يعاود العالم الغربي الغرق في بحر من الديون، بعدما نجحت دوله، خلال قرن بكامله، في إدارة موازناتها بصورة ملائمة، برغم معاناتها من حربين عالميتين، خلفت وراءهما كذلك أضراراً مالية جسيمة.

برن (سويسرا): لدى التمعّن بدراسات ومعطيات مصرفية عدة، يلاحظ أن مجموع الديون، العامة والخاصة، المتراكمة على الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو واليابان وكندا، يصل اليوم إلى 130 تريليون دولار، أي 130 ألف بليون دولار. بمعنى آخر، تبلغ قيمة هذا الدين المرعب ضُعف الناتج الإجمالي العالمي، أو 2.5 مرة القيمة الكلية لرسملة الأسواق المالية العالمية.

وتحوّل quot;شياطين المضارباتquot;، التي لا تنجو من شرها اليوم البورصات، إلى مرساة تجذب المصارف والشركات والأسر إلى قاع المآسي. على صعيد أوروبا وحدها، يسجل الخبراء اليوم ظاهرتين متناقضتين. من جهة، تتعرض الأسواق المالية الأوروبية لضربات وخسائر موجعة. كما يرتفع المردود الناتج من شراء سندات خزائن الدول الأوروبية، من جهة ثانية. ويشتد الإقبال على شراء بوليصات التأمين ضد الإفلاس.

ومع أن الولايات المتحدة الأميركية تعاني تراكم ديون عليها، عامة وخاصة، مجموعها 55 تريليون دولار، إلا أن العديد من المستثمرين يجدون برّ الأمان على أراضيها. إذ يؤمن هؤلاء المستثمرين بأن أميركا لديها موارد مالية كافية، تخولها التفاعل مع أي أزمة، تضربها، بصورة أفضل بكثير مما يحصل بأوروبا.

في سياق متصل، يشير يوهانس مولر، الخبير في فرع مصرف quot;دويتش بنكquot; في مدينة زوريخ السويسرية إلى أن المضاربات استهدفت منطقة اليورو، التي ترزح دولها اليوم تحت ديون مجموعها 40 تريليون دولار أميركي، بسبب مشكلة مزمنة، تتمثل في عدم وجود سياسة أوروبية موحدة، إنما فقط عملة موحدة، عمرها أكثر من عشر سنوات.

أما في ما يتعلق باليونان، فيتوقف الخبير مولر للإشارة إلى أن النظام المصرفي هناك هو الأصغر أوروبياً، ويشكل ما دون 150 % من الناتج المحلي الإجمالي. كما إن اليونان لم تعش أي فقاعة عقارية. فسوق العقارات هناك تستأثر بأقل من 10 % من هذا الناتج. لذلك، كانت اليونان الضحية الأولى التي وقعت في قلب إعصار الأزمة المالية، التي وُلدت في الولايات المتحدة الأميركية، ثم انتقلت إلى أوروبا. هكذا، لم تنجح حكومة أثينا في إعادة تمويل الديون، بسبب التكاليف الباهظة جداً.

في الوقت الحاضر، ينوّه الخبير مولر بأن الأسواق لا ترى في عملية إنقاذ اليونان أي خطوة كافية للعودة إلى أحوالها الطبيعية. وهناك دول أوروبية أخرى، كالبرتغال وأسبانيا وايرلندا، تحوم الشكوك حولها. في السابق، عاشت مدريد ودبلين فقاعة عقارية مضارباتية ضخمة، أدت لاحقاً إلى حدوث تداعيات سلبية على الأسر الأسبانية والأيرلندية.

فالديون المتراكمة على الأسر الأسبانية تعادل 130 % من دخلها السنوي. أما تلك المتراكمة على الأسر الأيرلندية فهي ترسو على 200 % من دخلها السنوي. ما أغرق اقتصادات هاتين الدولتين، اللتين طالما اعتادتا على المضي قدماً بمساعدة انتعاش قطاع العقارات، الذي كان بمثابة quot;مخدراتquot;، ساعدت على تحفيز أعماله.