ارتفعت الاحتياطيات الرسمية لمؤسسة النقد العربي السعودي، في حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي بنهاية العام الماضي 2009م، لتصل إلى 40.9 مليار ريال، مقابل 2.7 مليار ريال بنهاية 2008م، وذلك بعد اكتتاب المملكة في عمليتي التخصيص اللتين نفذهما صندوق النقد لحقوق السحب الخاصة في يونيو 2009، التي قام خلالها الصندوق بتوزيع 250 مليار دولار للدول الأعضاء.

رضا محمود علي من الرياض: مع التخصيص الأخير لحقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي تزايدت القوة النسبية للمملكة العربية السعودية في الاقتصاد العالمي، وفتحت أمامها الباب للعب دور أكبر كقوة اقتصادية، بعد ارتفاع احتياطياتها في صندوق النقد نحو 5.2 مليار وحدة حقوق سحب خاصة، أو ما يعادل 7.8 مليار دولار، لتعزز موقعها كثامن دول العالم من حيث القوة التصويتية في الصندوق وفقاً لحقوق السحب الخاصة، وتبلغ قوتها التصويتية 3.21%، إذ تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى بنسبة 17%، ثم اليابان بنسبة 6%، وألمانيا بنسبة 5.9%، وفرنسا والمملكة المتحدة والصين بنسبة 3.7%، وإيطاليا بنسبة 3.2%.

وتشير الأرقام السابقة إلى قوة تصويتية مرتفعة نسبياً لكل من اليابان وألمانيا، التي لم تكن قوة متاحة منذ بداية عمل الصندوق، ولكنها زادت بعد ارتفاع حصة البلدين في رأس مال صندوق النقد، مع تنامي القوة الاقتصادية النسبية لهما، لتحتلا ثاني وثالث أكبر اقتصاد، وأكبر ثاني وثالث قوة تجارية عالمية بعد الولايات المتحدة. ومع استمرار تنامي الاقتصاد السعودي وبروز المملكة كقوة اقتصادية عالمية كبرى، من المتوقع أن تتزايد قوتها التصويتية داخل صندوق مع المراجعة المقبلة المقرر لها عام 2011م، وحتى في الوقت الراهن من المؤكد أن المملكة تتمتع بقوة تصويتية نسبية جيدة (3.22%).

هذه القوة التي تكتسبها السعودية تفتح أمامها آفاقاً أرحب للعب دور أكبر في المجتمع الدولي على الصعيد الاقتصادي، خاصة وأنه يمكن للدول التي تم تخصيص حقوق السحب الخاصة لها الاحتفاظ بها كجزء من احتياطياتها الدولية (لدى البنك المركزي)، أو استبدالها وحدات بالدولار أو اليورو أو أي عملة حرة أخرى، أو استخدامها في تسوية أي معاملات مع صندوق النقد الدولي، مثل دفع الفوائد على قروضها من الصندوق أو دفع أقساط قروضها أو تسديد أي زيادة في حصصها المستقبلية في رأسمال الصندوق، كما يمكنها التنازل عن مخصصاتها لدولة أخرى من باب المساعدة، أو لصندوق النقد الدولي، ليتولى تقديمها إلى الدول الأعضاء التي تحتاج مساعدة، وهي كلها مجالات تمنح السعودية فرصة للتحرك والمساعدة وتعزيز دورها كقوة اقتصادية عالمية وإقليمية كبرى.

ومن المهم هنا التذكير بأن عدد أعضاء صندوق النقد الدولي rlm;185rlm; دولة، تبلغ حصة البلدان الخمسة الصناعية المتقدمة نحو rlm;39%rlm; من إجمالي القوة التصويتية في صندوق النقد، بينما تبلغ القوة التصويتية لبقية الدول الأعضاء، البالغ عددها rlm;180rlm; دولة، نحوrlm;61%.rlm;

وتكتسب القوة التصويتية أهميتها من أن بعض القرارات الأكثر أهمية في صندوق النقد والبنك الدوليين يشترط لإقرارها نسبة غالبية تزيد عليrlm; 80%، وعليه فإن الدول الصناعية المتقدمة فرادى كالولايات المتحدة الأميركية أو مجتمعة، يكون لديها حق الفيتو على كل ما لا ترضى عنه من قرارات، حتى لو أرادتها غالبية الدول الأعضاء في الصندوقrlm;، وهو نظام يتيح لقلة من الدول الصناعية المتقدمة السيطرة عملياً على عملية صنع القرار داخل صندوق النقد الدوليrlm;، بما يتفق بالطبع مع مصالحها ورغباتهاrlm;.
rlm;
ولابد من القول إن حقوق السحب الخاصة هي وحدة الحساب لدى صندوق النقد الدولي، وتعتبر عملة دولية رسمية، أي ليس من حق المؤسسات الخاصة أو الأفراد الاحتفاظ بها، وهو ما يميزها عن بقية العملات الأخرى المتداولة والمتعارف عليها، وتستخدم في دعم الاحتياطيات، وتوفير السيولة بأقل تكلفة، وتحدد قيمة وحدات حقوق السحب الخاصة عبر سلة من أربع عملات، هي الدولار الأميركي واليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني، وتراجع كل خمس سنوات للتأكد من أن العملات الداخلة فيها هي المستعملة في المبادلات الدولية، وأن قيمها وأوزانها تعكس أهمية هذه العملات في الأنظمة المالية والتجاريةrlm;.
rlm;
وكانت بداية ظهور حقوق السحب الخاصة في عام 1969م، عندما قام صندوق النقد الدولي rlm;بإصدارها كوحدة نقدية وهميةrlm; (حسابيةrlm;)rlm; لتوفير سيولة إضافية للدول الأعضاء في صندوق النقد، عندما لم تكف الاحتياطيات الدولية في ذلك الوقت من الذهب والدولار الأميركي لمواجهة النمو في حجم التجارة العالمية، فقرر العالم إنشاء أصول احتياطية دولية إضافية من خلال الصندوق.
وكانت المرة الأخيرة التي تم فيها تقويم حقوق السحب الخاصة في عام 2006م، ووفقاً لهذا التقويم، تصل مساهمة الدولار في السلة إلى 44 % مقابل 34 % لليورو، و11 % للين الياباني، و11 % للجنيه الإسترليني.

ووفقاً للتخصيص الأخير، تم تزويد كل بلد مشارك بحقوق سحب خاصة تعادل نحو 74 % من حصة عضويته، ما أدى إلى زيادة مجموع مخصصات البلدان الأعضاء من نحو 33 مليار دولار أميركي (21.4 مليار وحدة حقوق سحب خاصة) إلى ما يعادل 283 مليار دولار أميركي على وجه التقريب (182.6 مليار وحدة حقوق سحب خاصة).

وتبدو أهمية هذا القرار في أن قيمة هذا التخصيص تتجاوز سبعة أضعاف التخصيصات التي تمت مسبقاً من قبل الصندوق، وتظهر جدواه بصورة كبيرة بالنسبة إلى الدول الناشئة والدول ذات الدخل المحدود، التي تأثرت بشكل أكبر من الأزمة المالية، حيث تم تخصيص 100 مليار دولار من هذا الإصدار الجديد إلى الدول الناشئة، ومن بينها نحو 20 ملياراً للدول ذات الدخل المنخفض، بما يمثل زيادة بنحو 20 % من إجمالي الاحتياطيات الدولية للدول ذات الدخل المنخفض، بمعنى آخر، فإن ذلك بمثابة زيادة في مستويات السيولة لدى هذه الدول، الأمر الذي يساعدها على التكيف مع أوضاع الأزمة، كذلك سيوفر القرار الجديد تسهيلات سيولة للدول التي تحتاجها.

وبهذا الإصدار، يدشّن صندوق النقد الدولي حقبة جديدة تلعب فيه حقوق السحب الخاصة دوراً جديداً على المستوى العالمي، خاصة في ما يتعلق بهيكل احتياطيات دول العالم، خصوصاً إذا ما قرر الصندوق تخصيص كميات إضافية منها في المستقبل. ومن المنتظر أن تجري المراجعة المقبلة لحصص الدول الأعضاء في الصندوق، والتي تحدد القوة التصويتية لكل دولة، في عام rlm;2011.rlm; وتسود الآمال بأن ينجم من هذه المراجعة بروز هيكل جديد للقوة، يتيح فرصة حقيقية للعالم النامي في صياغة نظام اقتصادي عالمي أكثر عدلاً واستجابة لمشكلاتها الاقتصادية الملحةrlm;.

ومن المؤكد أن بعض البلدان النامية ستخسر بعض قوتها التصويتية النسبية عند إجراء مراجعة للحصص داخل صندوق النقد والبنك الدوليين، وهي حصص ضئيلة على أية حالrlm;،rlm; وذلك لمصلحة القوى الصاعدة،rlm; ومن بينها السعودية، ومن المنصف هنا الإشارة إلى أن صندوق النقد الدولي يعاني خللاً كبيراً في قاعدته التصويتية، لا تنسجم بأي حال من الأحوال مع التطورات الاقتصادية، التي شهدتها العديد من دول العالم، وهو ما يأمل الخبراء والاقتصاديون في تعديله عند المراجعة المقبلة لحصص الدول الأعضاء في الصندوق في 2011 م.