خلافاً لما طبع سيرورة زيت الزيتون الجزائري، المعروف بجودته، صار الأخير ممميزاً خلال الفترة الأخيرة بنوعيته الرديئة وأسعاره الباهظة، وهو ما يفسره جمهور المنتجين في كون إنتاج الزيتون كان كارثياً هذه السنة. quot;إيلافquot; استطلعت الأمر مع عدد من المسؤولين والمتعاملين والمستهلكين.

الجزائر: يقول أحمد منديل، المدير العام للمعهد الجزائري للأشجار المثمرة، إنّ ما هو حاصل من جدل حول نوعية الإنتاج يرجع إلى عامل ارتفاع نسبة الماء في الزيتون على حساب الزيت، بسبب غزارة الأمطار التي تساقطت في الجزائر خلال الأشهر الماضية، وهو ما أثّر على مردود القنطار الواحد من زيت الزيتون، فبعدما كان يمنح من 18 إلى 20 لترًا، صار لا يقوى سوى على توليد 14 إلى 16 لترًا.

وفيما يشدّد مسؤولون في وزارة الزراعة الجزائرية أنّ 70 % من الزيوت الجيدة، هي المطروحة حاليًا للاستهلاك، وهي من النوع الرفيع، يشير في المقابل، المنتج رابح زغدود إلى معاناة وحدته من محاذير الحموضة ووسائل الإنتاج، إلى جانب مرض ذبابة الزيتون quot;داخوسquot;، التي ساعدت العوامل المناخية على انتشارها بكثرة، وتسببت هذه الآفة بحسب الكثير من المنتجين إلى تلف كميات كبيرة، كما تسبّب تهاون المزارعين في معالجة هذا المرض في بدايته إلى وقوع أضرار كارثية، ساهمت في رداءة نوعية الزيت المستخلص منها.

ويقرّ كمال نجمي بانخفاض المردودية بشكل محسوس في كثير من بساتين الزيتون، حيث إنّ عمليات التقليم العديدة على الأشجار المسنّة من أجل تجديدها لم تتمكن على ما يبدو من وقف شيخوختها، وحتى عمليات القلع التي تمت على نطاق واسع.

وتعليقاً على سعر اللتر من زيت الزيتون، الذي بلغ نسبا قياسية هذه السنة، فيما لم يطرأ أي تحسن على نوعية المنتوج، يتحجج المنتج مصطفى وارث مثل زملائه بكون معصرته لا يوجد فيها تقريبا أي كمية من الزيتون المعدّ للعصر منذ بداية الشهر الفائت، وفي هذا الصدد، يوضح أنّ نسبة الزيتون التي تم عصرها في معصرته أوائل السنة الحالية تعادل 20 % من تلك التي تمت خلال السنة الماضية. ويضيف مصطفى quot;في الحالات العادية، كنت ستجد أمام المعصرة أكواماً من أكياس الزيتون المعدّة للعصر حسب تاريخ وصولها، وفي مواسم الانتاج الجيدة، كما كان عليه الحال السنة الماضية، ينفذ المخزون بسرعة خلال خمسة عشر يوماً فحسبquot;.

وعبثاً يحاول الباعة إغراء زبائنهم، من خلال إبراز محاسن زيت الزيتون، الذي يتم وضعه في إناء كبير شديد اللمعان من الحديد المقاوم للصدأ، لكن الهائمين بهذا النوع من الزيوت، وما إن يتذوقوا قليلاً من الزيت، حتى يشيرون إلى جودته الناقصة، ويسجّل عبد الحميد، أحد هؤلاء، أنّ اللون الأخضر لزيت الزيتون يدل على نوعية أقل جودة مقارنة بالمقاييس المتعارف عليها.

وعلى الرغم من انبعاث روائح قوية لأوراق الزيتون المطحونة، دلالة على كونها طازجة، إلاّ أنّ غالبية المتمرسين من الزبائن يشعرون الباعة بأنّ زيوتهم تحتوي على نسب صغيرة من الحموضة، وهو معطى كان يُفترض معه عدم تسويق هذه الزيوت وعدم توجهيها للاستهلاك، وينصح خبراء باجتناب هذه الزيوت، لما تفرزه من روائح قوية وارتفاع نسبة الحموضة بها، والتي تتجاوز 3.3%.

ويعتبر quot;حسانquot; العامل في مؤسسة لإنتاج الزيتون في ضاحية البويرة، أنّ ارتفاع الحموضة هو محصلة لعدم توافر ظروف إنتاج زيت ذي نوعية، منبّها أنّه يتعيّن على منتجي الزيتون أن يجنوا غلالهم من الزيتون، لما تتخذ اللون البنفسجي، بيد أنّ هؤلاء لا يقومون بذلك في الواقع، إلا عندما تبلغ حبات الزيتون مرحلة متقدمة من النضج، وحتى تلك التي تقع على الأرض، والتي تكون مكسوة بالغبار، يتم وضعها في الكيس البلاستيكي نفسه لأيام عدة، لغاية انتهاء فترة الجني، ليتم نقلها بعد ذلك إلى المعصرة، وخلال هذه الفترة قد تتعرض حبات الزيتون بكل تأكيد إلى التخمّر والتعفن، ما يحول دون الحصول على زيوت خالية من الحموضة، بالنظر إلى الوقت الذي بقيت فيه حبات الزيتون في الأكياس قبل طحنها.

ومع إبداء الزبائن انزعاجهم الشديد من درجة حموضة زيت الزيتون لهذا العام، إلاّ أنّ تذمرهم الأكبر ينبع من الأسعار التي يحددها من جانب واحد المنتجون والمحوّلون، ويجزم علي، صابر، عامر وفوزي وغيرهم من الزبائن أنّ مثل هذه الأسعار لمثل هذه النوعية المشكوك في جودتها، شيء مبالغ فيه.

ويجد رياض صعوبة في الفهم، طالما أنّه لم يبذل أي شيء، كي يقوم منتجو الزيتون برفع كبير لأسعار زيت الزيتون، التي انتقلت من 150 دينار للتر الواحد إلى خمسمائة دينار في الوقت الراهن، علماً أنّ جمهور المنتجين ما زالوا يستخدمون وسائل الجني والحفظ عينها، تماماً مثل التقنيات الزراعية، التي كانت تستخدم منذ عشريات خلت.

من جهتها، تستغرب جميلة كيف أنّ الإنتاج الجيد للسنة المنصرمة لم ينعكس إيجاباً على انخفاض منطقي للأسعار، ولم تستبعد جميلة أن يكون هناك مخزون زيت لم يتم تسويقه خلال السنة الماضية، وتتساءل محدثتنا كم ستكون أسعار زيت الزيتون غداً عندما تسن أشجار الزيتون وتشيخ ولا تقو على الإنتاج.

ويرى خبراء بحتمية الانتقال إلى زراعة نوعية خاصة واستخراج زيت الزيتون باستخدام معصرات نقالة، ويوضح quot;الساسي عمورquot; أنّ ذلك من شأنه تثمين الطابع الجبلي في البلاد، وتكثيف زراعة الزيتون، سواء لاستخراج زيت الزيتون أو زيتون الاستهلاك، وهو الاستثمار الفعّال اقتصادياً، على حد تعبيره.

ويؤيّد عمور، مدير محطة المعهد التقني للأشجار المثمرة والكروم، فكرة استحداث تعاونيات تسهّل على الحصول على دعم الدولة، وتكفل توظيف تقنيات مبتكرة في مجال زراعة الزيتون، وإعادة تأهيل معاصر الزيتون التقليدية، وإنجاز معاصر حديثة، إلى جانب تكثيف وتكييف زراعة الزيتون وإدخال التجهيزات المقتصدة للمياه.

يُشار إلى أنّ الجزائر تضم حوالي 12 مليون شجرة زيتون، مؤهلة لإنتاج 90 ألف طن كل عام، وهي تحتل المركز الثالث عربيًا في قائمة الدول المنتجة للزيوت بعد تونس والمغرب، وتراهن الدولة الجزائرية على برنامج موسّع لزرع 500 ألف هكتار إضافية من أشجار الزيتون في 15 محافظة. ويوضح quot;عبد السلام شلغومquot; المسؤول البارز في وزارة الزراعة الجزائرية، أنّ الاهتمام جار بغرس أشجار الزيتون في المناطق السهبية وشبه الصحراوية لتعويض المساحات التي أتلفتها الحرائق، وتسعى الخطوة إلى رفع إنتاج البلاد من زيت الزيتون إلى مستوى كبار منتجي الزيتون عالميًا، من خلال تشجيع المزارعين على الاهتمام أكثر بزراعة الزيتون، حتى يتحقق الاكتفاء الذاتي والنوعية الجيدة.