دمشق: قررت الحكومة السورية يوم الثلاثاء إلغاء قرار صدر مؤخراً لحظر استيراد معظم السلع الاستهلاكية، وهي الخطوة التي أدت إلى ارتفاع أسعار السلع وأثارت غضباً شديداً بين نخبة رجال الأعمال، الذين يدعمون الرئيس بشار الاسد حتى الآن، على الرغم من مرور ما يقرب سبعة أشهر على الثورة السورية. واعتبرت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; ان إلغاء هذا القرار هو حدث واحد في سلسلة من التطورات التي شهدتها سوريا في يوم صاخب. فمجلس الأمن في الامم المتحدة صوّت يوم الثلاثاء على مشروع قرار يدعو الى انهاء العنف في سوريا، ويدعو إلى فرض عقوبات جديدة، غير أن إقرار المشروع فشل بعد رفض روسيا والصين.

وفي الوقت نفسه، قالت تركيا انها ستبدأ مناورات عسكرية على طول حدودها مع سوريا هذا الاسبوع، في حين يعتبر موقع التدريب العسكري قرب الحدود خطوة من جانب تركيا لممارسة المزيد من الضغوط على دمشق. واعتبر مسؤول في إدارة أوباما أن إعلان لتركيا عن هذا القرار بمثابة quot;ضربة مطرقة قويةquot;، مشيراً إلى أن الأتراك quot;يتحركون فجأة وبشكل سريع جداًquot;.وقال محللون إن الحظر الذي فرضته سوريا الأسبوع الماضي على البضائع المستوردة، والذي يشمل السيارات والأجهزة المنزلية والمواد الغذائية، أدى إلى بروز مشاعر من القلق العميق بين السلطات في سورية، والتي تواجه اضطرابات اسياسية هي الأكثر خطورة في أربعة عقود من الدكتاتورية. وقال مسؤولون ان هناك حاجة لحماية احتياطيات العملة الأجنبية.

واشار المحللون إلى أن أوامرالحظر صدرت من دون أي دراسة للتأثيرات المحتملة على السوق السورية أو على اتفاقات التجارة السورية مع الدول المجاورة. وقال بعض الاقتصاديين في سورية ان خطة الحظر وفشلها هي مؤشر على أن القيادة السورية غير واعية ومتماسكة في مواجهة الثورة وتداعياتها على الاقتصاد السوري. quot;تسبب قرار فرض الحظر على الاستيراد بضجة على المستوى الداخلي السوريquot;، يقول نبيل سكر، وهو خبير اقتصادي كبير سابق في البنك الدولي ويرأس الآن المكتب الاستشاري السوري للتنمية والاستثمار في دمشق.واضاف سكر: quot;لقد أدركوا أنهم لا يستطيعون حظر الاستيراد لأنه سوف يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وانتشار التهريب والبطالة، كما أنه يضر بمصداقية الإصلاحاتquot;.

وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي عقوبات اقتصادية صارمة على سوريا، بما في ذلك فرض حظر على النفط الخام، بسبب حملة سوريا الوحشية ضد الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، والتي قتل فيها 2700 شخص، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة. وأدت الثورة التي اندلعت في منتصف شهر آذار/ مارس إلى تدمير الاقتصاد السوري. وتوقع صندوق النقد الدولي أن النمو قد يتقلص بنسبة 2 في المئة هذا العام، نظراً لهبوط معدلات الاستثمار في قطاع السياحة والخسائر بسبب الحظر على النفط السوري الخام.

وقال بائع في معرض فني في باب توما، وهو حي مسيحي في دمشق: quot;لا يوجد عمل ولا زبائن. لقد كان موسماً سيئا للغايةquot;. وقال محللون ان الحكومة السورية سوف تتخذ الآن خطوات أخرى لحماية احتياطياتها الأجنبية، التي قدرت مؤخراً بـ 18 مليار دولار، وفقاً لوزير المالية محمد جليلاتي. وتعتبر هذه الاحتياطات كافية لتغطية واردات البلاد لمدة عامين. ويبدو ان سبب إعلان الحكومة السورية عن فرض الحظر على الواردات غير واضح أو منطقي، بما انها تمتلك من الاحتياطي ما يكفي لعامين. وقد أعلن عن هذا الاجراء من قبل وزير الاقتصاد محمد نضال الشعار يوم 26 ايلول/سبتمبر، وقال انه تدبير وقائي مؤقت، ولكن ضروري لحماية احتياطيات العملة الأجنبية، وهي المؤشر الرئيسي لاستقرار الحكومة. ونقلت الـ quot;نيويورك تايمزquot; عن مسؤول في إدارة أوباما، اشترط الحفاظ على سرية هويته، قوله: quot;على الرغم من تراجع سوريا عن هذا القرار، إلا أن الضرر قد تم بالفعلquot;. وأضاف ان مستوى التضخم قد تضاعف ثلاث مرات وازدادت عمليات التهريب منذ أن اتخذ القرار، الأمر الذي زعزع نخبة رجال الأعمال في سوريا، الذين ينحازون إلى جانب حكومة الأسد.

وأضاف: quot;ان الأثرياء وميسوري الحال يشعرون بالإستياء بسبب قرارات الأسد. انهم يعتقدون انه لا يعرف ماذا يفعل. وقد ارتفعت نسبة التضخم، ولا يستطيع الأسد ان يفعل شيئاً لإصلاحهاquot;.وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، واستمرار الاحتجاجات التي تواجهها حكومة الاسد بالعنف والوحشية، اجتمع مجلس الأمن مساء الثلاثاء في محاولة لفرض عقوبات على نظام الاسد وممارسة المزيد من الضغوط لوقف أعمال القمع.وخلال التصويت على مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو الى انهاء العنف في سوريا، حاز المشروع على تسع دول من بينها الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، في حين أن دول البرازيل والهند وجنوب افريقيا ولبنان امتنعت عن التصويت.

وكانت روسيا قد أعلنت مسبقاً انها لن تقبل اي قرار يشمل ndash; ولو حتى تلميحاً من العقوبات- على سوريا. واتهمت السفيرة الأمريكية، سوزان رايس، معارضي القرار بالسعي لمواصلة مبيعات الأسلحة إلى سوريا. وأضافت: quot;بات باستطاعة الناس في الشرق الأوسط أن يروا بوضوح الدول التي اختارت أن تتجاهل دعواتهم للديمقراطية، وتدعم في المقابل القادة الطغاةquot;.