قررت السعودية الأسبوع الماضي إلغاء الرسوم الجمركية على واردات الحديد إلى المملكة، في خطوة يعتبرها البعض تمهيدية للوقوف ضد حرب الأسعار واحتكار سوق الحديد، الذي يلحق بأضرار كبيرة على المقاولين والمستهلك العادي، في ظل الطلب الكبير على الحديد في المملكة.

حسن الأحمري ndash; الرياض: لا يخفى على الكثير التطور العمراني الهائل الذي تشهده السعودية في السنوات الأخيرة، ولا يغيب عن الكثير أيضاً الإنفاق الحكومي الضخم، المنصب في معظمه على مشاريع البنى التحتية والمقاولات داخل المملكة، التي تقدر أحجام مشاريعها بما يقارب الـ 500 مليار ريال تقريباً. عطفاً على المشاريع الاستثمارية المتعلقة بالبناء والتعمير، وانتهاء بالمشاريع الصغيرة الخاصة بالمستهلكين.

ويعتبر عنصر الحديد من أهم المواد التي يحتاجها مجال البناء على الدوام، وأكثرها استخداماً، لكونه مادة أساسية، يقوم عليها البنيان، فمتى كان هذا العنصر ذا جودة عالية كان كذلك المشروع القائم. وتعتبر المملكة من أكثر الدول إنتاجاً للحديد، حيث تقدر طاقتها الإنتاجية بحوالى 7 ملايين طن سنوياً، ويقدّر فائض الإنتاج بحوالي 1 مليون طن خلال العام الحالي فقط، وذلك حسب البيانات التي أصدرتها وزارة التجارة السعودية أخيراً. ولا يختلف الكثير على جودة الصنع والمنتج النهائي لها، ما أهّلها لتصبح من أكثر الدول في العالم إنتاجاً وتصديراً لهذا المنتج المهم.

ارتفاع المخزون وصعود الأسعار
منذ 3 سنوات تقريباً، ظهرت على السطح مشكلة أسعار الحديد، ومضاعفته إلى حدود لا يمكن تصورها، ولا يمكن احتسابها بشكل منطقي من ضمن تكاليف البنيان. وأصبحت الأسعار ترتفع بشكل مهول، إلى أن وصل سعر الطن في السعودية إلى 6000 ريال كأعلى مستوى وصل إليه في تلك الأيام، إضافة إلى تكدس أطنان الحديد داخل المخازن، ما حدا بالبعض إلى تعمد إخفائها حتى ترتفع الأسعار أكثر فأكثر.

وتوالت ردود الأفعال على هذا الارتفاع وهذه المشكلة تحديداً من قبل العديد من المهتمين في تلك الأيام، ما اضطر الكثير إلى اتهام وزارة التجارة وبعض الجهات الأخرى بعدم إعطاء الموضوع الأهمية الكاملة، إلى أن وصل إلى حد الإهمال، في ظل تضرر المواطن أولاً، والتجار، ومؤسسات وشركات المقاولات، جراء هذا الارتفاع، والعجلة تدور، حتى وصلت المشكلة إلى ارتفاع أسعار الإيجارات، لتعويض خسائر الحديد من قبل أصحاب العقارات.

في المقابل، يعيد ما حدث قبل شهر تقريباً من رفع سعر طن الحديد إلى 1200 ريال، يعيد إلى الأذهان أحداث تلك الفترة، فأصبح الخوف والقلق ينتاب العديد من المستفيدين، سواء كانوا مقاولين أو عقاريين أو مستهلكين أفرادا، فأسعار الأراضي انخفضت، وأسعار الفلل الجاهزة ترتفع، وتكاليف البناء أمست أكثر وطأة عن ذي قبل، والمستفيد الوحيد من هذا الارتفاع هم تجار الحديد فقط.

قرار إلغاء الرسوم الجمركية
في ظل ازدياد الطلب على الحديد في المملكة للأسباب الآنفة الذكر، يقابله ارتفاع في الأسعار، ربما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل تدريجي دون هوادة، كما حدث سابقاً، كان ذلك سببا رئيسا لخلق سوق ثانوية أو ربما أساسية، دون شروط أو قيود، ما جعل الدولة تتخذ قراراً في غاية الأهمية، وهو إلغاء الرسوم الجمركية على واردات الحديد من خارج المملكة، وهو القرار الذي إذا لم يؤدِّ إلى خفض الأسعار الحالية فسيبقيها على ما هي عليه، بسبب ازدياد الكمية المعروضة، يقابلها ارتفاع في حدة المنافسة بين الشركات المختلفة، في ظل بحث المستهلك عن الأسعار الأقل، بالجودة العالية، وفق المواصفات التي تضعها الدولة.

وهذا القرار له أبعاد اقتصادية عدة وأخرى سياسية، ستظهر على السطح، عاجلاً أم آجلاً، فالدولة، ممثلة في وزارة التجارة، تهدف إلى منع ما يسمى بالاحتكار، والتخزين من أجل الوصول إلى أسعار لا يمكن التنبؤ بها مستقبلاً، ما يضر بعجلة الاقتصاد، وربما يؤدي إلى خفض الناتج المحلي على مدى السنوات المقبلة، فزيادة المعروض يؤدي إلى السيطرة على الأسعار ومحاربة الاحتكار وخلق سوق متعددة مرنة، يمكن للمستهلك، فرداً كان أو مؤسسة، أن يختار ما يشاء منها بالجودة التي ترضي مقاييسه، وهذا كله على الرغم من أن هناك فائضاً في الإنتاج، كما ذكرنا سابقاً، يقدر بـ 1 مليون طن تقريباً.

علامات استفهام كثيرة.. والمواطن الضحية
من جهته، يتساءل الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية السعودية للإدارة، سعد محمد، عن سبب ارتفاع أسعار الحديد، وهذه الحملة

الإعلامية الفجائية.. و ما الذي جعل الأمور تتغير خلال فترة وجيزة ومن دون أي مقدمات؟. حيث اعتبر أنها ربما تكون منظمة من قبل إعلاميين، وبدعم من تجار الحديد. مستنتجاً، لدى النظر للظروف المحيطة عن قرب، أن النفط لم تتغير أسعاره، والمواد الخام لم تتغير أسعارها، ومتسائلاً quot;ما الجديد إذاً؟.. ولماذا جرّ ارتفاع الحديد أتباعه من الأسمنت ومواد البناء الأخرى، وهل هذه حملة مقصودة للضغط من أجل إقرار هيئة خاصة بالعقار أو البناء؟quot;.

كما تساءل عن دور وزارة التجارة، ودور جمعية حماية المستهلك، ودور مراكز حماية المستهلك في الغرف التجارية، ودور اللجان العقارية والهندسية في الغرف التجارية.. وماذا سيكون مصير المشاريع الحكومية والمشاريع الخاصة والمستهلك العادي الذي يرغب في بناء مسكن، ولماذا جاء القرار متأخراً؟. متمنياً أن يجد إجابات عن هذه الأسئلة، حتى بعد صدور القرار، كي لا يتكرر هذا الشيء مستقبلاً.

ويؤكد الخبير الاقتصادي في حديثه لـquot;إيلافquot; أن بناء مسكن للمواطن أصبح quot;أضغاث أحلامquot;، فلا يجرؤ المواطن الذي يقلّ دخله عن 12000 ريال أن يحلم بتملك أرض، quot;فكيف يستطيع أن يحلم ببنائها، في ظل عدم استقرار أسعار المواد الخام المستخدمة في عملية البناء؟quot;.

وإن تحقق حلم الشراء.. لن يتحقق حلم البناء، بحسب محمد، الذي يلفت إلى أن المشكلة باتت كبيرة جداً، والمجال العقاري أصبح يسوده الكثير من الفوضى والعشوائية. كما إن ارتفاع أسعار الحديد لم يكن يوازي أبداً رسوم الجمارك قبل إلغائها، وهذا يعني أن إلغاء الرسوم لا يمثل حلاً كافياً للمشكلة. وإنما الحل من وجهة نظر الخبير الاقتصادي سعد محمد يتمثل في أن تتدخل الدولة من خلال أجهزتها المعنية لضبط الأمور وإرجاعها إلى نصابها، وذلك يتم من خلال المنهجية نفسها التي استطاعت الدولة من خلالها السيطرة على أسعار كثيرة لسلع متعددة، لا تقل أهمية عن منتج، مثل الحديد، الذي من الممكن الاستغناء عنه أو التريث قليلاً إلى حين استقرار سعره.

وأخيراً، يؤكد الخبير الاقتصادي في حديثه لإيلاف أنه كما استطاعت الدولة أن تسيطر على أسعار البنزين والديزل والغاز في أنحاء البلاد شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، فهي تستطيع أن تسيطر على أسعار الكثير من الأشياء، ومن ضمنها الحديد، وفي النهاية المتضرر الأكبر من هذه المشكلة سيكون المواطن.