برن (سويسرا): تجد حكومة بكين نفسها اليوم أمام واقعين جديدين. من جهة، لا ينبغي عليها القيام بالتضحيات، كما في السابق، لترسيخ مكانتها الاقتصادية الدولية. ومن جهة ثانية، ارتفعت الحركة الاستهلاكية في الصين كرد فعل شبه مسبق لما يطلبه منها الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما، الذي يتمسك بضرورة قيام تلك الدول، التي تتمتع بفوائض تجارية قوية، على إنعاش الاستهلاك والطلب المحلي.

في ما يتعلق بالصين، فإن انفتاحها على الأسواق الدولية وتطوير سياسة تبادل العملات (يكفي النظر إلى احتياطاتها العملاقة بالدولار الأميركي) مساهمة أساسية، لتقليص ما يسجل من عدم توازن، سوقي وتجاري، حول العالم.

في هذا الصدد، تنوّه الخبيرة الاقتصادية quot;سارا كريستالديquot;، لصحيفة quot;إيلافquot; بأن الصين ردت إيجابياً على على دعوات زعماء العالم، عن طريق تحديث محرك قاطرة الاقتصاد العالمي، وذلك عبر حقن وقوده بجرعات قوية من الاستثمارات، وزيادة الاستهلاك المحلي، التي يستأثر بـ37 % من الناتج المحلي الإجمالي، في الصين، مقارنة بـ71 % في الولايات المتحدة الأميركية.

جاء ارتفاع الواردات الصينية، في الشهر الماضي، بنسبة 45 % كتكملة لأهداف وضعتها حكومة بكين أمامها، بسرعة كبيرة، في خريف عام 2008 بصورة موازية لولادة الإعصار المالي، إثر إفلاس مصرف ليمان بروذرز. ومما لا شك فيه أن ارتفاع الاستهلاك بالصين جريء، والأول من نوعه هناك، لكونه يسير عكس التيار. فعادة نسبة الإدخار، لدى الأسر الصينية، تبقى الأعلى في العالم، لضرورة تغطية بعض المصاريف، على رأسها الإنفاق الصحي والتعليمي (لضمان مستقبل أفضل للأولاد في عالم يزداد تنافسية)، التي لا تتحملها الدولة.

ونظراً إلى الإصلاحات، التي أقرت بها حكومة بكين، في قطاع الرعاية الصحية، في مطلع العام، إلى جانب الحوافز الاستهلاكية الخاصة بالمناطق الصينية quot;المتخلفةquot;، تتوقع الخبيرة كريستالدي أن تواصل الحركة الاستهلاكية نموها بوتيرة أعلى من الناتج المحلي الإجمالي، في الصين.

على صعيد إعادة تقويم الرنمينبي (العملة الصينية)، وهو موضوع حساس واستراتيجي، تبدي حكومة بكين انفتاحاً عنيداً. في الحقيقة، واعتماداً على آخر المعطيات الخاصة بتجارتها الخارجية، فإن رفع قيمة العملة الصينية، وفق هذه الخبيرة، ستجلب معها المنافع لأسباب عدة، كما حماية الصين من موجات التضخم المالي، التي بدأت تطفو على السطح، من جراء استعادة الاستهلاك والاستثمارات نبضة حيوية، وإغلاق الشركات التي تتمتع بتنافسية متواضعة، وزيادة القدرة الشرائية لدى المستهلكين وتقوية قيمة اليوان الصيني، لتلبية طموحات الصين، الرامية إلى جعل شنغهاي العاصمة المالية للعولمة في عام 2020.