تساؤلات متعدّدة فرضت نفسها السنة على المواطنين والمقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد أن اتخذت الدولة خطوتين في اتجاه تحرير أسعار البنزين بالأسواق المحلية منذ بداية العام الجاري، تحت دعوى الخسائر البالغة التي تتكبدها شركات توزيع البترول في الدولة، حيث كانت الخطوة الأولى في إبريل الماضي بزيادة بلغت 15 فلسًا للتر الواحد من مختلف أنواع البنزين المتداولة في الإمارات، أما الخطوة الثانية فقد أسفرت عن زيادة أخرى لسعر الليتر بلغت 20 فلسًا، ليصل بذلك سعر الليتر من النوع الممتاز الى درهم و85 فلسًا بينما يصل النوع الخاص quot;الاسبشيلquot; إلى درهم و75 فلسًا، بنسبة إرتفاع بلغت أكثر من 25% مقارنة بأسعار ما قبل أبريل الماضي.

دبي: أمام ذلك أبدى عدد من الخبراء والمستهلكين تخوفهم من تداعيات تلك الزيادة في إستطلاع رأي أجرته quot;ايلافquot; حيث يتوقع عدد كبير من المتابعين أن تؤدي نسب الإرتفاع المتلاحقة لأسعار البنزين إلى غلاء عام في تكاليف المعيشة أكثر مما هي عليه.

وتفصيلاً أكد الخبير الإقتصادي زهير البرغوثي أنه من المتوقع زيادة تكاليف تشغيل وسائل المواصلات في الإمارات بنحو 15% لكون الوقود يمثل 60% من إجمالي تكاليف تشغيل هذه الوسائل، مضيفًا أنه من المتوقع أيضًا أن يؤدي رفع أسعار البنزين إلى زيادة تكاليف الأنشطة الإقتصادية المختلفة بنسبة تصل إلى 3% من خلال زيادة تكاليف نقل البضائع والسلع، وتمثل هذه التكاليف نحو 10% من إجمالي تكاليف الإنتاج.

وأبدى البرغوثي إستغرابه من تلك الزيادات المتلاحقة في أسعار البنزين الذي يعد من السلع الإستراتيجية التي لابد وأن تحظي بدعم الدولة مهما كانت تكلفة أنتاجها لإرتباطها وتأثيرها المباشر على مختلف أسعار السلع الأخرى، مشيرًا إلى أن الإمارات بتسعيرها الجديد لليتر البنزين تعد أغلى دولة بين دول مجلس التعاون الخليجي تسعيرًا للبنزين، تليها سلطنة عمان1,51 فلسًا لليتر، مملكة البحرين درهم واحد لليتر، الكويت 95 فلسًا، قطر 70 فلسًا، وأخيرًا المملكة العربية السعودية التي تحرص علىتسعير ليتر البنزين بأقل سعر بين دول مجلس التعاون الخليجي وهو 55 فلسًا لليتر، لافتًا إلى أن تعبئة خزان سيارة قوة محركها 1600 سي سي يكلف ما يوازي 35 درهمًا في السعودية، مقابل 90 متوسط درهمًا في الإمارات، ووفقًا لما سجلته معظم وكالات السيارات في مختلف أنحاء الإمارات، شهدت عمليات شراء السيارات الكبيرة منذ شهر أبريل الماضي إنخفاض ملحوظ في مقابل أرتفاع واضح في عمليات شراء السيارات الصغيرة سعة 1400 سي سي و1600، خصوصًا أن تكلفة إستخدام البنزين، بات المتحكم الرئيس في إختيار نوع السيارة.

وطالب الخبير الاقتصادي زهير البرغوثي، بضرورة تدخل اللجنة العليا لحماية المستهلك لمراقبة الأسواق ومنع الإرتفاعات المتوقعة لمختلف أسعار السلع خصوصًا الإستهلاكية منها، إضافة إلى أن أي زيادة أخرى في أسعار البنزين خلال الأشهر القادمة، يمكن أن تتسبب في توقف عدد كبير من المشاريع ومن ثم، تقليص فرص الإستثمار التي تسعى أبوظبي ودبي تحديدًا لتنميتها بشكل ملحوظ بعد الأزمة العالمية.

وأوضح محمد جلال محلل أقتصادي أن البنزين من السلع التي لها تأثير مباشر في تضخم الأسعار بشكل كبير، وهو ما سيحدث حتمًا بعد رفع سعر اللتر لـ 20 فلسًا، خصوصًا أننا على أبواب شهر رمضان المبارك وسيستغل التجار ذلك في فرض زيادة علي أسعار سلع بعينها يمكن أن تصل إلى 5%مقارنة بالعام الماضي ولن تستطع الجهات الرقابية في الدولة ضبط الأسواق، خصوصًا خلال شهر رمضان مهما أعلنت عن تصريحات تؤكد عكس ذلك، لأن أرتفاع أسعار السلع الاستهلاكية مرتبط أرتباط وثيق بارتفاع فاتورة الشحن، مؤكدًا أن السعر السابق لليتر البنزين لا يعد السبب في خسائر شركات التوزيع كما أُشيع فور إعلان الزيادة، بدليل ثبات الأسعار المنخفضة للبنزين بمختلف دول الجوار quot;مجلس التعاون الخليجيquot; موضحًا أن السبب الرئيس هو الخلل الواضح الذي تعاني منه الإدارة التي هي بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة لتحقيق معادلة التوازن بين تكاليف التشغيل وسعر البيع، مشيرًا إلى خطورة تحرير أسعار البنزين بشكل تدريجي تحت دعوى الخسائر، لأن ذلك من شأنه إعادة تضخم الأسعار إلى مستويات ما قبل الأزمة العالمية التي أعتقد أنها لم تنتهِ بعد.

وقال موظف آخر في إحدي الشركات الحكومية في دبي فضل عدم ذكر اسمه، إن الشركة كانت توفر لهم شاحنات جماعية للذهاب والإياب من وإلى العمل، غير أنهم فوجئوا بقرار إلغاء عمل تلك الشاحنات بعد زيادة أسعار البنزين في أبريل الماضي وإجبارهم على إستخدام مترو دبي من باب ترشيد الإنفاق، حيث تم إنهاء خدمات ما يقرب من 85% من سائقي تلك الشاحنات ومن ثم توفير رواتبهم وتوفير فواتير استهلاك البنزين الشهرية، إلى جانب توفير نفقات الصيانة وأجور عدد كبير من العاملين بالورش التابعة للشركة وكذلك توفير فواتير التأمين الشهرية على الشاحنات، في الوقت نفسه سعت الشركة التابعة لحكومة دبي إلى تشغيل المترو بطاقة أكبر.

ومن أصحاب شركات النقليات في إمارة الشارقة، قال ظاهر العتيبي لم يعد أمامنا خياراً سوى زيادة أسعار خدماتنا بعد زيادة أسعار البنزين للمرة الثانية خلال العام الجاري، لأن عملنا في الأساس يعتمد على البنزين وفي حال تثبيت أسعار الخدمات سيضطر العديد من أصحاب الشركات لإغلاق شركاتهم، خصوصًا أنهم لم يقوموا بفرض أي زيادة على أسعار خدماتهم بعد الزيادة الأولى التي شهدتها أسعار البنزين في أبريل الماضي، مشيرًا إلى أن أسعار المحروقات من بنزين وديزل تستهلك 60٪ من دخل شركاتهم.

وقال المهندس حمد الزرعوني بوزارة الصناعة، أنه أمام الإرتفاع الملحوظ لسعر البنزين لم يعد أمامنا سوي البحث عن بدائل تؤدي نفس الغرض بتكلفة أقل، والبديل الأمثل هو الغاز الطبيعي، لذلك على الدولة أن تسعى نحو تعميم تلك الفكرة المطبقة بالفعل ولكنها بحاجة إلى تعزيز، خاصة وأن تكلفة إنتاج الغاز الطبيعي تقل عن تكلفة أنتاج البنزين بنسبة تصل إلى 35%، مشيرًا إلى أن إمارة أبوظبي بمفردها تضم ما يقرب من 20 محطة غاز طبيعي بخلاف باقي المحطات بمختلف إمارات الدولة.