حاول الفلسطينيون أن يكون لهم في أسواق المال نصيب، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، فثقافة التداول بالبورصة السائدة بين الناس في غزة قائمة على قاعدة أن الفوركس يكسب صاحبه أموالا طائلة، وهي القاعدة ذاتها التي سار عليها الجميع فاكتشفوا سوء وعشوائية تفكيرهم، وأدرك الجميع بمن فيهم وزارة الإقتصاد أن غزة بأموالها لا تساوي إلا صفرا في حجم التداول اليومي في سوق البورصة الذي يصل إلى 4ملايين دولار يوميا وعلى مستوى اللحظة، مع العلم أن الصفر له قيمته في المعاملات الحسابية.

غزة : تعرف أهالي غزة إلى الفوركس حديثا لكونهم سمعوا أنها قد تربحهم أموالا طائلة في يوم واحد، فأقدم عدد كبير منهم على فتح حسابات وبدأوا بالمضاربة حتى خسروا كافة أموالهم، ويرجع ذلك لجهلهم ثقافة التداول في البورصة من جهة، واستغلال بعض الشركات والأشخاص لهم والاحتيال عليهم من جهة أخرى.

خدع الشركات، وغياب ثقافة الفوركس وراء الخسارة

أبو عطية محلل فني له تجربة في المضاربة يقول إن كثيرا من الناس وضعت عشرات الآلاف بل ملايين الدولارات في عملية الفوركس وجميعهم خسروا وذلك لأسباب عديدة يذكرها أبو عطية فيقول: quot;أسباب الخسارة هي بسبب عدم ثقافة المواطن الفلسطيني بالفوركس، وعدم امتلاكه أدوات المضاربة، والمتمثلة في معرفة توجه السيولة وذلك مهم لمعرفة توجه السوق، والأهم هو أن هناك فرقا بين الشركة المحترمة وغير المحترمةquot;.ويكشف عن بعض مما كانت تستخدمه غالبية الشركات في غزة فيقول: quot;عندما يرتفع سعر العملة ونقوم بعملية الشراء من أجل الربح، فإن هذه الشركات تقوم بعملية تأخير السعر، فبدل أن يربح العميل 70 نقطة، يربح 10 نقاط فقط، وهذا التأخير تتحكم به الشركة من خلال سيرفر خاص، وبالتالي فإن الصفقات تؤخذ من الشركة وليس من السوقquot;. ويتابع: quot;تقوم هذه الشركات بعمل برامج وأنظمة خاصة كي تقوم بتخسير العملاء، وهي أكثر من 6 شركاتquot;.

ويشير أبو عطية إلى أن عددا كبيرا من العملاء قدموا شكاوى ضد هذه الشركات في المحاكم، وأن هناك قضايا مرفوعة حتى اللحظة، ويضيف: quot;لم تتخذ أي إجراءات ضد هذه الشركات لأنه لا يوجد قانون يعاقبها، لأن خطأها الوحيد هو أنها تعمل من دون ترخيص من سلطة النقد، ولذلك قامت وزارة الإقتصاد في غزة بإغلاقهاquot;. وتساءلت quot;إيلافquot; عن الكيفية التي يمكن من خلالها إرجاع الأموال لأصحابها خاصة من قبل الشركات التي استخدمت أسلوب الإحتيال، فقال: quot;كي تعود الحقوق إلى أصحابها، لا بد من وجود مختصين في مجال الفوركس لتقييم ما إذا كان العملاء قد خسروا أموالهم فعلا أم لا، ولكن لا يوجد مختصون في غزة، وليس هناك قانون، وبالتالي فالمسألة معلقةquot;.ويقول أبو عطية إن هناك شركات تقدمت لوزارة الإقتصاد للحصول على الترخيص اللازم للفوركس، ولم يتم منحها الترخيص لأنه لا يوجد قانون خاص بتداول الأموال، ولم يكن معروفا كيف سيتم التعامل مع الشركات من ناحية جمع الضرائب والدخل.وينصح أبو عطية المضارب الفلسطيني بالسؤال عن أصل وفصل الشركة الأساسية التي يريد أن يفتح فيها حسابا، ويوضح: quot;الشركات نوعان أو نظامان، الأول هو اللعب فوق الطاولة والثاني هو اللعب تحت الطاولة والنظام الثاني ممنوع دوليا ويعاقب من يتعامل بهذا النظامquot;.

أشخاص وليس شركات احتالت على الناس

وائل الهليس صاحب شركة سماء غزة، ووكيل لشركة Easy Forex العالمية، قال quot;لإيلافquot; إن هناك كتابا وصلهم من وزارة الإقتصاد الوطني يفيد بإغلاق المؤسسة خلال أسبوع من تاريخه، ويضيف: quot;بناء على ذلك قررنا الإغلاق ولا نريد أن ندخل في صدام مع الحكومةquot;. وعن سبب الإغلاق قال: quot;طالبتنا وزارة الإقتصاد بعمل ترخيص، وقلنا لهم إن لدينا ترخيصا مبدئيا، ولكنهم لم يوافقواquot;.وتابع: quot;ذهبت فيما بعد إلى وزارة الإقتصاد وطلبت منهم آلية لعمل الترخيص، ولم يعطونا شيئا، ولا يوجد لديهم آلية، وأنا لم أسألهم كثيرا لأنني لا أريد الدخول بمشاكل في هذا الموضوعquot;. وفيما إذا كان الهليس قد تضرر من وراء إغلاق المؤسسة، يقول: quot;كان لدي 25 موظفا لثلاثة فروع للشركة في قطاع غزة، وجميعهم الآن عاطلون عن العملquot;.

أما بشأن الشركات التي قيل إنها قامت بالإحتيال على المواطنين فيوضح: quot;هناك أشخاص وليس شركات أخذوا أموالا من مواطنين تحت بند تشغيلي، وهؤلاء الأشخاص ليس لهم علاقة بالفوركس، وليس لهم شركة فوركس وليسوا وكلاء عن أحد، وخسرت الناس كل أموالهاquot;. ويؤكد الهليس أنه أعاد كل الأموال للمستثمرين عندما أُغلقت شركته، والتي لا تتعدى 2 مليون دولار في قطاع غزةquot;. ويشير إلى أنه تم إغلاق شركات الفوركس في رام الله أيضا، وعندما سألت quot;إيلافquot; عن الأسباب، قال: quot;يبدو أن الشيء شخصي مع بعض الناس، وذلك له علاقة بالسلطة في رام الله ومنازعات أيضاquot;.وينهي حديثه قائلا إن الفوركس ناجح مئة بالمئة في غزة، وهناك سهولة في عملية السيولة ولكنه يطالب بقانون ينظم هذا العمل.

الشركات لم تحصل على إذن سلطة النقد وهو أساسي

الدكتور عماد الباز مسجل الشركات في وزارة الإقتصاد الوطني في غزة قال quot;لإيلافquot; إن شركات الفوركس كلهاسجلت لديهم في وزارة الإقتصاد، وتم منحها الرخصة المبدئية، وأخذوا أرقاما كشركات مساهمة خصوصية محدودة، ولكنه يبين بأن هذا الترخيص لا يعني أن تبدأ الشركة بممارسة أعمالهاquot;. ويضيف: quot;لكي تبدأ الشركة بممارسة العمل الميداني الخاص بالفوركس والمضاربة على الأسهم، فإنها تحتاج إلى التراخيص اللازمة من أصحاب الإختصاص، ألا وهي سلطة النقد في حال أن الشركة لها علاقة بالفوركس، وهذا منصوص عليه في قانون المصارف رقم 2 لعام 2002 وفي قوانين أخرىquot;. وعن سبب إغلاق المؤسسات يقول الباز: quot;وصلتنا شكاوى من المواطنين الذين أودعوا أموالا لدى هذه الشركات للمضاربة عليها، وبدورنا فتحنا الملف، وتوجهنا إليهم، فوجدنا أن هذه الشركات بدأت العمل بالفوركس، وتبين لنا الأخطر، وهو أن هذه الشركات لم تكتف بعدم حصولها على ترخيص من سلطة النقد، بل خالفت قانون الشركات المعمول به في قطاع غزة رقم 18 لسنة 1929 والذي يلزم الشركة بأن تعقد اجتماع جمعية عمومية سنويا، وأن تختار الشركة مراقب حسابات، وأن تقوم بإعداد تقرير مالي وإداري، ولم نجد أياً من ذلك، فكانت المخالفات خطرةquot;.

ويشير إلى أنهم أرسلوا إخطارات لهذه الشركات قبل أن يقوموا بإغلاقها وذلك لتصحيح وتوثيق الوضع القانوني، وأعطوهم المهلة القانونية للقيام بالتصحيح، ولكن الفترة القانونية انتهت ولم يقوموا بشيء كما يقول الباز، ما دفعهم إلى إغلاق هذه الشركاتquot;. ويقول الباز إنه لولا مخالفات الشركات لما تحرك الملف، وأساس تحركه هو تقديم شكاوى من المواطنين، ويعترف بأن وزارة الإقتصاد تفاجأت في الواقع من شركات الفوركس، ويضيف: quot; إن أكثر من نصفها كان يعمل في إطار الفساد، وقد وصلت الأمور إلى قضايا جنائية، وذلك من خلال التحقيقات لدى النيابة العامةquot;. ويرحب الباز بأي شركة تريد أن تجدد نشاطها ويقول إن عليها أن تتقدم بطلب جديد لذلك، ويوضح أن سلطة النقد هي الجهة الوحيدة المخولة طبقا لقانون المصارف بإعطاء التراخيص لشركات الفوركس، مثلها مثل البنوك، وذلك ضمن ضوابط والتزامات مالية معينة quot;. ويضيف: quot;قانون المصارف أعطى سلطة النقد المسؤولية الكاملة لإصدار التراخيص لشركات فوركس، وبما أننا في الحكومة في غزة لا نعترف بسلطة النقد التابعة لرام الله، فهناك مجلس وزراء في غزة يحل محل سلطة النقد السابقةquot;.