثرة أمام أي تقدم، فلا يوجد لديهم أي وظائف مناسبة، وإن رغبت في البدء في عمل تجاري فإن إجراءات إستقدام العمالة أو المساعدة على الحصول على موظفات سعوديات مناسبات صعبة جداً وغير متوفرة بشكل كبير، هذا ما أدى إلى مكوثي في المنزل فترة طويلة وصلت إلى 5 سنوات دون أي فائدة تعود على المجتمع والإقتصاد الوطني.