تتوقع الجزائر استقطاب 2.7 مليون سائح هذا الصيف، بينهم مليون شخص من مواطنيها المقيمين في الخارج، لذلك سخّرت السلطات المحلية إمكانات ضخمة من أجل إغراء السياح بمراودة العديد من معالمها، وهو ما تتطرق له quot;إيلافquot; في التقرير التالي مع مسؤولين وناشطين في القطاع.

الجزائر: شهد الموسم السياحي الأخير قدوم آلاف السياح الأجانب إلى الجزائر، علمًا أنّ استقبال هؤلاء لا ينحصر في فترة الصيف فحسب، بل يمتد على مدار العام، ولا سيما أواخر السنة المنقضية التي طبعها ذاك الغزو المكثف للصحراء الجزائرية الشهيرة بكونها الأجمل في العالم، إذ تتموقع في المركز الثاني وراء إيطاليا، تبعًا لما تكتنزه من تراث أثري وفسيسفاء طبيعية تتوزع على سبعة مواقع كبرى مصنفة في خانة quot;تراث البشريةquot;.

ويُراد لهذه المواقع أن تصبح quot;رؤوس حرابquot; السياحة في الجزائر، علمًا أنّ كشوفات حديثة تلقت quot;إيلافquot; نسخة منها، تفيد أنّ نحو 1113 سائحًا أجنبيًا زاروا صحراء الجزائر خلال شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين، سيما الأوروبيين، الذين بلغ عددهم أكثر من 890 سائحًا.

ويشير إسماعيل ميمون الوزير الجزائري للسياحة والصناعات التقليدية إلى أهمية نسج بلاده هذا العام، على منوال الموسم الماضي، وبشأن الاستعدادات للموسم السياحي الجاري، يقول ميمون في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot;، إنّها ليست وليدة اللحظة، بل جرى الشروع فيها منذ أشهر عديدة، من خلال تجهيز وإعادة تأهيل الكثير من المواقع السياحية والتعريف بها عبر مختلف وسائط الدعاية، إلى جانب توفير الوسائل المادية والبشرية لضمان راحة السياح، حتى يسير الموسم السياحي الحالي على كامل وجه، في مشهد مغاير لما عانته البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي وما واكب ذلك من ضمور ونقص إقبال.

ويعدّد المسؤول عينه ما تمّ إنجازه، مثل تدعيم قطاع السياحة في الجزائر بـ220 فندقًا باختلاف الدرجات، بعضها لا يزال في طور الإنجاز، علمًا أنّ الحظيرة المحلية للفنادق في الجزائر تتوافر على 1047 فندقًا، بينها 10 % تتمتع بتصنيف عالي، ويُضاف ذلك إلى المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية الذي انطلق العام 2008، ويمتد إلى آفاق 2015، وتسعى السلطات من ورائه إلى استقطاب أربعة ملايين سائح سنويًا.

ولتحقيق هذا الهدف، جرى رصد مخصصات تربو عن 2.5 مليار دولار، بمعدل 350 مليون دولار سنويًا للنهوض بالبنى التحتية للقطاع السياحي، على أن تتأتى من هذا الاستثمار إيرادات قد تصل إلى الملياري دولار، فضلاً عن إمكانية توفير نحو أربعمائة ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

ويشدّد الوزير في حديثه لـquot;إيلافquot; على تطلع بلاده لأخذ حصتها من السياحة العالمية، واسترجاع مجدها السياحي في غضون العام 2015، لذا بدأت ما يسميها quot;ثورة سياحيةquot;، ليصير البلد مقصدًا سياحيًا من الدرجة الأولى في غضون السنوات الخمس المقبلة.

كما يضيف ميمون أنّ الحكومة الجزائرية وفي سياق اهتمامها بجعل السياحة quot;اقتصاداً بديلاًquot;، أقرّت تطوير الرأسمال السياحي، واعتمدت مرسوم تنفيذي يحدد إجراءات التنازل أو بيع أو استثمار الأراضي في 172 منطقة خصصت للنهوض بالسياحة في البلاد، وسط أنباء عن سبعمئة طلب لمستثمرين جزائريين وأجانب.

ويذهب عزيز ماني الخبير في الشأن السياحي الجزائري، إلى أنّه اعتباراً لما تمتلكه البلاد عبر جهاتها الأربع وشريطها الجغرافي المتنّوع، فإنّ الجزائر مرشحة لاستقطاب ملايين السياح، ولا سيما في محافظاتها الجنوبية، في صورة تمنراست ndash; جانت ndash; إليزي ndash; تيميمون، وواحات غرداية وتوات والقرارة، إضافة إلى روائع الأهقار والطاسيلي، حيث هناك متحف طبيعي ضخم في الهواء الطلق يحتوي على منحوتات على الصخور فريدة من نوعها عالميًا، لطالما دفعت سياحًا من ألمانيا، وسويسرا، وفرنسا وغيرهم على المجيء بشكل دائم.

بدوره، يشير بلقاسم حموش المدير العام للديوان الجزائري للسياحة، إلى وضع برنامج ثري لاستدراج السياح، وتتمثل الخطوط الكبرى في تنظيم عديد المهرجانات والفقرات السياحية التي تجمع بين الإقامة والتنقل والتسلية، ناهيك عن حملات مكثفة لاستغلال المجالات السياحية كافة في الجزائر، بما فيها السياحة الثقافية والبيئية والرياضية والصحراوية، للارتقاء بمنظومة العرض السياحي الجزائري، وتجاوز نقائص ظلّت قائمة لسنوات، كقلة المهرجانات وتدني نوعية الخدمات.

وتقوم الخطة على تجهيز مواقع الجزائر السياحية وهياكلها الفندقية، لاستقبال أربعة ملايين سائح نصفهم من الأجانب، بمعدل خمس ليالي لكل سائح، على أن يبلغ العدد إجمالاً 20 مليون ليلة، لتبلغ الموارد 900 مليون دولار مقابل 173 مليونًا خلال 2004، ولكن ذلك يتطلب بحسب خبراء، ضرورة إقناع السكان المحليين بعدم قضاء إجازاتهم في الخارج، واستيعاب مواطنيها الوافدين بما يتيح كسب مبالغ كبيرة من العملة الصعبة.

وبين المعالم السياحية الجزائرية البارزة، تتميّز منطقة جيجل العريقة (400 كلم شرق)، التي تمتلك أكثر من خاصية تجعلها في صدارة الواجهة السياحية المحلية. في هذا الصدد، يقول أحمد قطوش مسير إحدى الوكالات السياحية هناك، إنّه في الموسم السياحي الماضي، استقبلت جيجل وحدها ما لا يقل عن ثمانية ملايين مصطاف أقاموا بها وسبحوا في مياه شواطئها الجميلة في لقاءات مع البحر والشمس والطبيعة الخضراء.

ومن العوامل المساعدة على نهوض منظومة السياحة بمدينة جيجل، يدرج محدثنا أسعار خدمات الإيواء ( شقق - فيلات وغيرها) وكذا محيطها المباشر، وهو ما جعل الإقبال خلال شهر يونيو/حزيران، وكذا الثلث الأول من الشهر الجاري، يشهد تضاعفاً مطرّداً سيستمر اعتباراً للحجوزات الكثيرة لغاية شهر أيلول/سبتمبر، ما يشكل جوابًا بحسب قطوش على بعض المشككين الذين تنبأوا مسبقاً بـquot;فشلquot; الموسم السياحي بسبب الانشغال بمجريات كأس العالم 2010، والحلول المبكّر لشهر رمضان عما قريب.

ويؤكد قطوش، أنّ عوامل الشمس الحانية والمناخ الصيفي النموذجي، إلى جانب الآمان والانضباط الواضح، تمثل عوامل وتوابل مجتمعة من أجل قضاء إقامة طيبة للمصطافين في كورنيش جيجل وشواطئ كتامة، المنارة الكبرى وحظيرة تازا، اللذين استفادا من جهود تحديث جارية لشبكة الطرق المحلية، ما ينعش المزيد من الإقبال والاستقبال.

وعانت السياحة الجزائرية الويلات خلال الفترة بين 1992 إلى 2002 جراء انعكاسات الفتنة الدموية، وهو ما جعل التسعينات أسوأ سنوات السياحة الجزائرية، حيث إنه استحال عليها التعايش مع الإرهاب والفوضى، لكن الآن بدأت خطة لبعث الجزائر كقبلة سياحية تكسر مفارقة quot;بلد سياحي بلا سياحquot;، حيث صُنفت الجزائر قبل فترة في المركز الـ93 عالميًا في مجال السياحة، ولم تحقق سوى 120 مليون دولار كعائدات، على الرغم من امتلاكها قدرات سياحية ووسائل مالية معتبرة، في حين تجاوزت تونس والمغرب عتبة 6 مليارات دولار.