فجّر تخلّي السلطات الجزائرية عن استيراد اللحم السوداني لسدّ حاجيات مواطنيها من هذه المادة الحيوية خلال رمضان وترخيصها واستبداله بجلب لحم البقر الهندي المجمّد، زوبعة من الاستفهامات وموجة من التشكيك في هدف الخطوة الحكومية المثيرة للجدل. quot;إيلافquot; تابعت الموضوع مع الأطراف المعنية.

الجزائر: بكثير من الغضب والاستياء، استقبل الرأي العام المحلي الجزائري نبأ إعلان وزارة الزراعة الجزائرية قبل يومين، عن منح تسع تراخيص لاستيراد لحم البقر منزوع العظم والمجمد من الهند، في عملية هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد.

ومبعث الضجيج في كل هذا، ناجم عن امتناع السلطات هناك عن الترخيص لموردين جزائريين بجلب اللحم الطازج من دولة السودان، رغم اشتهار اللحم المذكور بجودته وانخفاض سعره، وإقدام دوائر القرار في الجزائر على نحو غير مفهوم بمنح الضوء الأخضر لاستيراد اللحم الهندي المجمّد، رغم غلائه قياساً بنظيره السوداني الطازج، وكذا ما يلف لحوم الأبقار الهندية من نقاط الظلّ تخيف المستهلكين، وجعلت كثيرا من مواطنيهم التجار يهددون مسبقاً بعدم بيعها.

بالمنظور الرسمي، يشدّد كريم بوغالم، وهو مسؤول كبير على مستوى وزارة الزراعة الجزائرية، أنّ اللحم الهندي سيجري استيراده من مقاطعتين مسلمتين، ومذابحها تستجيب للمقاييس الدولية ومطابقة ndash; بحسبه - لكل الشروط الصحية. ويقول بوغالم إنّ استيراد اللحوم الهندية هو محصلة لمفاوضات شرع فيها منذ مدة، كاشفاً أنّ وفداً جزائرياً زار الهند أخيراً، وتأكد من احترام كل المقاييس، مفنداً صدقية مزاعم راجت حول نوعية هذه اللحوم.

كما لفت المسؤول الجزائري إلى أنّ اللحوم ستخضع إلى إجراءات دقيقة معمول بها عالمياً، حيث ستتولى الفرق البيطرية التأكّد من تطبيق التدابير اللازمة كافة، قبل السماح بتسويقها محلياً، مثلما ستظلّ تحت مجهر أجهزة الرقابة على مدار مدة تخزينها.

استفهامات وملابسات
على طرف نقيض، يصرّ متعاملون على أنّ ما حدث quot;فيه إنّquot;، ويلمّح من استجوبناهم إلى تورّط من يسمونهم quot;مجموعات المصالحquot; في القضية التي أسالت ولا تزال تسيل الكثير من الحبر. ويوضح حسين بلاط، أحد موردي اللحوم، أنّه تحرّك في كل الاتجاهات خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، من أجل استيراد كميات من لحم الماشية السودانية، لكن الرياح جرت بما لم تشته السفن، ولم يستفد بزاز مثله مثل آخرين من التراخيص الضرورية، رغم طول الانتظار.

هذا الكلام ينفي صحته كريم بوغالم، المسؤول في وزارة الزراعة، حيث يقول quot;ما عدا مراسلة أحد المتعاملين طلب فيها معلومات من أجل الاستثمار في اللحم السوداني، ووُجهت له إجابة تذهب باتجاه تشجيعه على ذلك في مايو/أيار المنقضي، فإنّ الوزارة لم تتلق أي طلب بترخيص صحي للاستيراد من هذا البلدquot;، ويشير بوغالم إلى أن quot;العلاقات مع المصالح البيطرية السودانية دائمة ومنتظمةquot;.

لكن زكي، وعثمان وعلي، الذين التقتهم quot;إيلافquot; في أحد مسالخ الجزائر العاصمة، أعربوا عن تشكيكهم في الرواية الرسمية، خصوصاً وأنّ الجزائر عبّرت صراحة في شهر فبراير/شباط الماضي عن إرادة سياسية في استغلال العروض التجارية والاقتصادية التنافسية، التي قدمتها حكومة الخرطوم، بل إنّ وزير الزراعة الجزائري رشيد بن عيسى أعرب عن استحسانه للاستفادة من عروض اللحم السوداني، متسائلين quot;فما الذي غيّر الاتجاه؟quot;.

وتؤكد وردة، التي قابلناها في شارع العربي التبسي، أنّها لا تفهم كيف ترجح حكومة بلادها كفة اللحم الهندي المجمّد، وما يُثار حوله من quot;شبهات وبائيةquot; على اللحم السوداني الطازج الشهير بجودته، رغم كون الأول سيُباع في أسواق الجزائر بسعر قد يصل إلى 560 ديناراً للكيلوغرام، في وقت لا يتجاوز السعر المبرمج للكيلوغرام الواحد من اللحم السوداني حدود 350 ديناراً.

وهو انطباع تريده سلمى، وسعيد وعبد القادر، الذين لفتوا إلى أنّه كان بإمكان من بيدهم الحلّ والعقد، أن يستوردوا اللحوم السودانية بتكاليف أقل وجودة عالية، خلافاً للحوم الهندية، التي ستكون كلفة جلبها مرتفعة اعتبارًا لبعد المسافة بين هذا البلد والجزائر. في حين يتساءل جمال لواني عن خلفية ودواعي عدم الرد الجزائري على مقترح سوداني، يقضي باستفادة الجزائر من 125 ألف هكتار لإقامة مزارع نموذجية في السودان، لضمان أمنها الغذائي وحاجاتها من اللحوم الحمراء.

ويبدو أنّ الأمور ستتجه نحو مزيد من الاحتدام، مع كشف مراجع محلية عن مساءلة برلمانية وشيكة للحكومة، عن كيفية تسيير ملف اللحوم الحمراء في رمضان، وتكبد الخزانة العامة في الجزائر لخسارة تربو عن المائة مليون دولار، بسبب استيراد الجزائر اللحم الهندي بدلاً من السوداني، وهي جولة تنذر بكشف المستور، استناداً إلى مراقبين.

من وجهة مغايرة، يذهب الخبير أنيس بنت مختار إلى أنّ عزوف السلطات الجزائرية عن استيراد اللحوم السودانية يعكس بشكل ما فشل اتفاق الشراكة العربية في السوق الحرة التي انضمت إليها الجزائر قبل فترة. وفيما لا يستبعد بن مختار أثر مجموعات المصالح في الموضوع، يقدّر أنّ امتناع الجزائر عن اقتناء اللحم السوداني، يندرج منطقياً في الاتجاه الاقتصادي الذي انتهجته الجزائر منذ نشوب الأزمة الاقتصادية العالمية، فالاتجاه إلى استيراد اللحم الهندي يفسّر بمسألة تسديد الرسوم الجمركية، طالما أنّ استيراد اللحم السوداني، وبسبب اتفاق السوق العربية الحرة، يستلزم رفع الحواجز الجمركية، خلافاً للحم الهندي، حيث ستفرض على الموردين دفع الأعباء المذكورة.

وينتهي متابعون إلى أنّ استيراد اللحم الهندي، تماماً مثل غيره، يتعارض مع مبدأ منح الأولوية لإنتاج اللحوم في الجزائر، إذ يرى هؤلاء أنّ استمرار بلادهم في استيراد ما معدله 650 طنا من اللحوم المجمدة شهرياً ndash; ما يعادل 60 ألف رأس من الماشية شهرياً، يمثل quot;ضربة للإنتاج المحليquot;، ناهيك عن مبدأ ضمان تسويق الماشية الجزائرية، وجعلها في منأى عن لعنة الفوائض غير المستغلة.

وعلى أهبة حلول شهر رمضان، يخشى متابعون لتطورات سوق اللحوم في الجزائر، من المنحنى التصاعدي المخيف الذي سيطبع أسعار اللحوم، مثلما اعتاد السكان المحليون على ذلك كل سنة، بشكل سيحول دون اقتناء عموم موظفي الدخل المحدود لمادة اللحم المطلوبة بكثرة خلال شهر الصيام.

وتزخر الجزائر بثروة هائلة من الأغنام، تصل إلى حدود 22 مليون رأس، وتتميز هذه الثروة بجودتها، بقدر جعل شهرتها تتعدى إلى خارج البلاد لنوعها وطيبة لحمها، وهو ما يجعل البلد في غنى عن أي لجوء إلى الاستيراد، ويستبعد شبح الندرة في هذا الشأن.