لا تزال التجارة الخارجية في الجزائر مقصورة في الغالب على النفط والغاز بـ98 %، فيما لا تزال صادراتها غير النفطية هامشية، ولا تتعدى 1.3 مليار دولار، ما يشكّل معضلة حقيقية. وتنوعت آراء خبراء التقتهم quot;إيلافquot; فمنهم من رأى أن ما ينقص المنتجات الجزائرية الدعاية، والآخر حددها في نقص وسائل النقل.

كامل الشيرازي من الجزائر: يبدي محمد بنيني المدير العام للوكالة الجزائرية لترقية التجارة الخارجية، تفاؤلاً بإعادة تنشيط صادرات بلاده خارج المحروقات، لتوخّي تدابير جديدة وإقرار محفزات، من شأنها زيادة حجم الصادرات، من خلال تخفيف التنظيمين الجبائي والجمركي وإعادة تنشيط دور الصندوق الخاص لترقية الصادرات، علماً أنّ الجزائر تسوّق نحو ثلاثة آلاف منتوج، ضمن برنامج جديد للمبادلات التجارية، وتتنوع المنتجات الجزائرية المسوّقة بين الزيوت والزيتون والتمور والبرتقال والفلين والحلي.

من جانبه، يرى سعدان قادري مدير العلاقات الدولية على مستوى الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة، أنّ الكرة هي الآن في مرمى المؤسسات الجزائرية، من خلال تأهيل نفسها من أجل تحقيق إنتاج مطابق للمعايير الدولية، على نحو يدعم تنافسيتها على المستوى الدولي.

فيما يلفت قادري إلى أنّ هيئته تعتزم وضع نظام إعلامي حول الأسواق الخارجية، يضم مجموع المنتوجات الجزائرية الموجهة للتصدير، ويعتبر محدثنا أنّ عدد المصدرين الجزائريين المقدّر بحدود ستمائة متعامل، يعد ضعيفاً جداً، قياساً بامتلاك عديد المؤسسات الجزائرية طاقات تصديرية هائلة.

وبشأن برنامج تعزيز القدرات التصديرية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، يربط مهنيون فعاليته بالقدرة على تحليل قدرة العرض وتحديد الأسواق المستهدفة للتصدير وموقع المنافسة، إضافة إلى دراسة المقتضيات التنظيمية في ما يخص التأهيل النوعي والكمي.

ويذهب صالح مبارك، أحد الناشطين في قطاع التصدير، إلى أنّ تحقيق ديناميكية لا يتأتى دون فهم أفضل لراهن أسواق التصدير ورهاناتها، واعتماد منهجيات تقاربية، من شأنها أن تمكّن مواطنيه المصدّرين من استغلال الفرص المتوافرة على مستوى الأسواق الخارجية.

تصدير المشروبات الغازية والمعصرات: التجربة/النموذج
في مقام نموذجي، يشدّد عبد الكريم بودراع، الخبير في إستراتيجية التسويق، على أنّ المشروبات الغازية والمعصرات يمكنها صنع الاستثناء، اعتباراً لكونها أحد القطاعات الأكثر ديناميكية في سوق الصناعة الغذائية في الجزائر، إذ تنتج خمسمائة مؤسسة مهنية ما يربو عن العشرين مليون هكتولتر سنوياً، برقم أعمال قدّر بـ45 مليار دينار خلال السنة الأخيرة، ما يجعل السوق الجزائرية تمثل وحدها 43 % من السوق المغاربية.

ويفيد بودراع أنّ الصادرات الجزائرية من المياه الموضوعة في القارورات، وكذا المشروبات الغازية، تسجل ارتفاعاً مستمراً، حيث انتقلت من 1.18 مليون لتر سنة 2000 إلى 36 مليون لتر في العام الأخير نحو قرابة 50 بلداً، وبالخصوص في اتجاه أفريقيا وفرنسا، كما أكد المتحدث أنّ المياه الموضوعة في قارورات تمثل 98 % من الصادرات الجزائرية في سوق المشروبات المنعشة من دون كحول.

وعليه، يرى بودراع أنّ الوضعية الجيدة لهذا الفرع، تجعله في أفضل رواق لتعزيز منظومة الصادرات، وهو ما يؤيده صالح مبارك، الذي يلّح على أنّ قطاع المشروبات الغازية وعصير الفواكه، يشكّل نموذجاً للابتكار في مجال التصدير، مستدلاً بما ينطوي عليه الأخير من نكهات إنتاجية تستجيب لمقتضيات ما يُعرف بـquot;التصديق الغذائيquot; وخصوصية quot;العلامات التجاريةquot;، وكذا احترام المرجع المعياري، بما يسهم في تحقيق أداء أفضل في ميدان التصدير.

وبخصوص آفاق تصدير المشروبات والمعصرات الجزائرية، يبرز بودراع أهمية دراسة العوامل المهيكلة للسوق الدولية للمشروبات، لاسيما اتجاهات السوق في المرحلة المقبلة، ويحيل بودراع على ضرورة امتلاك إستراتيجية تسويق، مع الإبداع في مجال التعليب والتفاوض بشأن شبكة التوزيع بشكل جيد لإنجاح الولوج إلى الأسواق الدولية.

هاجس النقل وشبح الدعاية
فيما يشكو مصدرون من مشكلات عديدة تعترضهم على غرار افتقادهم إلى عامل النقل ومحدودية طاقات الشحن وافتقادها بحسبهم لأسعار ترقوية. يرى الخبير أنيس نواري أنّ ما ينقص المنتجات الجزائرية هو شيء من الدعاية، طالما أنّ جودتها لا غبار عليها، في صورة التمور والآجر والمنسوجات والأفرشة والأحذية وتركيب السيارات والصناعات الغذائية وغيرها. ويضيف نواري أنّ هناك جواً من المخاوف غير المبررة لدى فريق من المتعاملين إزاء اقتحام الأسواق الخارجية، مع أنّ سمعة المنتجات التجارية الجزائرية لا غبار عليها، وما ينقصها بحسبه هو الاتجاه إلى عقد شراكات واستخدام سائر التكنولوجيات الحديثة لتأمين الإنتاج المحلي.

من جانبه، يلاحظ المتخصص هيثم رباني أنّ التموقع الجيد للصادرات الجزائرية في الخارج، يتطلب وجود وعي بمعطيات المرحلة، لذا يركّز رباني على حساسية مراعاة المعايير المعتمدة عالمياً، وما يرافق عملية التكيف مع متطلبات السوق الخارجية من حيث توفير منتجات تعتمد الجودة والنوعية، طالما أنّ الأسواق الدولية لا تعترف بشيء اسمه quot;اللاتكافؤquot;.

رباني يؤكد أنّ قطاع التصدير في الجزائر تأثّر كثيراً بنقص وسائل النقل والنقائص التي تعانيها المؤسسات الجزائرية في مجال التكوين، إضافة إلى العراقيل المحلية المتعلقة أساساً بعامل التمويل، ما جعل عديد المجموعات الجزائرية تعجز عن إيجاد موضع قدم لها في الأسواق الدولية، رغم نجاحها في تسويق منتجاتها بشكل متباين على مستوى الأسواق الأفريقية.

لكن المردودات ظلت دون المستوى المطلوب، في وقت ينادي متخصصون بمضاعفة عمليات الترويج للمنتجات المحلية، فضلاً عن إعادة النظر في سيرورة الصندوق المحلي لدعم الصادرات من أجل اقتحام الأسواق العالمية، وإدراج نصوص جديدة تحكم آليات التصدير، والمنافسة، والمعاملات التجارية وشروط ممارسة الأنشطة التجارية.

ويضرب سليم لعجايلية مثلاً بقدرة السلطات على دفع منظومة إنتاج الورق المموج والكلور والصودا وتقويم الألياف المسترجعة والكرتون والأوراق القديمة، كما تصدير مختلف المنتجات المحلية كالخضر والفواكه، وحتى الصناعات التقليدية، من الخزف إلى القرميد، في صورة ما تمتلكه المؤسسة الجزائرية للخزف وتمكنها من إيصال قدرتها الإنتاجية إلى مليوني قطعة في السنة، والكم مرشح للارتفاع، بما يرشحها لتحقيق عائدات أكبر، لاسيما في ظل الطلبات المتزايدة من دول عربية وأفريقية.

ويهيب عموم الخبراء والمتعاملين بالحكومة الجزائرية للاهتمام بتوفير الأدوات اللوجستية وتوابعها، كما يطالبون بجعل مدينة تمنراست (1800 كلم جنوب غرب الجزائر) quot;قطباًquot; يخصص لترقية الصادرات نحو القارة السمراء، نظراً إلى موقعها الاستراتيجي المحاذي لدول منطقة الساحل، على غرار مالي والنيجر والتشاد، في حين دعا متعاملون في الجزائر، أخيراً، إلى إنشاء مجلس مركزي للتصدير هناك، ورأوا أن الخطوة كفيلة بإنعاش منظومة الصادرات وتدارك التأخر المسجّل.

ويعزو متخصصون ضعف صادرات الجزائر، إلى عدم وجود هيئة تشرف على تسيير تجارة البلاد الخارجية، من شأنها تنشيط حركة السلع، وضمان مرونة أكبر للحراك التجاري نحو وخارج الجزائر، ويرى خبراء جزائريون أنّ منتجات بلادهم من مادة البلاستيك، وكذا الصناعات الغذائية لاسيما التمور، على سبيل المثال لا الحصر، قادرة على تحقيق مداخيل ضخمة في الأسواق الخارجية، لو ترتبط بتوظيف أحسن مما هو واقع حالياً.

وللدلالة على ذلك، يكفي الاستدلال بعجز الحكومة الجزائرية عن تصدير نصف مليون طن من التمور، ويتعلق الأمر، بحسب وزارة الزراعة الجزائرية، بتعذّر تصدير كميات كبيرة من أفخر وأجود أنواع التمور إلى الخارج، مثل quot;دقلة النورquot; المحلية، التي تعدّ أفضل أنواع التمور الرائجة عالمياً، لكن تصدير هذه الثروة ظلّ يعاني مشكلات عديدة، بينها عدم تنظيم مهنة التصدير، وغياب السرعة في ضمان نقل البضاعة، التي تصنف في خانة سريعة التلف، وشبح المضاربين.