يؤثّر تراجع اليورو أمام الدولار سلبًا على المودعين الذين خسروا الملايين، لكن يعود بالفائدة على الصادرات الأوروبية، فمنذ الإعلان رسميًا عن أزمة النقد الأوروبي والخوف على مصيره يزداد، ما جعل البلدان المعتمدة عليه تسلك سياسة تقشفية صارمة، إلا أن الأزمة لن تطال الحكومات فقط، بل سوف ينعكس ذلك على الأفراد.

برلين: يلاحظ المتتبع للأزمة المالية الأوروبية، التي بدأ الحديث عنها بكل صراحة ومن دون مواربة منذ خريف العام الماضي، نتيجة الانفجار الكبير الذي أحدثته أزمة اليونان في ما يتعلق بعجزها المالي وتجاوز الـ13 % (رقم رسمي) وجبال الديون التي ترزخ تحتها، يلاحظ أن سعر صرف اليورو لم يتأثّر مباشرة إلا في الأسابيع الماضية، ووصل سعره اليوم إلى 1.24 دولار، وهو أدنى مستوى له منذ أربع سنوات، وكان قبل عام قد وصل إلى عتبة الـ1.56 دولار.

هذا الأمر تناولته إحدى الدراسات المالية الألمانية، التي تعتقد أن الانخفاض الحاد لليورو الآن كان بسبب انكفاء البلدان المعتمدة على النقد الموحد عن لجم التراجع السريع بكل الوسائل المتوافرة لديها، خاصة لدى بلدان مثل ألمانيا وفرنسا، والآن أصبحت عاجزة عن استعمال الكوابح، لذا شهد النقد الأوروبي تراجعًا بهذه السرعة الملفتة للنظر في فترة زمنية قصيرة، ومن غير المستبعد أن يتواصل بهذه الوتيرة ليصل إلى الـ1.15 دولار حتى نهاية العام الحالي، بينما يتوقع ماليون في نيويورك وصول سعر صرف اليورو إلى الدولار الواحد.

وبغض النظر عن مدى إمكانية تراجع النقد الموحد، فإن عددًا من خبراء المال متفقون على أنه، وبسبب قلة ظروف الأمان له في أوروبا، قد يبقى على هذا الحال من الضعف، فترة غير محددة، وقد يتأتى عن ذلك أزمة سياسية لمنطقة اليورو. لكن هل هناك مستفيدين من هذا التراجع، ومن يتوقع أن تلحق به خسائر كبيرة، إذا ما واصل اليورو ضعفه أمام الدولار الأميركي.

فحسب ما ورد في الدراسة، ومنذ نهاية العام 2009 واليورو يسجل تراجعًا أمام النقد الأميركي، وأثّر هذا سلبًا على المودعين الذين خسروا الملايين، لكن عاد بالفائدة على الصادرات الأوروبية، وبالتحديد الألمانية، التي اشتكت من تراجع حاد، لأن السلع والمنتجات الألمانية التي تباع خارج دائرة اليورو بالدولار عجزت عن مقاومة ارتفاع النقد الأوروبي، ما جعل مستودعات بعضها تعجّ بالبضائع التي لا يمكن تصديرها بسبب سعرها، فيما نعمت بلدان، مثل الولايات المتحدة الأميركية، بالأرباح، نتيجة ازدهار صادراتها، وهذا انعكس أيضًا على قطاع السيارات في أوروبا، الذي يشهد انتعاشًا كلما تراجع اليورو.

على الرغم من ذلك، ذكرت الدراسة أن العديد من المصانع الأوروبية، وبالتحديد الألمانية، نقلت جزءًا من صناعتها إلى بلدان آسيوية، ما جعلها غير متأثّرة كثيرًا بسعر الصرف، كما إن المصانع التي تنتج الآليات الكبيرة لا تسجل مكاسب من تراجع اليورو، لوجود اتفاقيات دولية حول الأسعار.

وبعكس الماضي، فإن الشراء من السوق الأميركية سوف يكون لحاملي النقد الأوروبي بأسعار أعلى. في المقابل، يمكن للشركات الأميركية الشراء بسعر أقل في سوق البلدان المعتمد على اليورو، لذا يخشى ماليون أن تشهد أوروبا موجة من الشراء، يقدم عليها المستثمرون الأميركيون، وذلك بعكس ما يمكن أن يقوم به الأوروبيون في الولايات المتحدة، ما قد يؤثّر سلبًا على مؤشر داكس وعلى أسهم بعض الشركات الألمانية.

من ناحية الإيداعات البنكية، طمأنت الدراسة المودعين الصغار، الذين لا يضاربون أو يتعاملون مع البورصة والأسهم، إلى أنهم قد يشعرون بالفرق إذا ما سافروا إلى بلدان خارج محيط اليورو. بينما سوف يلمس الخسارة تجار العملة والمودعون باليورو في مصارف الولايات المتحدة والبلدان خارج محيط اليورو.

ومع أن الدراسة لم تنتقد مباشرة الحكومة الألمانية لتقاعسها، كاتهامات بعض الأوروبيين لها، لكنها أكدت أن لا أحد في ألمانيا ينكر أن محاولات المستشارة أنجيلا ماركل المتأخرة لإقرار الاتحاد الأوروبي حزمة إنقاذ لليونان كانت له فائدة، لأنه كشف عن حقيقة الوضع اليوناني الغارق منذ سنوات في الديون، وتقديم الحكومات اليونانية المتعاقبة معلومات غير صحيح عن مشكلتها الضخمة من أجل البقاء خارج دائرة المحاسبة والقصاص، لكن آخر ورق التوت قد سقطت بعد عجزها في مواصلة التخفي.

وقد حمل زورق الإنقاذ لليونان، كما هو معروف، 110 مليار يورو، سوف تكون ألمانيا أكبر مساهم فيه، حيث سوف تدفع 22.4 مليار يورو، ووصلت اليوم إلى أثينا أول دفعة من القروض، وهي 20 مليار يورو.

وترى الدراسة أن إصرار ألمانيا على إحداث تغييرات مهمة في أسواق المال الأوروبية خطوة نافعة من أجل مواجهة أصعب أزمة يواجهها الاتحاد الأوروبي منذ نشوئه. وهي مع قول ميركل إنه يجب اتخاذ موقف أوروبي موحد، لأن فشل اليورو يعني فشل الوحدة الأوروبية أيضًا.

وعلى هذا الأساس، وضع وزير المال فولفغانغ شوبليه من الحزب المسيحي الديمقراطي، التي تتزعمه ميركل أيضًا، مشروع قانون أوروبي لوضع قواعد صارمة وجديدة لصناديق التحوط المضاربة، على الرغم من معارضة بريطانيا لها، لكن الوزير يرى أنها قواعد ضرورية لحماية اليورو من مخاطر الصفقات التي لا تحدد لها قيمة، والتي تقوم بها هذا الصناديق، كما يجب حظر هذه الصفقات برأيه إذا ما وافقت الولايات المتحدة على ذلك.

وسوف يطرح الوزير مشروعه خلال أول اجتماع مجلس مجموعة العمل، من أجل مواجهة الأزمة المالية برئاسة هرمان فان روباي يوم الجمعة المقبل، حيث ستناقش قضية الإصلاحات في منطقة اليورو. كما تعمل ألمانيا على إقناع بلدان اليورو باعتماد قواعد مشددة لفرلمة ديونها، وتحسين الإجراءات الوقائية عند وقوع أزمات مالية أو عجز في الميزانيات لدى بلدان الاتحاد الأوروبي، وليس فقط لدى بلدان اليورو.