أكد رجال أعمال سوريون أن رؤوس الأموال الوطنية تغادر البلاد وسط مخاوف من انعدام الاستقرار الاقتصادي، ما يدفع المواطنين إلى البحث عن أماكن آمنة لأموالهم. وكانت الليرة السورية تعرّضت إلى ضغوط نتيجة فقدان الإيرادات بالعملات الأجنبية بسبب انهيار السياحة والحظر الأوروبي على استيراد النفط السوري.


مصرف سوريا المركزي

نقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن رجل أعمال سوري قوله إن نقودًا تهرّب عبر الحدود إلى لبنان quot;كل يوم وكل ساعةquot;، في حين قال آخر إن رؤوس أموال سورية تموَّه في الاقتصاد الرمادي القائم منذ زمن طويل بين سوريا ولبنان.

وكانت وسائل الإعلام السورية الرسمية ذكرت، فيما اعتبره مراقبون مثالاً على نقل الأموال عبر الحدود، أن السلطات اعترضت ما تزيد قيمته على 100 ألف دولار من الليرات السورية خلال تهريبها عبر الحدود الللبنانية تحت مقعد سيارة.

ويقدر سمير سيفان، وهو اقتصادي يقيم في دبي، أن أفرادًا من الطبقات الوسطى والعليا أخرجوا ما بين 3 و5 مليارات دولار من سوريا منذ اندلاع الانتفاضة في آذار/مارس، بسبب الضغوط على العملة وغياب فرص الاستثمار.

وقال سيفان إن أسهل طريقة لتهريب الأموال من سوريا هي تهريبها إلى لبنان، مشيرًا إلى وجود قنوات معتمدة. وتسلط أنباء هروب رؤوس الأموال النقدية ضوءًا على تفاقم الضائقة المالية التي يواجهها نظام الرئيس بشار الأسد بعد نحو ثمانية أشهر من المواجهات الدامية بين المحتجين المناوئين للنظام وقواته الأمنية التي تستخدم أساليب وحشية ضدهم.

وتعرّضت الليرة السورية إلى ضغوط شديدة نتيجة فقدان الإيرادات بالعملات الأجنبية بسبب انهيار السياحة والحظر، الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على استيراد النفط السوري. وفقدت الليرة السورية 10 % من قيمتها مقابل الدولار في السوق السوداء منذ اندلاع الاضطرابات.

وتمنع الضوابط المالية التي فرضها النظام في آب/أغسطس شراء أكثر من 2000 دولار في سوريا من دون مبرر. ويقول سوريون إنه ما زال بالإمكان شراء دولارات في السوق السوداء، ولكن بصعوبة وفي مواجهة مخاطر أمنية.

وأفادت تقارير أن الكثير من السوريين يبحثون رغم ذلك عن طرق للالتفاف على القيود المفروضة على تحويل الأموال إلى خارج البلاد. وقال رجل أعمال سوري تحدث لصحيفة فايننشال تايمز إن بعض الأشخاص يقومون بتبديل ليرات سورية نقلوها إلى لبنان quot;خلسةquot;. وقال متهمكًا quot;نحن لسنا أوروباquot;.

ويبدو أن حجم الأموال المهرّبة لا يزال صغيرًا أو أنه يتجنّب القنوات النظامية، وبالتالي فهو لا يظهر في المؤسسات المالية في لبنان، الذي يشكل حلقة وصل مهمة بالعالم الخارجي الأوسع.

وعمد القطاع المصرفي اللبناني، الذي تراقبه وزارة الخزانة الأميركية، إلى تشديد شروط مسؤولية الزبون عن مصادر أمواله، خاصة بعدما فرضت السلطات المالية الأميركية هذا العام عقوبات على مصرف لبناني بتهمة تبييض الأموال. وفي هذه الأجواء ارتفع إجمالي الودائع بالعملة المحلية والدولار بنسبة تقلّ عن نسبة ارتفاعها في الفترة نفسها من العام الماضي.

لاحظت صحيفة فايننشيال تايمز أن تجار العملة اللبنانيين المنفتحين عادة يرفضون الحديث عن العملة السورية، رغم أن صاحب مكتب صرافة في بيروت قال إنه يقوم بتبديل نحو 500 ألف ليرة سورية يوميًا بالمقارنة مع نحو 200 ألف قبل أسبوع على بدء الأزمة. وحذّر آخر في مكتب الصرافة نفسه قائلاً quot;إن الحديث عن ذلك أخطر من السياسةquot;، في إشارة غير مباشرة إلى أذرع أجهزة الأمن السورية الممتدة داخل لبنان.

وقال جهاد يازجي المحلل الاقتصادي ورئيس تحرير مجلة quot;سيريا ريبورتquot; الاقتصادية إن السوريين تعوَّدوا على إيجاد طرق لإخراج أموالهم من البلاد بعد سنوات من القيود الصارمة على حركة رؤوس الأموال، قبل الشروع في تنفيذ إصلاحات اقتصادية محدودة في عام 2005. وأضاف أن من الحيل المستخدمة هي أن يُدفع مبلغ بالعملة السورية إلى شخص في الداخل مقابل إيداع مبلغ معيّن عنه بالعملة الأجنبية في أحد المصارف في الخارج.

ويقول مراقبون، يتابعون هروب رؤوس الأموال من سوريا، إن العملية دفق ثابت، وليست هروبًا مذعورًا يمكن أن يُسهم في إسقاط النظام على المدى القريب.

وزعم محافظ البنك المركزي السوري أخيرًا أن لدى سوريا ما قيمته 18 مليار دولار من القطع الأجنبي، تعادل نحو 30 % من اجمالي الناتج المحلي،للحفاظ على استقرار الليرة السورية. لكن محللين يقولون إن الحجم الحقيقي للموارد المتوافرة لدى النظام السوري لحماية الليرة السورية ليس معروفًا بسبب غياب الشفافية المالية. ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن دبلوماسي في دمشق قوله quot;إن الحقيقة هي أن لا أحد يعرف على الأرجح، ولا حتى النظام نفسهquot;.