لأكثر من عامل تدور الإنطباعات بأن الأردن سيعيش واقعاً اقتصادياً صعباً للغاية العام المقبل، بعد أن أظهرت الموازنة العامة للدولة 2011 تقليصاً للعديد من المخصصات المالية بما في ذلك مخصصات للديوان الملكي.


عمّان: لم تتردد حكومة سمير الرفاعي بتقديم مشروع قانون الموازنة العامة للدولة الأردنية لعام 2011 في الموعد الدستوري المحدد، دون مماطلة إلى مجلس النواب الأردني، الذي سيخضع هذه الموازنة إلى الفحص والتدقيق والمراقبة، وسط أوضاع اقتصادية صعبة للغاية تخضع لها الحالة المالية للدولة الأردنية منذ سنوات عدة، إلا أن عامي 2010 و2011 سيكون الأصعب، وأقرب إلى عنق الزجاحة، في ظل عجز في الموازنة بلغ نحو مليار دينار أردني (مليار ونصف المليار دولار أميركي) وهي سابقة في تاريخ الأردن، إذ تفكر حكومة الرفاعي ببدائل وخيارات قاسية جدا لسد الفجوة في الموازنة، وهو الأمر الذي يرفضه البرلمان الجديد.

دستوريا يحق لمجلس النواب الأردني تقليص أي بنود أو مصاريف في الموازنة الأردنية، إلا أن فقهاء الإقتصاد الأردني المريض يقولون إن النواب في مناقشاتهم لبنود الموازنة لن يجدوا ما يقلصونه بسبب سياسة شد الأحزمة التي عمدت إليها حكومة الرفاعي منذ تشكيلها أواخر العام الماضي، إذ تظهر بنود المصاريف الواردة في مسودة الموازنة المالية أن المخصصات المالية لبعض الوزارات والهيئات الحكومية قد تقلصت إلى النصف أو ما دونه في سابقة هي الأولى من نوعها، بالتزامن مع قرار للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أرسله إلى الحكومة بتحفيض موازنة الديوان الملكي 7%، إذ ترد مخصصات الديوان الملكي في الموازنة العامة للدولة، وهو إجراء ملكي يقال في الداخل الأردني إنه رسالة ذات مغزى إلى الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة لشد الأحزمة وترشيد الإنفاق.

يقول الخبير الإقتصادي الأردني مازن عريقات لـquot;إيلافquot;إن الإطلاع الأولي على مواد وبنود الموازنة المالية للدولة، تؤكد بلا أدنى شك أن الأردن مقبل على وضع اقتصادي صعب للغاية، إذ إن تقليص النفقات تضاعف في موازنة العام المقبلة، قياسا على إعداد موازنة متقشفة أصلا منذ العام الماضي، الأمر الذي اضطر الحكومة الأردنية الجديدة التي تشكلت العام الماضي إلى السحب الإضافي عبر ملاحق فوق الموازنة المالية، وأن سياسية الترشيد وتقليص النفقات غير ناجعة كونها انتقائية، بالنظر إلى وجود نفقات باهظة جدا تسددها الحكومة الأردنية لكبار المسؤولين من باب الحفاظ على الوجاهة والمكانة الإجتماعية، وهي مصاريفدعا إلى ضبطها، وإعادة تفويضها في سد عجز الموازنة الذي توسع أكثر هذا العام.

وحول بدائل الحكومة بشأن عجز الموازنة، يقول الخبير عريقات إن الحكومة الأردنية قد بدأت تمهد بتصريحات وتسريبات عن نية محتملة لرفع أسعار المياه والكهرباء، إضافة إلى ثمن اسطوانة الغاز الذي يتعاظم ويتضاعف الطلب عليها في فصل الشتاء، بسبب استخدمات التدفئة، إلى جانب الرفع المتكرر لأسعار مشتقات البترول، خلافا للإستقرار النسبي في أسعارها عالميا، معتبرا أن إجراءات من هذا النوع تظل ضرورية لتصويب الخلل في الموازنة، إلا أنها ستعمق أزمة الأردنيين ذوي الدخل المنخفض، وسيكون لها آثار صعبة جدا على المستويين الإنساني والإجتماعي.

من جانبه يرى النشط سياسيا والمدون الأردني محمد الطروانة أن الحكومة الأردنية الأخيرة تشكلت من 30 وزيرا، رغم أن الجميع في الأردن يعلم بأن بلدا مثل الولايات المتحدة الأميركية حكومتها لا تزيد عن 15 وزيرا، وأن بلدا مثل الكويت تعتبر إمكانياته المالية أعلى وأقوى بكثير من إمكانات الأردن فيه 16 وزيرا، فما الذي يدفع الأردن لأن تكون حكومته بهذا العدد من الوزراء الذين يرهقون موازنة الدولة، بلا أي فائدة تذكر منهم، عدا عن ذلك فإن الأردنيين يدفعون ثمن رفاهيتهم ومستلزمات quot;البرستيج الإجتماعيquot; لهم، إذ تصر الحكومة على منحهم سيارات فارهة، ورواتب وامتيازات عالية جدا، وتدخل أبناءهم إلى الجامعات الحكومية التي يتولى المواطن الأردني البسيط الإنفاق عليها، عبر الضرائب التي يدفعها، وفي نهاية المطاف لا يجد مقعدا فيها لابنه المتفوق.

ويرى الطراونة أن أمر الملك بتخفيض مصروفات ديوانه الملكي يعد رسالة قوية، أظن أن الحكومة لم تلتقطها، ولن تلتقطها على الأرجح، بدليل أن التشكيل الحكومي الأخير قد ضم وزيرين مهمتهما إعلامية رغم أن وزارة الإعلام ملغاة أساسا، كما ضمت وزيرين مهمتهما لا تزيد عن تنظيم الشؤون الداخلية في مجلس الوزراء، وهي مهمة يستطيع رئيس قسم صغير في مقر الحكومة النهوض فيها، فلماذا يتجشم المواطن الأردني البسيط رواتب أربعة وزراء، تبلغ سنويا أكثر 120 ألف دينار أردني، مضافا إليها مصاريف ونفقات ووجاهة اجتماعية بمبلغ مماثل؟.

يشار إلى أن المخصصات المالية الخاصة بديوان العاهل الأردني تستخدم في إغاثة المحتاجين الذين يتظلمون للعاهل الأردني في المناسبات الوطنية، إضافة إلى تطوع عاهل الأردن لعلاج الآلاف من الأردنيين الذين تقطعت بهم السبل، في المستشفيات الأردنية، إذ لا يملكون تأمينا صحيا في مستشفيات الدولة، أو مستشفيات القطاع الخاص، كما أن ديوان عاهل الأردن قد تطوع ببناء العديد من المساكن لفقراء زارهم الملك، ووجد أن مساكن ألواح الصفيح التي يعيشون فيها تحط من كرامتهم.