لازمت القمة الاقتصادية العربية الثانية بشرم الشيخ أجواء سياسية متوترة تشهدها معظم بلدان الوطن العربي ، فبين الثورة الشعبية التونسية - كما يحلو لبعضهم أن يسميها- واستفتاء تقسيم السودان وصراعات الحكم في لبنان والأجواء المتوترة في مصر نتيجة الحوادث التي تستهدف الوحدة الوطنية وإشعال الفتنة وكذلك تزايد محاولات الانتحار إلى جانب التوترات الأخرى في العراق واليمن والصومال وفلسطين. في خضم تلك الأحداث الملتهبة، انعقدت القمة الاقتصادية الثانية. فهل تكون تلك الأحداث دافعًا للاستفادةوخطوة إلى الأمام في طرق تحقيق التكامل الاقتصادي، أم أنها كتبت عليها الفشل قبل بدايتها ؟
القاهرة: في البداية أكد الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفي السعيد- وزير الاقتصاد الأسبق ورئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب في دورته السابقة- في إفادة خاصة لـquot;إيلافquot; أن المكاسب الأولى لقمة شرم الشيخ وقمة الكويت من قبلها هي الاهتمام الذي تلقاه القضية الاقتصادية في الوطن العربي لدرجة أن تنعقد قمم خاصة ومتخصصة في المجال الاقتصادي فقط دون السياسي ، وهو ما يحدث لأول مرة بالمبادرة الكويتية ثم الاستمرارية والاستكمال في مصر في قمة شرم الشيخ ، فهذا في حد ذاته يعكس مدى تنبه الحكومات لأهمية العلاقات العربية ndash; العربية وما يمكنها من تحقيق لنجاحات وقفزات كبيرة على الصعيد الاقتصادي ، ومن الهدف الذي ترمي إليه هذه القمم وإن تعددت التسميات بين التعاون الاقتصادي أو التكامل أو الاتحاد أو ما إلى ذلك من المسميات، فهو من الناحية النظرية هدف لا ريب أو خلاف أنه يؤدي إلى نهضة وتنمية اقتصادية في مختلف الدول العربية من المحيط إلى الخليج ، ولكن الخلافات السياسية والإرادة الخاصة بها تجعل من هذه القمم آمالاً فقط ولا ترقى بها إلى أهداف تأخذ حيز من التنفيذ على أرض الواقع ، ولكن انصافًا للحق فإن الأوضاع الراهنة تضيء بصيصًا من نور وبارقة أمل نحو تحقيق وتفعيل توصيات القمة الاقتصادية ، وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن القضايا التي طرحت على القمة هي قضايا جوهرية وتلمس الواقع الاقتصادي العربي، كقضية البطالة والتي وضعت حلول جيدة لها كصندوق دعم المشاريع المتوسطة والصغيرة، وبالنسبة إلى جدوى هذا الصندوق وامكانية تفعيله لفت وزير الاقتصاد الأسبق إلى أن ذلك يرجع إلى الجهة التي سوف تديره وهي الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وأشار إلى أن هذا الصندوق له تاريخ مشرف وساهم في الكثير من المشاريع وهو كذلك المنوط به دراسة وإدراة عملية الربط الملاحي والكهربائي بين الدول العربية ولذا فنأمل أن يتم تفعيل هذا الحلم لأنه سيعود بالنفع على المواطن العربي ويقترب من الاصلاح العربي الشامل.
أما الخبير الاقتصادي الدكتور عبد المنعم درويش أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية فوصف قمة شرم الشيخ الاقتصادية بالإيجابية وقال في تصريحات هاتفية لـquot;إيلافquot; : إن القضايا التي ناقشتها القمة تضع حجر الزاوية لقيام السوق العربية المشتركة التي طال انتظارها منذ أكثر من 50 عامًا واللافت للنظر أن هناك ربطًا واضح بين قمتي الكويت وشرم الشيخ و هناك محاولة لتفعيل مقررات القمة الأولى دون التطرق لطروحات جديدة تفقد هذه القمم مصدقيتها وجدواها ، وبناء عليه فإن الدول العربية على هذا النهج تسير على خطى تحقيق حلم السوق العربية في غضون العام 2020 ويدعم ذلك الأحداث السياسية والاضطرابات التي تحيط بالوطن العربي كأحداث تونس والسودان ولبنان إلى جانب القضايا القديمة كالقضية الفلسطينية والعراقية والصومالية فكل هذه الاضطرابات قد تأتي بنتائج إيجابية ويتم افساح المجال لتنفيذ الوعود والتوصويات الخاصة بالقمم.
ويرى درويش أنه لا بد من قيام البنية التحتية السليمة للاستثمار وتسهيل المواصلات البرية والبحرية والجوية ، وتبادل الأيدي العاملة والكوادر العربية وتسهيل ذلك من خلال إلغاء العقبات وتزليلها أمام الشباب للهجرة الداخلية في الوطن العربي وقد وضعت البحرين البصمة الأولى في هذا الصدد عندما أعلنت إلغاء نظام الكفيل وتبعتها الكويت، ونرجو أن يتم ذلك في باقي الدول والأقطار العربية، كما لفت الخبير الاقتصادي إلى ضرورة الوصول بالرسوم الجمركية بين الدول العربية إلى الرقم (صفر) لأن ذلك أكبر عامل من عوامل تشجيع تبادل التجارة البينية التي لا تناسب نسبتها الحالية مع حلم التكامل الاقتصادي وتبادل الاستثمار الذي يصب في اتجاه القضاء البطالة والفقر أكبر مشاكلنا الاقتصادية العربية ، وقال : من غير المعقول أن حجم الاستثمارات العربية خارج الدول العربية ترليون و2 من عشرة في حين نحتاج فقط لأقل من نصف هذا الرقم الضخم لكي نقضي على مشاكلنا ويمكننا أن نحقق الاكتفاء العربي .
ومن جانبه،قال الخبير الاقتصادي الدكتور حمدي عبد العظيم رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية الأسبق لـ quot;إيلافquot; القمة ناقشت قضية البطالة واعتمدوا في ذلك على المشروع الذي أطلق في قمة الكويت وهو انشاء صندوق لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة برأس مال 2 مليار دولار ولكن لم ييستطع الصندوق تجميع سوى مليار و200 مليون دولار تقريبا لأن ثلاثة دول فقط هي التي استجابت لدعم الصندوق وهي الكويت والسعودية ومصر ، وأضاف إن هذا المشروع هو خطوة جيدة ولكنه لا يقضي على مشكلة البطالة ، إضافة إلى ذلك فإنه لتحقيق التكامل الاقتصادي التي تهدف إليه القمم الاقتصادية لابد من زيادة الاستثمارات العربية في مجال الزراعة لتقليل الواردات من منتجاتها وتحقيق ما يمكن الوصول إليه من الأمن الغذائي وتسهيل تبادل وانتقال العمالة والخبرات وكذلك السعي لزيادة التجارة البينية فهي الوقت الحالي لا تتعدى 12 % والاستثمارات التي تقدر بحوالى 7 % وهذه النسب المتواضعة لا تتناسب مع الهدف من القمة. واشار الدكتور حمدي أن الشعب العربي في انتظار قرار الحكومات والإرادة السياسية لتفعيل هذه التوصيات وإلا تتحول القمة الاقتصادية لمجرد زيارات ودية لا جدوى لها،فمن دون التدخل السياسي وتقديم التنازلات وإصلاح المواقف السياسية أو فصلها عن القضية الاقتصادية سيمكننا تحقيق الهدف المرجو في أقرب وقت.
التعليقات